عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2014, 09:53 AM
المشاركة 1248
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
n تصرّ في خاتمة رواياتك أن تقحم إمضاءك فتغتال الرّاوي في عملك، هل كنت أنت المؤلف الذي يروي دائما أم أنّه يحزّ في نفسك أن تترك تلك العوالم الرّوائيّة لشخصيّة ورقيّة ؟
oo فعلا ملاحظتك طريفة جدا، والحق أنّ هذا التقليد حاضر في "المدوّنة" و"النخّاس" و"السيرك" و"التاج والخنجر والجسد". أستحضر اسمي مباشرة، أو بعض ألقابي الظاهرة أو الخفية، كأن أقول "أبو يُسر" وهي كبرى بناتي، أو "تاج الدين فرحات" تنويعا على "صلاح الدين بن فرحات" وهي لقبي الأصلي… إلى غير ذلك من "الرموز" المفضوحة الواضحة التي تصبو إلى الإحالة على المرجع الخارجي، وجعل النص "نسبيا" أي نسبيّ الانغلاق، أو الإحالة على ذاته. والأمر نابع من تصوّري للعلاقة بين النص والمرجع، فليس في كتابتي "سيرة ذاتية" بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن فيها يقينا نابعا من الجوار الدال. بين النص المكتوب والمرجع المحكي، حتى لأكنهما واحد. في ذلك تصور للفن الروائي الساعي إلى الانبثاق من الحياة والعائد إليها، ينبثق منها بإثارة أسئلتها الوجودية الكبرى، ويعود إليها للإلحاح على استفهاماتها الأصلية.
… ثمّ انتبهتُ بعد ذلك إلى أن الشاعر الزّاجل في قصائدنا العامية يُضمن اسمه للتباهي في نهاية "القسيم"، فاستطرفتُ ذلك حقّا !!
n لاحظنا في آخر أعمالك وفي "السرك" تحديدا أنّك تنزع إلى الوصف مستعملا لغة واقعيّة محايدة خلافا لعملك البكر الذي جاء مثقّلا بحضور كثيف للذات جعلها تقف منظّرة ملقية بحكمها ورؤاها. هل انحسار هذه الذّات الوجودية وانفجار الواقع ليعبّر عن نفسه في علاقة بانهيار الإيديولوجيّات والفلسفات اليوم ؟
oo قد أوافقك على "انهيار الأيديولوجيا وانحسار الواقع"، لكنّني أولا وآخرا أعيد الأمر إلى "العمل الأول" الذي افتتح به هذا الحديث. فالعمل الأول يقتضي منا أن نقول كل شيء، فكأنه يختزل، ويختزن، جميع الأعمال التي تعقبه، أما الأعمال الموالية فأقل ادّعاء، لذلك تكون أكثر صمتا، وأميل إلى الإيحاء دون جلبة أو ضجيج. فلنقل إن التفسير مزدوج إذن، هذا وذاك في الوقت نفسه، لكنّني أعود لأكرر الإشارة إلى أنّ الكاتب إذ يكتب لا يقصد إلى هذا الأمر أو ذاك، إنما من مهام الناقد فيما بعد أن يُعمل أدوات التأويل فيما بين يديه.
n تحدّث سعيد يقطين في حوار أجريناه معه عمّا سمّاه بـ"الرّواية التفاعليّة" التي استفادت من الثورة المعلوماتيّة. هل يعتقد بوجاه أنّ هذة الاستفادة كفيلة بأن تضمن للرّواية حداثتها، أم أنّ هذا التوظيف لا يعدو أن يكون صرعة فنيّة سرعان ما يعود بعدها الرّوائي إلى سحر المخطوط وجماليات البصري العتيق ؟
oo أنا من القائلين بأنّ "الإنسان بصدد التغير والتبدّل"، فعلا، الإنسان إذ يبتدع أدوات جديدة يدخل علاقات مغايرة، وبالتالي يُغيّر من ذاته، لهذا لا يمكنني اليوم أن أجزم بأن البقاء للمخطوط. إنّما يعنيني أن ألاحظ أن المسألة بالنسبة إليّ تعود إلى الاحتفاظ بالمكتوب، أما بالنسبة إلى غيري فمن يدري. أنا ممن يؤمنون بالقدرة التحريرية للكتابة الروائية التي تحتفظ لنفسها بمجالات الهدوء والصمت والتأمل والرويّة وإعمال العقل. هذه الجوانب هي الكفيلة بالإسهام في تحرير الإنسان، أما الجلبة فلا تغني ولا تسمن من جوع !
n شخصيّة "تاج الدين" – سيد الورق في روايتك "النخّاس" – فيها الكثير من صلاح الدين بوجاه. هل كنت تراوغ الرّوائي بالذاتي وتضفر الرّواية بالسيرة والمتخيّل بالواقعي في مؤلّفِك ؟!!
oo هي هباءات متمازجة، وفي الإمكان أن تعثر على إجابة على هذا السؤال طيّ الصفحات السابقة، تاج الدين فرحات هو صلاح الدين بوجاه، وهو جيل بكامله من أصحاب صلاح الدين بوجاه، لكنه مخلوق روائيّ نصيّ قد قُدَّ من كلمات. لذلك لا أميل إلى التأكيدات الخاوية الجازمة النهائية، إنما تستهويني الأجوبة المفتوحة غير المكتملة. ولا أعتقد أنّ "النخّاس" رواية سيرذاتية، رغم رغبة الرّاوي في الإيحاء بذلك. إنما هي تبنى – مثلما أسلفْتُ- على حوار أخّاذ بين الواقعي المرجعي والنصّي الصرف، لذلك تتردّد بين هذا وذاك. والحق أنّ ما يُنبئ فيها بالسيرذاتي يوجد في غيرها من رواياتي، بل من مجاميعي القصصيّة، لذلك أميل إلى تأكيد ما يمكن تأكيده بالنسبة إلى غيرها… فيها مزيج من نتفٍ وهباءات قد تذكّر بسيرتي لكنها تتجاوز سيرتي لتضرب بسهم في سيرة جيل بكامله، مدوّنة الاعترافات والأسرار كذلك، وبطلها الذي يختفي منذ الصفحة الأولى.
وكنتُ قُلتُ في ذلك الحين، إنه قد غاب، أو غُيِّبَ. وأعلن هاهنا أيضا أنّ "تاج الدين" في "النخّاس" هو أبو عمران سعيد في "المدوّنة" وهو الرّاوي في "التاج والخنجر والجسد"… وهو جميع هؤلاء الذين سيترددون على محاولاتي الرّوائية القادمة، له سماتهم وعلى لسانه شذراتٌ مما يقول، وفي ملامحه أيضا !!
n نواصل الحديث في هذه المسألة : "نصوصي تشبهني، فهي لا تحتيا في كنف العافية، إنما تقوم على مطلق الانشطار والخفّة… والبحث عن الجديد البعدي المبهج".
هذا الكلام لك، ومع ذلك تستدرك سريعا لتقول أنّك لم تقصد كتابة سيرتك ولا سيرة جيلك، وإن كانت الوجوه التي عرضتها في نصوصك تشبهك أو تشبههم.
هل فعلا يقدر الكاتب أن يحسم في ذلك الشبه أم أن المتلقّي هو الذي قد يعثر على ذلك الشبه بينك وبين تاج الدين مثلا لأن الكاتب قد يكتب تحت ثقل اللاوعي فتنسرب من بين أنامله حيواته وخلاياه وجيناتـه وهـو لا يعلم ؟!
هل تكتب وأنت على عرش وعيك أم أنه يحدث أن تراجع نصّا كنت قد كتبته فتغيب عنك دوافع ارتكابه ؟!!
oo فعلا، أنا لم أقصد إلى كتابة سيرة جيلي قصدا، لكن تلك السيرة تظهر من تجاويف الرّواية، تمدّ رأسها لتنظر من خلال شقوقها. وأجزم مجدّدا أنّ نصوصي تشبهني، وأنها مثلي لا تحيا في كنف العافية، إنما تتصادم ولا تترافد ! أقول إنّ هذا ينبع من بنيتها، وبنيات شخصياتها، لهذا فهي "لا تقول هذا" لكنّها "توحي به"، هذا هو لبّ المسألة. وأنا معك في أنّ الأمر يُترك ليحسم في شأنه المتلقّي بما يريد. وقصارى ما أقول هنا لا يعدو أن يكون تفسيرا واحدا من بين تفسيرات شتّى كثيرة يمكن أن تصيب، كما يمكن ألاّ تصيب ! وأشير هاهنا إلى أنّني أكتب نصوصي دفعة واحدة، ولا أعود إليها.
النص الوحيد الذي كتبتُه على مرحلتين، الأولى تفصلها على الثانية سنة كاملة، ثم عدتُ إليه لأتناوله بالكتابة مجددا… حتى تجلّى ذلك في بنيته وترجيعاته… هو "التاج والخنجر والجسد" أما بقية الأعمال فكتبت مرة واحدة، بل دفعة واحدة !
n تقول في الشهادة الأردنية (عمان عدد 101) إنّك اكتشفت أخيرا أنك لا تتوق إلى قول شيء بعينه. وإنّه كل همّك الآن هو معالجة فوضاك ومخاتلته زمنك وقرنت ذلك الشعور بمسألة الكتابة والخوف والحرية ؟
أولا : هل يعني هذا أنّ مقولة رسالة الكاتب (الحضارية) مقولة بائدة وليس عليه أن يكون لا مصلحا ولا مساهما في ثورة أو تحوّلات اجتماعية وكل ما عليه أن يلتفت إلى وجهة ؟!
ثانيا : لنتوسّع في الحديث عن الخوف والحريّة، ألا يحتاج الكاتب أحيانا ذلك الشعور بالخوف ليكتب كتابة مختلفة. ألا ترى في الخوف أو القمع منافع أدبية جمّة فبحضوره يمكن للكاتب أن يخلق أدوات جديدة فتحمله بعيدا عن المباشرة الفجّة التي قد توقعه فيها الحريّة ؟!
oo قلتُ ذلك الكلام لأن الكاتب في بداية تجربته يسعى إلى أن يُعلن عن مواقف، أما حين تتقدّم به السنوات فيُصبح أقلّ وثوقا، وأكثر تواضعًا… حتى أنه يكاد أن يعتبر الصمت أفضل من النطق ! لهذا أقول إنّ منتهى ما أصبو إليه هو أن أخاتل زمني وأعالج فوضاي. أما الخوف الذي أشرتُ إليه فخوف فعلي في بداية حياتي، نابع من مجاورة "الجان" في اعتقادات الطفولة ومجاورة الموتى في فناء الولي الصالح، حيث كان الأجداد قد اتّخذوا الفضاء مقبرة يدفنون فيها موتاهم. أمّا بعد تقدّم السن، فلقد أصبح الخوف سبيلا إلى الحرية. في هذا المستوى أوافقك على اعتبار أنّ الكاتب فعلا يحتاج ذلك الخوف لكتابة روايات أكثر إيحاء، وأقدر على الاستشراف. خشية الانفضاح تجوّد أدوات الكتابة عندنا، وتندرج ضمن المستقبل. استشراف المستقبل هو الضامن لوجود كتابة تحترم ذاتها. لكن الكتابة الأجدى تبقى – رغم كل هذا – جهادا ضدّ الضغط والظلم والخوف… جهادا في سبيل الحرية.
n يمثّل الفنتاستيكي رافدا من روافد تجربتك، فهل هو ناتج عن انغماسك في المدوّنة التراثية أم عن قراءاتك لأدب أمريكا اللاتينية… أم هي طفولتك القرويّة القيروانية بين الزوايا وأحاديث الجان والعفاريت، أم كل هذا مجتمعا. نريد قليلا من البوح والتجلّي في علاقتك بالسحري والعجائبي واللامعقول ؟
oo أجواء باهرة هذه التي يحيل عليها سؤالك، تفتح مجالا رحبا لتمثل "الأدب". وهل "الأدب" بصفة عامة إلا ذلك الانغماس المبهج في "ألف ليلة وليلة" التي على إيقاعها تمضي طفولة الفتى في مدننا القديمة، وعلى إيقاع ما نُسج على غرارها من "صور متحركة" و"ألبومات مصورة" تمضي طفولة الفتيان شرقا وغربا. لهذا ليس من العسير اليوم أن نهتف أن "الأدب" هو ذلك البراح الفاتن الذي عليه تنفتح ألف كوّة من كوى الطفولة والشباب. الأدب الفنتاستيكي أوسع من أن يُضبط في رواية أمريكا اللاتينية، أو أجواء الزوايا وأحاديث الجان والعفاريت.
علاقتي بالسحري واللامعقول تعود إلى أغوار خفية في تركيبة طفولتي، إلى أشياء صغيرة جدا تواريها أمي في حقق من العاج والمعدن والخشب، بعضها معلوم وأكثرها غير معلوم، إلى اعتقادها أنّ كائنات عجيبة تشاركنا حياتنا وتملأ أركان غرفنا ومقاصيرنا، إلى حكايات العمة الوافدة من أعماق القص الشرقي، إلى ليالي الشتاء الطويلة الصامتة تلف خيالنا بألف ملاءة من بيارق ملوّنة وبخور لذيذ، إلى "زيارة" أولياء الله الصالحين تفعمها الشموع… إلى رائحة الدم في أضاحي المساء البعيدة، حيث تولد الحكايات من كمّ فرحنا وخوفنا وتوقنا إلى الجديد الرائق.
هل أقول يا أخي كمال إنّ الأصل هو العجيب، وإنّ كل ما عداه ثانوي واستثنائي وطارئ. أوَدُّ ههُنا أن أجزم بأن الذائقة الغالبة على إدراكنا للرواية اليوم هي الذائقة "الفرنسية المدرسية" التي قنّنت الرّواية وضبطتها وجعلت منها ما يُعرف بين جمهور النقّاد بأنموذج "القص الكلاسيكي"، كأنما جاء وقت قد تمحّضت فيه نواميس بعينها للتعبير عن جنس بعينه واضح الملامح، جليّ العلامات، والحقّ أن هذه القوانين الكلاسيكية لا تعدو أن تكون رافدا من روافد القصّ موصولة بمحور بعينه من محاور الرّواية في العالم. وفي إمكاننا أن نشير على وجه الدقّة والتحديد إلى أنّ الرّواية الفرنسية هي التي أورثت العالم هذا الإدراك بتمحيضها رافدا بعينه من روافدها واعتباره الأصل والمحور، واعتبار كل ما عداه فرعيا طارئا غير أصيل. والواقع أن توسيع دائرة الإدراك سرعان ما يُنبئنا عن فضاءات روائيّة أخرى كثيرة منها الرّواية الإسبانية خاصّة، والرّواية الألمانية، وقد لبثتا منفتحتين على مستنداتهما المشرقية انفتاحا ذكيا جدا، ومنها المستندات العربية، والفارسية والهندية والإفريقية.
ولقد عملت على تطوير ذلك الموروث الثري وإعادة تأمّله فتيسر لها الكثير من الغِنى والطرافة وتوطّدت قدرتها على استدراج آليّات مشرقيّة بالغة الأهمية، منها خاصة آلية الشعر الصوفي، وما يُتيحه من عروج على مقامات بهيّة غير معلومة.
عن الرّواية الإسبانية أو أكاد أقول الإسبانية/العربية القديمة) تولّدت الرّواية الأمريكية الجنوبية، بمختلف نماذجها، هذه التي أضحت اليوم دُرجة أدبية في العالم. والحق أنّني قد اطّلعتُ عليها اطّلاعا واسعا في السنوات العشر الأخيرة، إذ كنتُ قد لبثتُ أسير النظرة الطاغية القديمة… رغم إيماني الثابت بوجوب تطعيمها بموروثنا الشخصي الأمومي الدراويشي التراثي القريب قصد تطويرها وإغنائها بالجديد. لهذا أذكر مجدّدا "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة" و"المسخ" لكافكا و"ذئب البراري" لهرمان هسه… قبل أن أذكر أيّة رواية أخرى !
n وصف الأستاذ محمد الغزّي روايتك "النخاس" بأنّها "بالأدب الملحمي أوثق صلة"، هل يعني هذا أنّ الرواية انعطفت على سابقتها "الملحمة" لتتشرّب منها ؟ هل يعني هذا أن الرواية تُقبل على إحياء الملحمة التي كانت المتهم الأول في إراقة دمها ؟!
oo لقد غدا مقرّرا الآن أنّ الرّواية جنس "أَكُول"، يتغذّى على الأجناس الأخرى، فيقتات من الشعر، والملحمة والقصة القصيرة والموّال والعروبي والخرافة والأسطورة، يستحوذ على فضاءاتها، حتى يكون – مثلما أثْبَتُّ يوما ما – مثل النواسخ التي تدخل على المبتدإ فيكون اسمها وعلى الخبر فيكون خبرها. الرواية بهذا الفهم تُحدث تشويشا في النظام القائم، نظام الوجود، لتعويضه بنظامها المبتدع.
على هذه الشاكلة فهمتُ الكتابة الرّوائيّة، وأمارسها اليوم، وضمن هذا الإدراك أفهم قول الصديق الشاعر محمد الغزّي "إنّ النخّاس بالأدب الملحمي أوثق رحما". والواقع أنني لم أكتبها لغاية معيّنة أو ضمْن هدف بعينه… إنّما كان قصارى ما رغبتُ في إنشائه لا يعدو أن يكون نصّا يستلهم التراث العربي والرواية الحديثة في الوقت نفسه. المأزق الحقيقي الذي انبثقت منه كتابتي يكمن في برزخ اللقاء بين الوهم والحقيقة. كل ما حولي في طفولتي يعلن عن نفسي العقل، خاصة في رحاب الولي الصالح سيدي فرحات ورحاب الصحابي الجليل أبي زمعة البلوي، بينما الدُرجة العربية في السبعينات خاصة كانت تتمثّل في التشبّث بالعقل لدى النخب المثقفة على الأقل.
مع مدونة "كافكا" انتبهتُ إلى إمكان التعبير عن المتناقضات، قول العقول والحدس والعجيب في الوقت نفسه، هذا هو اليقين الذي نحن في حاجة إليه الآن، أن نكون في مكانين في وقت واحد، أو قل أن نكون في المكان وخارج المكان، هذا هو إيقاع العصر، وليس في إمكان الرّواية العربية إحداث إضافتها الكونية اليوم إلاّ بتجاوز المنطق الأحادي، والجد المبالغ فيه وارتياد مجاهل الوهم والعجيب واللامعقول. ليس لدينا مدوّنة فلسفية نستند إليها، كل ما هنالك نُبذٌ من شتات غير واضح من الرؤى التي يمتزج فيها الكياني الأصيل بالسياسي المتغير السريع غير الثابت لا سلاح لنا اليوم غير التناقض، والتهكّم، والعجيب. بهذا قد نتمكّن من رصد واقع عربي متناقض عجيب غير معقول، واقع لا نملك فيه شيئا، ولا نتحكّم فيه.
الرّواية التقليدية تتصوّر أنّ الكاتب ذات قوة فاعلة قادرة على التغيير، والحقّ أنّ قصارى ما تتوق الرّواية إلى تسجيله لا يعدو أن يكون تأكيد عجزها وعجز شخصياتها، وعجز الرّوائي عن الفعل.
المنفذ الوحيد للنجاة اليوم من مخلب الواقع المرير يكمن في السخرية منه، فلا مستندات فلسفية عربية واضحة اليوم، ولا مستندات فلسفية غريبة يُمكن أن تعبر عن الواقع العربي العجيب. لهذا فإنّنا نعلن أنّ رواية قائمة على التناقض هي الأقدر على التعبير على همومنا الكثيرة الطاغية. ضمن هذا الأفق ندرك قولة الغزي أنّ الرواية لدى بوجاه تتوق إلى الملحمة !