الموضوع: كلام في النقد
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
4908
 
عبدالحكيم ياسين
فنان وأديـب ساخر سوري

اوسمتي


عبدالحكيم ياسين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
155

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Sep 2007

الاقامة

رقم العضوية
3999
10-17-2014, 08:53 PM
المشاركة 1
10-17-2014, 08:53 PM
المشاركة 1
افتراضي كلام في النقد


لكي يكون لك رأي في النقد الأدبيّ..
يجب أن يكون لك رأي في الكتابة الأدبيّة ..
ولكي يكون لك رأي في الكتابة لابدّ لك من شغف بالقراءة ..
ولكي تقرأ ..يجب أن تتعلّم ذلك..كيف تقرأ ؟ وماذا تقرأ؟ وكم ؟
والمكتوب فعل يصادف عندك ردّة له..يؤثّر فيك إن لم تبتعد عنه كفاية ..
ولن تفهمه إن لم تقترب بالقدر اللازم لذلك ..
وتتقاذف الرياح شراعك كثيراًقبل أن تخطّ طريقاً يوصلك إلى موقع صالح للرؤية ..
موقع تنطلق منه إلى آفاق أرحب ومواضع أعلى ..
وفي المحصّلة فإنّ الناقد قاريء يقارن ويقيس النصوص بالأدوات التي يملكها ..
ويحاكمهاإلى الدروب التي سلكها وبالمنطق الذي يفكّر به ومن الزاوية التي يقف فيها..
وقبل أن تنتقد ..اسأل نفسك لماذا أقرأ ؟ ولماذا أكتب ولماذا انتقد ؟
وعندما تتوفّر لديك إجابات مستقرّة نسبيّاً ..يحكمها منهج متوازن ..
تكون قد امتلكت نقطة ارتكاز تنطلق منها صوب عالم النقد ..
حيث ستصادف من يوافقك الرأي كلّياً ..
ومن يختلف معك في بعض النقاط .. ومن يرفض كلّ ماتقوله ..
وبقدر اتّساع شريحة من يتفاعلون معك وبقدر تأثيرك بهم يكون مقدار حضورك ..
ولكن مهما يكن من أمر فكن أنت نفسك ولاتكن صدى لغيرك ..
فالصدى يتلاشى والأصالة تبقى مع بقاء طلاّبها..
وأظنّها حاجة إنسانية ..تبقى مع بقاء الإنسان ..
وهي موقف قائم على الاعتراف بوجود ثوابت يجب الانطلاق منها حتّى لو افترضنا أنّها قابلة للتغيّر ..
فما هي ثوابتك ؟ هل تنظر إلى الواقع بحياد وتحاول توصيفه فقط بما تملك من أدوات رؤية وتحليل وتجميل ..
أم أنت من عشّاق تحوير الواقع ومزجه بالخيال ولايهمّك الحذف منه والمبالغة فيه
إذا خدم ذلك ماتريد قوله وما تعتقده من وجوب تعديل الواقع وتغييره عن طريق إعادة بنائه ورسمه ..
أم أنّك لاتلتزم منهجاً محدّداً وتستسلم لمشاعرك ولأحاسيسك وترى بها وتنطق من خلالها ..من أنت أيّها الناقد ؟
إذا كنت ممّن يلزمون أنفسهم بتوصيف الواقع فقط ..
فحاول أن تتفهّم رغبة الآخرين في القفز فوق ذلك وصولاً إلى رسم مايجب أن يكون بزعمهم ..
وكن أميناً لرسالتك التوصيفيّة وصف مايفعلون وقارن بين ماكتبوا ومارسموا وبين ماتراه أنت..
واحترم رؤيتهم ..وإذا كنت ممّن يخلطون الخيال بالواقع ..
فلاتحتقر من يسعون لاكتشاف الواقع وتسجيله كما هو واعلم أنّ ذلك ليس بالأمر السهل ..
لسببين :الأوّل هو محدوديّة قدراتنا وعجزها عن الإحاطة بالصور الكاملة ظاهرها وباطنها ..
والثاني هو عواطفنا ومزاجنا الذي يتحكّم به ألف عامل وعامل ..
ومن المشاعر التي تحول بيننا وبين قدرتنا على توصيف الواقع
الشعور بالخوف من عواقب مانكتب والشعور بالخجل من بعضه ..
ومن محدوديّة القدرات يصيبنا الشكّ في دقّة الصورة ومن سطوة
المشاعر يصيبنا الخوف من التحامل والانحياز وهي أشياء يصعب
تفاديها دائماً هذا إن لم تصبح داء مستعصياً ومرضاً مزمناً..
ولايخيفنّك مافي رأيك من بساطة ووضوح
فليس العمق سوى مستويات متراكمة من الشرائح الرقيقة البسيطة ..
والنقد هو في جانبه التحليلي عرض لتلك الشرائح وتقليب لصفحات كتاب يصعب فهمه
إن لم يقرأ صفحة إثر صفحة وفق الترتيب المناسب ..
والقراءات المختلفة رغم ذلك موجودة لاختلاف العقول والقلوب والأبصار ..
ولكي يكون لك رأي نقدي خاصّ بك يجب أن تبني هيكله وترسم ملامحه ..
وتلتزم مداخله ليسهل على المتابع لك أن يفهم ماتريد قوله ويدرك إلى أين تريد الذهاب..
وعندما تحاول الإجابة عن أوّل مايخطر في بالك من تساؤل ..وهو لماذا أقرأ ؟
قد تقول :أنا أقرأ لأتعلّم وأستمتع ..أي للانتفاع والاستمتاع ..
وهذا شوط في التأسيس لمنهجك النقدي ..إذ تفترض وجود مضمون مفيد ..وشكل وأسلوب جذّاب ..
ومن هناك تنطلق ..لتعريف ماترى أنّه مفيد ..فتقول :
الكتابة الأدبية تقدّم نوعاً من الخبرات الاجتماعية التي قد تكون شديدة الخصوصيّة
ولاتجاوز حدود كونها مجرّد معارف ممتعة لايمكن توظيفها في رحلة التكيّف مع الحياة ..
وقد تكون دروساً وعبراً يستفاد منها في ذلك ..فتجمع بين الفائدة والمتعة ..
وقد لاتقدّم المعرفة ولكنّها تبعث على التأمّل وتعطي المفاتيح ..
وعندما تنتقل من عالم القراءة إلى عالم الكتابة وتسأل نفسك لماذا سأكتب وتقول لها :
"أنا أكتب لأعبّر عن نفسي وأحقّق ذاتي وأسيل فوق الورق أحرفاً ترسمني فأرى مالا أعرف من نفسي وما أعرف ..
وأكتب للتواصل مع الآخر منتظراً أن أقترب منه أكثر ويقترب منّي فنحقّق حلماً مشتركاً أو نتجاوز معاً عقبة صنعها اختلافنا ..
أو أكتب لتوصيف واقع رغبت في رؤيته مختزلاً في نصّ قابل للتعديل والمراجعة والنقد..
أو أكتب لمجرّد الاستمتاع بإعادة بناء واقع غارق في الضباب أو متبخّر ومتراكض صوب السحاب "..
وبعد الفراغ من الكتابة تكون غالباً أوّل من ينتقد المكتوب ..
وترغب في الحكم على النصّ الذي لم تنشره بعد ويكون لك منهج لذلك ..فماهو منهجك في النقد؟
هل أنت من الذين يقسمون النصّ إلى شكل ومضمون ..
أسلوب وأغراض..جسد وروح..رموز ودلالات ..متعة وفائدة ..تقليد وإبداع ..قواعد وانعتاق منها..
وهل أنت ممّن يضعون في معصم الكاتب قيد المألوف عند النقّاد ؟
أم أنت من الذين يضعون في معصم الناقد قيود التحليق مع الكاتب حيث يذهب ؟..
فيكون بذلك هومن يقود النقّاد إلى فضاءاته فإذا انحطّ انحطّ النقد وإذا ارتقى ارتقى ..؟
أم أنّك ممّن يفصلون بين العالمين ويعتبرون النقد فنّاً يستمدّ موضوعه فقط من الكتابة
ولكنّه يتجاوزها إلى عالمه الأرحب غير الخاضع لحدود والمفتوح على بحر من المشاعر
والافتراضات المنطقيّة والخيالات اللامعقولة وصولاً إلى الجنون والغطرسة ..

-----------------