عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-2012, 10:44 AM
المشاركة 522
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ملف/الرواية العراقية على مفترق طرق-3
حسين سرمك حسن
23/06/2008

نشر الزميل " سعد هادي " مقالة حول تقصير الروائيين العراقيين في ملاحقة وتجسيد الشدائد الفاجعة التي تمر بمجتمعهم استهلها بقوله " كأن الزلزال الذي أصاب الحياة في العراق بعد 9-4-2007 قد وقع في مكان آخر من العالم .إذ لم يتحرك لحد الآن روائي عراقي ليقول كلمته في ما يجري . الجميع صمتوا برغم أنهم مجبرون يوميا على المشاركة في رؤية الأحداث والاحتراق بنارها . وإذا كانت كتابة الرواية تتطلب زمنا طويلا لتأمل حركة المجتمع والأفراد والتحولات التي تطرأ عليها فان مرور أربع سنوات ونصف قد يكفي لظهور موجة من الروايات تتحدث عن الوضع العراقي الراهن وعن مأساة الإنسان فيه ، ولكن هذا لم يحدث . ترى ما الذي يمنع الروائيين من الكتابة عن واقع حافل بالتناقضات والصراعات وهل هناك من يكمم أقلامهم ؟"
وكنت كتبت عن هذا الموضوع – تقصير المبدعين العراقيين عموما والروائيين خصوصا في الأعوام الأربعة الماضية خمس مرات وآخرها في مقالتي ( ما بعد السوريالية العراقية ، من يتصدى لها ؟ ) والتي نشرت في صحيفة الزمان قبل أسبوعين *. ولكن المشكلة إن الجسد العراقي شبه ميت ولا يهتز لأي مؤثر فمرت مقالاتي مرور البخلاء مثلما ستمر مقالة الزميل سعد هادي .
أقول في روايته الأخيرة و المهمة : ( سفر السرمدية ) , يقدم لنا الروائي العراقي عبد الخالق الركابي موقفا بالغ الأهمية و شديد الثراء بإيحاءاته التي تتعلق بقضية مركزية ترتبط بالدور الإنساني و الاجتماعي للمبدع و حدود التزامه بهموم و انشغالات شعبه المصيرية , فقد أصبح هذا الدور ثانويا إن لم أقل مهملا تماما في ظل موجة الحداثة وما بعدها و خصوصا في ظل مفاهيمها الغربية المستوردة التي جعلت حداثتنا بائسة فهي جسم " موميائي " أجوف يرتدي ثيابا فضفاضة براقة .
في هذا الموقف يجري حوار بين بطل رواية ( سفر السرمدية ) و صديقه يوسف خوشابا صاحب محل تسجيلات ( الدانوب الأزرق ) الذي وصله الأول بعد أن تجول في سوق مفتوح يعرض فيه المواطنون العراقيون , على الأرصفة , أثاث منازلهم و مقتنياتهم الشخصية العزيزة للبيع بأسعار زهيدة كي يضمنوا شروط بقائهم ووجودهم الذي تعرض للتهديد الماحق بسبب الحصار الشامل الذي فرض على الشعب العراقي بعد غزو الكويت :
يقول خوشابا لصديقه أن طروادة كانت مدينة إغريقية صغيرة , لا يزيد عدد سكانها على العشرة آلاف نسمة , و قد تعرضت لحصار معروف , قاومت و صمدت ثم تم اختراقها بفعل خدعة الحصان الخشبي الشهيرة . و المهم في هذا الأمر , و بقدر ارتباطه بالعملية الإبداعية و بدور المبدع تجاه شعبه , هو أن شاعرها هوميروس هو الذي خلد صمود مدينته و استبسال أبنائها في الدفاع عنها و الذود عن حياضها . و قد صاغ هوميروس تفاصيل ذلك في ملحمته الشهيرة : ( الإلياذة ) التي تتناقلها الأجيال عبر مئات السنين بشغف و اهتمام , و صارت علامة فارقة في تاريخ الأدب العالمي عبر عصوره المختلفة . وأعاد جيمس جويس كتابة وقائعها في عمله يوليسيس بطريقة معاصرة.
و مناسبة هذا الكلام هو أن ( خوشابا ) يرى أن الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على شعب العراق و الذي استمر لأكثر من عشر سنوات أحرق خلالها زرع الوجود و ضرع المحبة , هو حصار لا يمكن مقارنته بحصار طروادة مطلقا . هنا , يتعرض شعب كامل للتجويع و الإبادة البطيئة –
Genocide - أمام أنظار الضمير الإنساني العالمي , و الأغرب بمباركته , من دون أي احتجاج رسمي لكن هذه المحنة لم تجد لها توظيفا خلاقا يناسب حدتها و شراستها من قبل المبدعين العراقيين و بشكل خاص في مجال الرواية / ملحمة الشعوب المعاصرة أو أسطورتها الحديثة كما يضفها النقد المعاصر .
و هذا الحديث الذي وضعه عبد الخالق الركابي على لسان شخوصه يعبر عن حقيقة واقعية تثير الألم , حيث لم نشهد عملا روائيا / ملحميا يناسب مسيرة أهوال الواقع الفعلي . و بالمناسبة , فإن هذا الاستنتاج يشمل المنجز الروائي لـ ( الركابي ) نفسه , _ ويشمل سعد هادي كاتب المقال أيضا. ولن نجانب الصواب إذا قلنا أن هذا الاستنتاج يمكن توسيعه ليشمل فعل الروائيين العرب كاملا , فأين هي الروايات التي تتناسب مع ملحمة المليون روح المقدسة التي أزهقها المحتل في ثورة الجزائر , أو الآلاف المؤلفة من الشهداء الذين فقدتهم ليبيا في ثورة المختار أو لبنان في حصار بيروت أو في حربه الأهلية أو فلسطين في ثورة حجارتها المقدسة وآلام شعبها المدمرة ؟؟
و انظر الآن إلى القنبلة الموقوتة التي يفجرها الركابي بلا تردد – رغم أنها تصيبه نفسه بشظاياها كما قلنا – حين يطرح بطل الرواية اعتراضا ( حداثويا ) وجيها على كلام خوشابا من خلال القول بأن الظروف الراهنة لا تعمل لصالح الروائي المعاصر و تحاصر جهوده من أجل الانتشار و إيصال منجزه إلى القراء . هنا يرد عليه خوشابا بالقول أن هوميروس كان أعمى / فاقد البصر وليس البصيرة و أنه كان يوصل أبيات ملحمته من خلال إنشادها على قيثارته . شاعر أعمى و بقيثارة صغيرة استطاع نشر واحدة من أعظم الملاحم في الأدب العالمي . فكيف لا يستطيع المبدع العراقي و العربي المعاصر – كما يقول الركابي – الذي بات يمتلك أشد الوسائل قدرة على التأثير و التواصل مثل شبكات الإنترنيت و مواقعها و الحواسيب و أجهزة التلفاز و الفضائيات و غيرها ؟
إن ما تستطيع المصادقة عليه هنا , هو أن هناك تقصيرا فادحا من قبل الروائيين العراقيين خصوصا و المبدعين عموما في استمراء وتمثل ثمرة التجربة المرة التي يغدقها عليهم , و بكرم , واقعهم الجحيمي المدمر . ولم يتعرض سعد هادي لأسباب سياسية ونفسية أجملها بما يأتي : هناك أولا تبعية الثقافي للسياسي المزمنة التي تعاني منها الثقافة العراقية عموما والتي تحد من حرية الكاتب العراقي على التعبير . ثانيا إن الرواية لا تزدهر إلا في ظل الحرية . ثالثا يقوم الإبداع على أساس قاعدة أن مخيلة المبدع تسبق الواقع ، الآن يسبق الواقع العراقي مخيلة المبدع ويجتازها بأشواط .رابعا هناك الشعور الطاغي بالذنب الذي يركب المبدع العراقي منذ عقود والذي ضاعفه الواقع الراهن وأوصله إلى حد التمزق النفسي ( التقيت بمبدعين عراقيين صامتين يحمدون الله أن لا احد يلتفت إليهم لكي لا يلفتوا أنظار بعض الجهات ) . خامسا يتطلب الفن الروائي سمات أساسية في شخصية المبدع منها الصبر والانضباط والتنظيم وكلها غير موجودة في شخصيات الكثير من الروائيين العراقيين. تحية لسعد هادي في مبادرته الصادمة ولكن هل من مجيب .
* نشرت هذه المقالة في جريدة الصباح الجديد البغدادية في 2007-08-20