عرض مشاركة واحدة
قديم 11-02-2014, 02:20 PM
المشاركة 1246
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
وإلان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 69- النخاس صلاح الدين بوجاه تونس

المصدر : المدونة الرسمية للكاتب التونسي كمال الرياحي :

- تجدّف بك سفينة إبداعه نحو عوالم التراث السردي فتشتمّ منها عبق المخطوطات وكتب التراجم و أدب الرحلة.

- وتجنّح بك السّفينة لتحملك في طبق طائر وتقذف بك في مجرّات مظلمة من العبث والسريالية فتتقلّب في مناخات كابوسية تذكّرك بعوالم كافكا وترمي بك أمواج السرد أحيانا في عجائبية غريبة تبقى عندها مشدوها هل أنت عند ماركيز أم أنت في جراب السندباد تشاركه رحلاته أم أنت بطلا من أبطال المخيال الشّعبي ,

- وتنحرف بك السفينة مرة نحو عوالم اللاّمعقول فتدخل بك "مقاصير" السحر والشعوذة والطفولة الملتبسة لتكرع من نهر الأسرار وعوالم الغيب وتأسرك مرّة كتابة الجسد وكتابة الأشياء ولغة الكتابة .

- هو صلاح الدين بو جاه من أهمّ الأصوات الروائية في تونس , لفت إليه أنظار النقّاد والباحثين منذ نصّه البكر "مدوّنة الاعترافات"1985 فنزل هذا النصّ ضيفا على بحوث جامعيّة كثيرة في تونس وخارجها ومازال إلى اليوم يغري النقّاد والقرّاء معا لما توفّر فيه من صنعة روائية غير مسبوقة استفادت من الأشكال السردية التراثية .

- لم يتوقّف بو جاه عند هذا النّص بل ظلّ يباغتنا كلّ حين بنص جديد رغم مشاريعه الجامعية ونشاطاته السياسية التي نحسب أنّها أكلت من وقته الإبداعي الكثير .

.
- أنني أعلن الآن أنّ تصاريف الحياة والتجارب، وتنوع الاطّلاع الثقافي العام والروائي الخاص قد أدّت بي إلى تغيير ملامح أسلوبي، بحيثُ بدا مختلفا عن البدايات. وهذا طبيعيّ، فليس هنالك من يُحافظ على السمات الأسلوبية نفسها، وعلى معالجة القضايا ذاتها. لهذا أعود لتأكيد الجملة التي افتتحنا بها هذه الكلمة "البذرة التي تختزل حلم الشجرة".

- هذا لا ينفي أن "المشروع" قد اتّخذ مسارات مغايرة وطرق سبلا جديدة لم تكن في ذهني إبّان الفراغ من الرواية النطفة. ولا أخفي هنا أنّ أسعد لحظات حياتي كانت تلك التي قال فيها الأستاذ توفيق بكار والناشر الأستاذ محمد المصمودي، في دار الجنوب بتونس، بعد أن دفعتُ إليهما بعملي الموالي لرواية "النخّاس" : "فعلا… هذا أيضا موسومٌ بأسلوب بوجاه / C’est du Bougeh !". في ذلك الوقت علمتُ أنّني قد تمكّنتُ من ابتداع أسلوب خاص بي،

- والأسلوب هنا لا يتعلّق بظاهرة اللغة فقط، إنّما يتّصل بحيثيّات السرد، والمضامين أيضا ! وقصارى ما هنالك أن "مدوّنة الاعترافات والأسرار" كانت تتضمّن اهتماما بـ"المفارقة" و"تعريضا بالمستقر" و"اختيارا للألفاظ النقيّة" في الغالب الأعم و"ميلا إلى الحلم والفنطازيا والعبث"… وهذه هي ذاتها السماتُ التي تطبع أعمالي الموالية حتى اليوم.

- كل ما هنالك أنها قد اتّخذت ألوانا جديدة، وأضيفت إليها ظلال أخرى مستحدثة، وخاصة في مجال التخفّف من "صفوية اللغة" واسلاس القياد نحو استعمال العربية قريب من اليومي… أو قُل "إنّه يميل إلى أن يكون قريبا من الجملة العربية العادية اليوم". والحق أنّ الأمر عندي ليس من باب التألّق، إذ التعلق القديم بالفصحى هو الذي يعيدني إلى طفولتي، وإلى كتب الوالد، وإلى المدوّنة التراثية التي نهلتُ منها.

- يقول عن كتاباته : النزعة التجريبية، والهاجس اللغوي، والرمز، والأبعاد الحضارية… كانت الركائز التي انطلقتُ منها. كنّا في منتصف السبعينات نستند إلى نصوص متباينة : مدونة كرم ملحم كرم، "الإنسان الصقر" لعز الدين المدني، "حدّث أبو هريرة قال" للمسعدي… فضلا على نماذج كثيرة من النشر العربي القديم التي استهواني الاطلاع عليها، والاستناد إليها، بالإضافة إلى التراث الغربي متمثلا خاصة في مزيج من كافكا، وجان بول سارتر والشعر الحديث، على يد أعلامه المعدودين مثل بودلير ورامبُو وفرلين ! هذا هو المزيج غير المتجانس الذي استند إليه، فإذا أضفتَ إليه القرآن الكريم، والأناجيل، انتبهت إلى أنه أمشاج شتّى من الغرب والشرق تمازجت بالشائع من أدب الستينات والسبعينات. بيد أن محاولاتي الأولى، مثل كتابتي الراهنة، لم تنتهج درب "الأدب المناضل" أو "الواقعيّة الاجتماعية"، كتابتي ردة فعل على هذا التيّار، باختياراته الأسلوبية والمنهجية ومواضيعه وأغراضه.

- بالنسبة إليّ لا قيمة لدراسة الأبعاد الاجتماعية إلا في كنف التعامل مع الأغراض الوجودية الكبرى، مثل الحياة والموت، والولادة واللذة والألم والبداية وخوف النهاية. ليس الأدب فعلا سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا… إلا في نهاية المطاف ! إنه فعل عميق جاد يرقى إلى مستوى النصوص الكبرى، الشعر، المسرح اليوناني، الكتب السماوية. لهذا أتشبّثُ بسعي النص النثري العربي إلى الشاعرية، أو قُل تشبّث النثر بأفق الشعر يمتح منه أساليبه ويعالج قضاياه.

- ليس الأدب سعيا سياسيا أو اجتماعيا، وليس الأديب رجل صحافة، أو رجل ضرب من الأحزاب. الأديب أرفع من هذا ! أو فلنقل أنه مختلف مغاير، وكفى ! لكل مهمّته ووظيفته. لهذا نجزم بأن الأديب ليس مترجما، كما أنه ليس رجل معارضة ! الأديب "معارض" بالمعنى العميق، بل العميق جدا. الأديب ليس معارضا سياسيا، إنه "معارض" للمجتمع، معارض للخيارات الإنسانية الكبرى… من حيث هو مسهم في الجدل الأصيل حول الإنسان، وتجربته الروحية العميقة. بهذا المعنى ندرك أنّ الأديب محرّك للوجود، ومُثَوِّرٌ للمستقرّ، ومُسهم في معارضة التفسيرات القاصرة المحدودة، ومُشجّع على تبنّي التوازن الروحي في وجود لا يكاد يؤمن إلاّ بالظاهر المادي المحسوس. على هذا الأساس ينبغي أن ينهل الأدب من التجارب الصوفية، ويكون فنطازيا سرياليا في بعض توهّجاته الكبرى !

- فعلا، العمل الأول يختلف دائما عن الأعمال اللاحقة، وقد سلف أن أكدتُ أنه "مثل صندوق الأم يحوي "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". إنه يحوي المتناقضات المتنوّعة الكثيرة، لذلك يحسن أن يُشفع بمقدمة تدعمه وتفسر مغاليقه وتُسنده. والحق أن وضع مقدمات بين يدي الأعمال ليس بالبدعة، خاصة بالنسبة إلى الأعمال الأولى… سواء من قبل الكتاب أنفسهم أو من قبل بعض أصحابهم. انظر على سبيل المثال سلسلة "عيون المعاصرة" تجدها تضم أفضل المقدمات التي أنشأها كتاب، أو نقاد، يتناولون العمل المنشور بالنظر الأدبي الرفيق، فيضيفون إلى فهم القرّاء ويمهّدون الطريق أمامهم.

- ولعلّ الحرج الذي قابل به النقاد مقدّمة العمل الأول "مدوّنة الاعترافات والأسرار" يعود إلى أنها كانت فعل بين "المقدمة" و"البيان"، أو لعلها كانت إلى البيان أقرب. فعلا كانت بيانا مشفوعا بأنموذج مما يدّعي صاحب البيان. وكان من الطبيعي أن ينشأ تفاوتٌ بين النظري والتطبيقي، فضلا على أن الناس لا يستطيبون بيانا يصدر عن كاتب لم يُنشئ حتى ذلك الحين إلا بعض القصص القصيرة المنشورة في عدد من المجلات. لعلّهم كانوا ينتظرون بيانا ممّن ترسخت قدمهم في عالم الكتابة القصصية. لهذا نشأ عندهم حرج واسع بين قبول "المقدمة-البيان" أو رفضها، ورفض العمل الإبداعي الذي يصحبها.

- أجنَحُ إلى الإقرار بالعفوية. لهذا أقول هنا : تلك هي الطريقة التي كنت أحسن استعمالها. فعلا، ذلك هو الأسلوب الذي ورثتُ عن الأغاني، ونشوار المحاضرة والكامل، والعقد الفريد، والمقامات، والأدب الكبير، فضلا على مطالعاتي الغربية التي تحتفظ منها "المدوّنة" خاصة بعمل شهير، سلف أن توهّتُ به، هو "التحوّل" فرانز كافكا. كنت في ذلك الوقت قد قرأتُ "التحوّل" فراقتني كثيرا، لم أكن قد اطّلعتُ بعد على ما نشأ حولها من نقد، بل ما تراكم من آلاف الصفحات حول الكتابة عند فرانز كافكا، وحول تمثيله لمرحلة مهمّة في تاريخ الرّواية الغربية. لقد شعرت بقيمة الكتاب، وأغوتني بنية كتب أخرى لكافكا، مثلا "المحاكمة" أو "القضية، فانتبهتُ إلى أننا إزاء مشكلة وجودية أصيلة، فضلا على الإحساس بالحصر الذي يخصص عصر كافكا. في ذلك المجال من العبث، والإحساس بضيق الكائن، تحرّكت رغبات الكتابة عندي، فألفيتني في عملي الأول أحن إلى بهاء الأسلوب [فيما ورثتُ عن قراءاتي العربية] وإلى أشكال البنية وتداخلها، وتعقد المعاني. لهذا كانت "المدونة عملا مثيرا للاستفهام خاصة ببنية الحاشية والمتن، التي استعارها للمرّة الأولى في تاريخ الرواية التونسية المعاصرة.