عرض مشاركة واحدة
قديم 03-16-2017, 08:35 PM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رحم الله علماءنا الكبار عندما أسسوا لنا قواعد بديعة تمثل لنا حرزا مما نلاقيه فى حياتنا كعرب ومسلمين .. فقد قال العلماء ( إذا تكلم المرء فى غير فنه أتى بالعجائب )!
وأعجب العجائب هذه الأيام هى انهيار مفهوم الإستدلال ومفهوم الدليل لدينا نحن المثقفين العرب !
فعندما أرى ردا على موضوع علمى يتكلف صاحبه الإتيان بقول ابن رجب الحنبلي لاثبات أن شيخه ابن القيم ليس معصوما ,
سبحان الله وهل هناك حاجة لقول ابن رجب أو غيره لاثبات حقيقة بديهية لا يجادل فيها أحد وهى أن العصمة للأنبياء والرسل وحدهم عليه السلام
الأفكه من هذا وهو انهيار منظومة الإستدلال فى الأخذ بهذا المنطق الطريف وهو رفض أقوال العلماء المتخصصين فى مجالاتهم بمجرد قولنا أن هذا العالم أو ذاك ليس بمعصوم , ولست أدرى حقيقة ما الذى يتبقي لنا من الدين والتاريخ بل وأى علم من العلوم النظرية إن اشترطنا العصمة فيمن بلغنا , وهل يا ترى أخذنا نحن المسلمون القرآن والسنة والأحكام الشرعية عن النبي عليه السلام مباشرة ! , أم أننا أخذناها عن العلماء المعتمدين غير المعصومين أصلا !

وليت الأمر اقتصر على هذا , وهنا أنا أتحدث بصفة عامة وليس عن الرد السابق وحده , وهو أن بعض المثقفين العرب يحتجون برفض الأحاديث والإجماعات والثوابت عن طريق نسبة هذه الثوابت لأسماء العلماء الناقلين لها , فنجد من يقول أن البخارى قال بالحدود مثلا , وأن الإمام مالك قال بكذا ...
ولست أدرى فى الواقع عندما يعترض المعترض على أحد ثوابت القرآن والسنة هل هو مثلا لا يدرى أن دور العلماء هنا كابن القيم والبخارى وغيرهما هو دور الناقل والمحقق ليس إلا ! , أم أن هؤلاء العلماء أتوا بهذه القواعد وهذه النصوص من بيوتهم مثلا !
وابن القيم فى كتاب الروح والقرطبي فى كتاب التذكرة وغيرهم عندما يصنفون كتابا فى هذا الموضوع ويجمعون فيه نصوص القرآن والسنة وأقوال وإجماعات الصحابة والسلف , هل يكون محتوى الكتاب هنا من اجتهاداتهم الشخصية حتى نبرر رفضها ونقضها بأنهم غير معصومين !!

هذه واحدة ..الأمر الأهم من هذا أننى أتساءل منذ سنوات عن حال مثقفي التغريب ممن يحرصون على تزكية ونشر الخرافات الغربية ــ حتى لو كانت من معاتيه الغرب ـــ وحتى لو كانت مصادمة لأبجديات وثوابت العقيدة الإسلامية ومع ذلك يقبلونها ويروجونها باعتبارها علوم جديرة بالتصديق والبحث فى نفس الوقت الذى يرفضون فيه الثوابت الإسلامية فى الغيبيات وهى المعتمدة على نصوص القرآن والسنة ,,
ولعل أشهر مثال لهؤلاء الصحفي عادل حمودة مثلا ومن هم على دربه من مروجى الخرافة وتجده متعتنا جدا أمام نصوص السنة فى العقيدة وفى نفس الوقت يفرد فى لقاءاته بالفضائيات وكتاباته مساحات عريضة للدجالين ممن يزعم أن يقرءون المستقبل ويسمى هذا فى حواراته علما وقراءة للطالع وموهبة تبصرية خارقة !
وانظروا مثلا كيف يجتهد المثقفون اليوم للترويج لخرافات نوستراداموس مثلا وهو تحت أى مقياس علمى مجرد مهرطق وكتابه الذى يتحدثون عنه لم تثبت له نسخة واحدة صحيحة اصلا بعد كمية التزوير الرهيبة التى تم تزويرها فى كتابه ( القرون ) أثناء الحرب العالمية الثانية كأحد دعايات الحرب النفسية ,
ورغم هذا فهناك من يتبع وينشر ويشجع ..
فى نفس الوقت الذى تجد نفس هؤلاء المشجعين يمتعضون اذا ذكرنا لهم كتابا يحتوى أحاديث الفتن واشراط الساعة رغم أنها نبوءات وحى من النبوة المشرفة وقالها النبي عليه السلام نفسه
فلماذا يسلمون عقولهم بمنتهى السهولة لخرافات الغرب وتصحو عقولهم فجأة لرفض ما لا يستوعبوه لمجرد أن مصدره هو كتب السنة والوحى والدين
!

ما علينا ..
كما أسلفت من قبل فإن كتاب الروح لابن القيم هو كتاب بحثي ألفه المحدث العبقري ابن القيم نقل فيه النصوص التى تعالج موضوع الروح من الأحاديث وآثار الصحابة وإجماعات العلماء , وليس فى الكتاب اجتهاد شخصي من ابن القيم مع أنه لو اجتهد فاجتهاده بالقطع مقدم على غيره باعتباره من جبال العلم
وليس معنى أن ابن القيم ليس معصوما , أنه بامكان أى عابر سبيل أى يصحح أو ينتقد فى اجتهادته لمجرد الهوى بلا أى دليل أو قرينة ..
هذا بالطبع إن كان فى هذا الأمر اجتهاد من الأساس , وهو ما سبق أن أوضحناه بأوضح عبارة أن أمور الروح وما يتعلق بها هى غيبيات مطلقة العبرة فيها للنصوص والآثار , وليس فيها مجال قياسي للعلم الكسبي أو المعملى مهما بلغ التقدم العلمى فى هذا الشأن

وموضوع رؤيا الأحياء للأموات فى المنامات وموضوع الرؤي فى مجمله أحد ثوابت العقيدة عند أهل السنة وثبتت بعشرات النصوص الحديثية عن النبي عليه السلام ولا أعرف عالما من أهل السنة يعتد به خالف فى هذا ..
وسبق أن أوردت حديث المبشرات , وهناك أيضا حديث النبي عليه السلام فى صحة رؤيا المؤمن فى آخر الزمان والحديث فى مسلم , ناهيك عن الرؤيا للأنبياء والرسل هى من ثوابت الوحى كما ثبت بالقرآن والسنة حيث قال النبي عليه السلام ( رؤيا الأنبياء وحى )

أما بخصوص رؤيا الأموات لسائر الناس فهى متواترة الثبوت ومنها
وكذلك قال النبي عليه السلام عن نفسه ( من رآنى فى المنام فقد رآنى حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي ) ,
والتاريخ يحفل بآلاف العلماء والصحابة والتابعين ممن رأوا النبي عليه السلام بعد وفاته
ومن نصوص السنة أيضا ما ورد فى صحيح مسلم
عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ ؟ قَالَ : حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ ، فَمَرِضَ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَالَ : قِيلَ لِي : لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ .
فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ
. رواه مسلم ..

ومن السنة الثابتة أيضا . قال أبو داود – صاحب " السنن " - : محمَّد بن محمد بن خلاَّد – وهو من شيوخه - قتله الزِّنج صبراً ، فقال بيده هكذا - ومدَّ أبو داود يده ، وجعل بطون كفيه إلى الأرض - ، قال : ورأيتُه في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : أدخلني الجنة .
وكان أحد الصحابة من رفاق عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يدعو فى صلاته دوما ( اللهم إنى أعوذ بك من عمل يخزينى عند الله بن رواحة ) بعدما جرب عتابه له على بعض تصرفاته مناما عقب استشهاد بن رواحة رضي الله عنه
ناهيكم عما أورده ابن القيم عن الواقعة الفريدة لأحد الصحابة ممن استشهدوا فى إحدى الغزوات فى زمن عمر بن الخطاب وجاء الصحابي مخبرا ولده عن مال له لا يعلم بمكانه أحد , وذهب ولده إلى عمر وفتشوا المكان ووجدوا المال بالفعل فقسموه كميراث بإجازة عمر بن الخطاب وسائر الصحابة
والمجال يطول لو أننا استقصينا النصوص فى هذا الباب .. وهى كلها كما يري القارئ أحاديث ثابتة عن النبي عليه السلام وليست عن أفراد العلماء
ومن إجماعات العلماء فقد نقلها سائر العلماء وأثبتوا رؤيا الأموات فى المنام وأسسوا قاعدة أن الرؤيا الصادقة للميت وكلامه فيها هو الصدق لأنه فى دار الحق كما ثبت عند الإمام المحدث ابن سيرين رحمه الله
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله ــ فى منهاج السنة
رئي عمرو بن مرَّة الجملي - وهو من خيار أهل الكوفة ، شيخ الثوري وغيره - بعد موته ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي بحبِّ علي بن أبي طالب ، ومحافظتي على الصلاة في مواقيتها .
وقال الذهبي – رحمه الله – فى تذكرة الحفاظ
قال حبيش بن مبشر - أحد الثقات - : رأيتُ " يحيى بن معين " في النوم ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال : أعطاني ، وحبَاني ، وزوَّجني ثلاث مائة حوراء ، ومهَّد لي بين البابين .
إلخ مما يطول من الروايات وهى جميعا تدور حول رؤيا الأموات من الأحياء مناما , وهى النقطة التى لا أدرى لماذا تبدو صعبة الإستيعاب

أما القول بأن المنامات كلها من أثر العقل الباطن
فهذا لا يوجد فى شريعة الإسلام وإنما من ثقافة الغرب الذى يفتقر للنصوص الدينية فى هذا المجال , حيث ثبت عن النبي عليه السلام فى الحديث الصحيح تقسيمه الرؤيا على ثلاثة أقسام , منها قسم واحد وهو الرؤيا من الله التى تعتبر رؤيا صادقة وهذه الأقسام هى
رؤيا من الله وهى الرؤيا الصادقة , ورؤيا من الشيطان وهى التحزين , ورؤيا من حديث النفس أو كما يسميه علماء النفس العقل الباطن أما حصرها فى العقل الباطن فهذا يضاد أبسط مبادئ العقيدة كما أسلفنا

ولكم التقدير