الموضوع: الملحمة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
4369
 
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي


رقية صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,577

+التقييم
0.50

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8808
01-12-2011, 09:55 PM
المشاركة 1
01-12-2011, 09:55 PM
المشاركة 1
افتراضي الملحمة
الملحمة εποσ باليونانية .. وepicum باللاتينية .. وepic بالإنكليزية .. وépopée بالفرنسية .. وEpos بالألمانية، عمل أدبي سردي طويل منظوم شعراً، عُرف منذ القدم لدى معظم شعوب العالم، وأسس بتطور سماته المشتركة ما عُرف لاحقاً بالجنس الملحمي في الأدب إلى جانب جنسي الشعر والمسرح.


تسرد الملحمة مآثر بطولية مهمة في حياة شعب بعينه، مثل حرب حاسمة وأبطالها وأماكنها وتفصيلاتها، كما في ملحمة «مهابهاراتا» و«الإلياذة»، أو سيرة ملك بطل مثل «غلغامش» وراما في ملحمة «رامايانا» وأوليس في ملحمة «الأوديسة»، أو نشوء أمة كما في «الإنيادة». وهي تستخدم في متنها الأساطير والحكايات البطولية وقصص الآلهة وخرافات الحيوانات؛ لتقدم صورة شبه متكاملة عن عالم ما، تفترض أنه حقيقي، كما تتضمن تعليمات وشروحات دينية بقصد الإرشاد والتعليم.


كانت الملحمة قديماً تُتناقل شفاهة من جيل إلى جيل، ولاسيما في بلاطات الملوك وقصور الأمراء، مع مرافقة موسيقية غالباً، وترية أو نفخية، أو كليهما معاً، بما ينسجم مع إيقاعات السرد الحكائي من ناحية، وبما يوحي بالمشهد المصوَّر ومزاجه من ناحية أخرى: معركة، عرس، حفلة، احتفال، مناجاة فردية. ولاشك في أن رواة الملاحم في مختلف الحضارات كانوا يتمتعون بمواهب استثنائية على صعيد الحفظ وامتلاك ناصية اللغة والتعبير الحركي المرافِق بالوجه mimic وبالأطراف gestic وبطبقات الصوت vocalization، فيأسر الراوي مستمعيه بشخصه ويشدهم إليه بموضوعه.

وقد أدت تقاليد الرواة في أحايين كثيرة إلى تغييرات وإضافات أو اختصارات أو تأويلات نتج منها ظهور صياغات متعددة للملحمة نفسها، في العصر نفسه، أو بين عصر وآخر. وقد توافرت إشارات صريحة إلى ما سبق ذكره، سواء في الملحمتين الهنديتين «مهابهاراتا» و«رامايانا»، أو الإغريقيتين «الإلياذة» و«الأوديسّة».



وقد ظهرت أولى الملاحم في المجتمعات البشرية القديمة في مرحلة انتقالية بين النظام المشاعي والنظام الإقطاعي المبكر؛ ويرى هيغل في كتابه «علم الجمال» أن مؤلفي الشعر الملحمي حينذاك لم يمتلكوا تصوراً فردياً وحساً داخلياً منفصلاً عن وجود الجماعة (القوم) كلياً، ولهذا صارت أشعارهم ملكية عامة يتم تداولها وتناقلها من دون ذكر أسماء مؤلفيها، ولذا عُدت هذه الأشعار زمناً طويلاً نتاجَ الخيال الشعبي، ولاسيما عند شعراء الرومنسية (الإبداعية)، أو نتاجَ عدد من الشعراء ثم صاغها شاعر موهوب في زمن لاحق بأسلوبه الخاص فنسبت إليه، كحال هوميروس مثلاً، بحسب رأي كثير من الباحثين الذين ناقشوا ما سُميّ بالمشكلة الهوميرية. ويرى بعض المستشرقين من المختصين في الأدب السنسكريتي أن نسبة «المهابهاراتا» إلى ڤياسا Viasa و«الرامايانا» إلى ڤالميكي Valmiki ما هي إلا من قبيل إسباغ نوع من القدسية على النصين، لما تتضمنانه من مسائل وشخصيات دينية ذات أهمية بالغة عند الهندوس. وبما أنه صار مؤكداً علمياً أن نصوص معظم الملاحم القديمة قد استغرقت قروناً عدة حتى اكتملت صياغاتها المتداولة حالياً فلا يمكن نسبتها إلى مؤلف وحيد. وقد اقترح باحثون آخرون أن الشعر الملحمي يظهر عادة في أزمان أطلقوا عليها اسم «عصور البطولة» heroic ages التي مرت بها أمم متعددة في مرحلة اضطرارها إلى الدفاع عن هويتها الوطنية في وجه خطر ما. وإذا كانت هذه الأمم تمتلك ثروات طبيعية وافرة واقتصاداً نشيطاً فإنها تنتج عادة أرستقراطية قوية حاكمة ذات طابع عسكري يبحث قادتها عن تخليد أسمائهم باجتراح البطولات في المعارك، وبحفظ مآثرهم للمستقبل في الأشعار الملحمية. ومن ثم يبدو أن الوظيفة الأساسية للشعر الملحمي في عصور البطولة هي تحفيز الروح القتالية عند المحاربين وتشجيعهم على الإقدام والتضحية بتمجيد أفعال آبائهم وأجدادهم نماذج للبطولة الوطنية.


وكانت هذه الأشعار تُغنّى من قِبل رواة محترفين، قبل المعارك وبعدها وبمشاركة المحاربين أنفسهم، لخلق الروح الجماعية. وما يُستنتج من ذلك هو أن التقاليد الملحمية في الواقع هي تقاليد العائلات الأرستقراطية الحاكمة وأنسابها وبطولاتها، التي تؤهلها للاستئثار بالحكم وإدارة شؤون الرعية. وطالما بقيت الأمة أميةً استمرت شفاهية التقاليد الملحمية، التي لا تأفل مع زوال العصر البطولي واندثار العائلة الأرستقراطية، بل إنها تأخذ طريق النضج والصقل الفني، مع تحول وظيفتها لتصير نوعاً من التسلية الشعبية وصورة من ماضٍ تليد، حافل بالمغامرات والتضحيات والبطولات.



يدل البحث في أهداف الشعر الملحمي الشفاهي في عصور البطولة ما قبل تدوينه - بما فيها عصر الجاهلية عند العرب - على أن هذا الشعر كان يصور عادة الأفعال البارزة للملوك والأمراء وكبار المحاربين الذين ظهروا في تلك العصور في هذه الأمة أو تلك. ولما كانت وظيفة هذا الشعر في المقام الأول تمجيد هذه الأفعال وأصحابها، لا تسجيلها وحسب، فقد كان الشعراء، المجهولون غالباً، يبالغون في تصويرهم ويحيطونهم بهالة خارقة من العظمة والبطولة، تقارب النماذج الأسطورية المتخيلة التي يمتلك بعضها صفات عامة، وبعضها الآخر صفات خاصة بمكان بعينه وبخصوصية هذه الحضارة أو تلك.


لكن أبطال معظم الملاحم ولدوا نتيجة اتحاد غير شرعي أو غير طبيعي بين امرأة بشرية وكائن إلهي أو خارق، فيُهْجرون حال الولادة، وتُرضِعهم ذئبة أو لبوءة، ثم تتبناهم عائلة بسيطة متواضعة في بيئة ريفية، وينمون بسرعة مذهلة، وتكون أولى معاركهم مع وحش خارق، كالتنين مثلاً، من أجل فتاة بشرية يتزوجونها، ويموتون باكراً، غالباً، في ظروفٍ عجيبة غريبة كتلك التي أحاطت بولادتهم. وفي تقاليد الشعوب الهندية الأوربية يولد البطل، غالباً، توأماً يحوز عقب ولادته الخارقة مناعة ضد الموت، سوى في نقطة ضعف في جسمه، مثل كاحله (آخيليوس في «الإلياذة» تكون السبب في مقتله.



وفي معظم الأحيان يكون مربّيه حداداً، وقد يحدث أن يتنكر البطل في إحدى مراحل شبابه في زي امرأة، وقد يقهر تنيناً بثلاثة رؤوس، وسرعان ما ينجب ولداً من امرأة أجنبية أو غير بشرية تُنشئه في موطنها ويصير محارباً بقوة أبيه الذي لا يعرفه. وعندما يلتقيان يقتل الأبُ ابنَه في معركة ثنائية شرسة وطويلة. وسرعان ما يموت البطل نتيجة ارتكابه الخطأ تلو الآخر، وغالباً ما تكون أخطاؤه بمنزلة آثام لا تغتفر.


وهناك في اليابان مثلاً نموذج مغاير من أبطال الملاحم، فبعض المحاربين من الأرستقراطية الحاكمة ممن حازوا صفة بطل شعبي، يزوَّدون في حالات كثيرة- في قصصهم البطولية- بأربعة أتباع فائقي الشجاعة والإخلاص يُسمون حراس النقاط الأساسية الأربع، وهم أقرب الناس إلى سيدهم الذي يوصف عادة بكونه قائداً ألمعياً ممتازاً تعوزه القوة الجسدية، فيحمونه من أي خطر كان. وهم في وظيفتهم هذه بمنزلة نموذج أسطوري مأخوذ عن البوذية يمثل ملوك ديڤا Deva الأربعة الذين كانوا يحافظون على تعاليم بوذا من أخطار الشياطين.



أما عنترة العبسي فيمثل نموذجاً مختلفاً تماماً، من حيث كونه عبداً مرذولاً من جهة وبطلاً مدافعاً عن الحمى من جهة أخرى. وعلى الرغم من كونه ابن سيد القبيلة من جاريته الزنجية، لكن عليه كسب حريته (إعتاقه من العبودية) ليكون أهلاً لحبيبته وابنة عمه عبلة؛ ومن ثم يجوز تأويل بطولاته المختلفة والخارقة على أنها وليدة دافع شخصي.



كما يمكن النظر إلى الزير سالم بصفته نموذجاً مختلفاً أيضاً للبطل الملحمي إذ تكمن مأساة هذا الزير الشاعر المهلهِل في مطالبته أعداءه بتحقيق المستحيل على صعيد الممكن البشري: «أريد أخي كليب حياً». وفي أثناء أربعين عاماً من الإصرار الأعمى على هذا المطلب، كان لابد من سقوط آلاف الضحايا من أبناء العمومة، وتشرد آلاف آخرين من غير طائل.


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)