عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-2011, 08:59 AM
المشاركة 109
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الروائي أحمد الفقيه ينقش ليبيا في خرائط روحه
لندن- فيحاء السامرائي- 7/1/2011 - أقام غاليري آرك في لندن، أمسية إحتفاء بالروائي أحمد ابراهيم الفقيه، تحدث فيها بكل تواضع، عن صرح أدبي ملحمي تمثّل في رباعيته (خرائط الروح) (2007)، راسماً فيها بريشة أديب بارع، تاريخاً أدبياً موثقاً لبلاده ليبيا، من منتصف الثلاثينات حتى منتصف الخمسينات، تلك الرواية الإثنى عشرية، التي وسمت بدراما الحب والحرب، والتي بلغت صفحاتها ثلاث آلاف صفحة...
وقبل أن يتحدث عن عمله وشاهق معماره الأدبي، وموضوعة ذلك العمل النازعة الى تجسيد واقع عاشته بلاده في مرحلة تاريخية متقلبة، مزح الفقيه عند تقديمه قائلاً:
- يا أخي قل عني أنا غني عن التعريف وكفى...
غير أن جمهور الحاضرين لم يكتف.
سلّط الروائي الفقيه في بادئ كلامه الضوء على طبيعة روايته، التي لا ترتكز على عرض جامد لوقائع تاريخية حدثت في تاريخ بلاده في مرحلة ما، بل جعلت من ذلك التاريخ حاضنة لفكر كاتبها وخياله، واتكأت على أحداث وقعت لفترة عشرين عام من تاريخ ليبيا الحديث، زمناً مفعماً بصراعات وتقلبات، واحتلال أجنبي ومقاومة شعبية... أما تجنيس الرواية وجعلها رواية تاريخية، فانه يظلمها، لانها لا تحمل وقائع وحقائق بسردية مرتبة في عقلية وسطور لمؤرخ، بل تكتنز برؤى وانفعالات كاتب فنان ينطلق من واقع حاصل دون تزييفه أو اسقاطه، يحلّق عالياً في فضاءات لغة وخيال، يتماهيان مع روح منبعثة من أرضه وناسها، فيدمج بصورة متناغمة وببراعة فنية، بين الحدث التاريخي والسرد الروائي، لتكون بالتالي تضاريس لروح ليبي، مسكون بعشق أرض نشأ عليها وصحراء تمرغ على رمالها...انها ملامح طاغية وواضحة، ترسّخ ذاكرة المكان و تأثيره سلباً وايجاباً على بني البشر، وتسرد تاريخ وتراث وعالم وتقاليد وأساطير وثقافة وذائقة شعب عربي، وطبيعة وحجم مشاكله، كل ذلك في محيط أفريقي.
تمتد خرائط الروح في 12جزء، كل جزء يتكون من أربع وحدات وكل وحدة تتألف من ثلاث روايات، وكل جزء يشّكل عملا قائماً بحد ذاته، يتمكن القارئ من قراءته مفرداً، أو يتواصل معه ليعرف المزيد عن حياة بطله ومراحل تاريخه وتطوره وخلاصة ذاته،
الوحدة الاولى، هي روايات (خبز المدينة، أفراح آثمة، عارية تركض الروح)،
والثانية ( غبرة المسك، و زغاريد لأعراس الموت، وذئاب ترقص في الغابة)،
والثالثة ( العودة الى مدن الرمل، ودوائر الحب المغلقة، والخروج من المتاهة)،
و الرابعة ( هكذا غنت الجنيات، وقلت وداعاً للريح، و نار في الصحراء)...
كل جزء يحتوي على مرحلة من حياة شخصية الرواية الأولى(عثمان الشيخ) ، بين أفراد قبيلته، ثم انتقاله للمدينة واندلاع الحرب العالمية وانخراطه في حياة عسكرية مع محتل، ونزوحه للحبشة، ورجوعه الى الصحراء وقيامه بمقارعة المحتل، ونهايته كبطل وطني بعد ذلك.
تتغير شخصية بطل الرواية (عثمان الشيخ) بين طيّات مديات الحدث الروائي، من شخصية قروي بسيط قضى جلّ حياته في صحراء، الى آخر ابن مدينة، ويؤثر المكان عليه فيخضع له، ينبهر بفضاء المدينة وعمرانها، وتتغير ملامحه النفسية بشكل متعرج واقعي، ليس كبعض الروائين الذين يصورون شخصيات أبطالهم بخط مستقيم وفي حالة نبل ونزاهة وشكيمة دائمة، بل يبلورها بمديات انسانية طبيعية، فيها ضعف يصل حد الخضوع، وعلاء حتى التضحية، كما طبيعة النفس البشرية حينما تُوضع في واقع مختلف ومتنوع، وتُضغط بين رغبات وأحلام وإغراءات وطموحات متاحة أو ربما عصية...
يتأرجح البطل بين ازدهار ونكوص، وانكسار وانتصار، بين هبوط وارتقاء، وجمال وقبح، مثقلا بمحن وأزمات ذاته أينما حلّ...ترافق ذلك فترات شرود نتيجة فقدان قدرة على اتخذا قرارات جوهرية...عثمان الشيخ أو الحبشي، انسان قد نجده في داخل أي منا في فترة ما، فيه بذرة خير تثمر لما يلتحق بالمقاومة، ونزعة شر لما تنبذه قريته أو حين يتجند مع المحتل...ليس هناك مطلق لحالة شر أو مطلق لحالة خيرفي عالمه الرحب...حالة انسحبت حتى على المحتل، متمثلة بشخصية بالبو الطلياني...
أن عثمان، كما وصفه نقاد، بطلاً إشكالياً تراجيدياً، تقلّب بين الوصولية والواقعية والبراغماتية، يحب ويرحل ويتغرب ويتطور فكراً ويتحول من حال الى حال، تتنقل روحه بين تكوينه الأول كقروي بسيط في قرية لا وجود لها على أرض الواقع، وفي بيت مهجور يختلي فيه، وفي تعليمه للقرآن وعشقه للمرأة الزنجية، وبين هروبه الى الحبشه، وتجنيده وبعد ذلك انسلاخه عن كل ذلك وارتباطه بالمقاومة الشعبية، وتالياً موته شهيداً تخلد الناس ذكراه، كل ذلك بصورة ذات ألوان متغيرة ومتمازجة...
أنه ضمير ليبيا وناطق حي لسيرتها الوطنية، بطل عالم صحراوي ثرّ بحركته وأصالته، زاخر بحركته وبطولاته اليومية، بعيداً عن بطولة الفرد السوبرمانية الخارقة، المتفرد بذكاء وتميز عن الآخرين...تكتنفه لحظات ضعف انساني وتعثرات وأزمات أخلاقية وروحية، تتماثل مع ما تمور به حياة الكثيرين منا، للحد الذي نتعلق فيه بنجاة شخصية لنا على حساب آخرين...
الروائي الفقيه يلجأ الى تنويعات اسلوبية في أغلب أعماله الأدبية وفي الخصوص في الاثنى عشرية، فيستخدم تقنية الرواية البولوفونية، في اللجوء الى الضمائر المتعددة من مخاطب ومتكلم وغائب، وتعدد رواة الحدث وسارديه، صوت شيخ أو إمرأة صحفية، بغرض الابتعاد عن ميكانيكية مملة، وتكسير لايقاع معيب ولرتابة مضجرة، نظراً لكثافة العمل وطوله... والحبكة اتخذت طريقاً متصاعداً حيناً، وحيناً آخر منفرجاً، يهبط بحسب الحدث، وببراعة متمكنة من أدواتها الفنية، الشيء الذي جعل أكثر من ستين ناقد وكاتب، يقّيمون تلك الأعمال برصانة وموضوعية، وينعتونها بالرواية الملحمية، لما يكتنفها من حدس مبهر ورؤيا بعيدة، وحلم فانتازي يلازم السرد واستراتيجيته وعناصره.
ويذخر عمل الفقيه الملحمي برموز ودلالات غير مقحمة بافتعال أو صنعة، فالذهاب الى الصحراء، دليل على الرغبة لإكتشاف الذات في بيئة نقية، والصحراء ترمز في الوقت نفسه الى الجذر الذي نبع منه الانسان الليبي والبطل عثمان نفسه، وشكّل ذلك الهروب ضرورة تدل على ابتداء مرحلة جديدة من تكوين شخصية عثمان متمثلة بالتطهر والبداية السليمة، تكللت بتكوين فكر ثوري لديه، يقوده الى وضوح رؤية، واختيار درب لا بد منه، كما وتشيرالى انطلاق المقاومة من هناك، من الجذر والأصل.
ويعزو الروائي عدم ازدهار الرواية في بلد مثل ليبيا الى كونها مجتمعاً بدوياً سريع التنقل، يتلاقى أفراده عند بئر ماء، أو خيمة أو في واحة صغيرة، أو قرب موقد نار، يتبادلون مع بعضهم نزر الكلام ويرحلون...انه مجتمع قصة قصيرة أكثر منه مجتمع رواية الذي من شروطه، حسب ما ذكره الروائي، أن يكون مجتمعاً مدنياً، وربما هذا هو السبب في جعل ليبيا "بلداً مجهولاً أدبياً" كما أوضح نقّاد، فالمدينة وعمرانها وثقافتها حديثة وطارئة الى حد ما، على المجتمع الليبي، والصحراء هي عمق البلد وروحه، وسلطة القبيلة متوارثة منذ القدم...وهذا أيضاً قد يكون أحد أسباب بروز أسماء لروائين من خارج البلد أو مدينيين خلّص كابراهيم الكوني، وخليفة حسين مصطفى وصالح السنوسي، كما وأن عالم الرواية بنظره يتمثل بالكيف وليست بكم المؤلفين وعددهم في بلد ما.
سأل الحاضرون الروائي القدير أحمد الفقيه، عن مرجعية نصّه وهل ولادته كانت من رحم سيرة ذاتية له، أم من سعة تبصر وموسوعية معرفة، بكل ما يخص بلده من أحداث وتاريخ ومعرفة بانورامية دقيقة ممزوجة بخيال لكاتب موهوب،
ورجّح الفقيه العامل الثاني...أما أين هو مِن بطل روايته عثمان، فأجاب انه في روحه وفي خرائط خيال وحس مبثوثة في النص وأحداثه...واستطرد الروائي مرة أخرى الى موضوعة الرواية التاريخية ورواية التاريخ والفرق بينهما، مشيراً الى أمثلة من أدب عربي كمدن ملح عبد الرحمن منيف وثلاثية نجيب محفوظ، التي ترسم بأنامل من زهر، بورتريه خالداً للمجتمع المصري في وقتها، مقارناً بها بأعمال جرجي زيدان التاريخية، وكذلك الأدب العالمي، كوولتر سكوت في اسكتلندا...
وعن سؤال تعمد حجم المنجز الأدبي، وخطة سبقت كتابته، قد تكون نشأت في باله عن طوله، يجيب الفقيه بانه لم تكن لديه سابق نية في جعل جحم الأثنى عشرية بهذا الطول وبهذا العدد الهائل من الصفحات، بل جاءت دون تخطيط وبدون سابق نيّة حتى انتهت الى هذا الشكل...
وتطرق الفقيه بعد ذلك الى أسماء لامعة في أدب القصة القصيرة في ليبيا كبشير الهاشمي وعبد الله الكَويري، وأعطى صورة مختصرة عن المقاومة الشعبية الليبية ضد المحتل، ولأساليب وقواعد أخلاقية تميزت بها، وأورد أسماء قادة لها، مروراً بعمر المختار حتى بشير السعداوي ورمضان سويحلي والشيخ علي مصراتي وغيرهم الكثير، ممن خلدهم نضالهم في تاريخ وطنهم ليبيا.
يتميز الروائي أحمد الفقيه بآراء راقية وحضارية يتبناها ويؤمن بها، وبشخصيه المثقف الحقيقية بتواضعه، رغم سعة معرفة وعبقرية خيال وجموح حلم وإشراقة أمل، تفوح بها أعماله التي، كما ذكرت عنها صحيفة الغارديان، بانها
" تبعث على الاحساس بالعبقرية"، ويشبّهها البعض بروايتي الحرب والسلام و الدون الهادئ ...
ينهل المؤلف من قواعد الجماعة والمجتمع، غير انه لا يحبس روحه فيها، ولا يستهتر بها أيضاً...يحترم ويعشق المرأة ويكتب عن لسانها باعتبارها حجر أساس في كل مجتمع ينشد رقياً...يعتبر الثقافة ركيزة جوهرية في نهوض أية أمة...يستوعب باهتمام وعدم انزعاج، آراء نقاد لمّحوا الى هنّات في عمله، كاسهاب في وصف يؤدي الى بطئ في انسيابية سرد...ويوغل في التواضع وهو صاحب جهد مكثف لجدارية أطول عمل أدبي، رغم أنه ينوّه بأن طول الرواية ليس بالضرورة دليلاً على جودتها وقيمتها...الاّ ان ابداع الفقيه يؤشر الى قيمتها وليس الى طول نتاج أدب وزمن عشر سنوات كتبها فيه، ناهيك عن مؤلفات عديدة أخرى له، تندرج في مجال الرواية والقصة والمقالة والمسرح، وكتب يترجمها، و درجات وشهادات علمية عالية نالها، ومجلات وصحف أدبية يكتب فيها، ومجالس ثقافية يترأسها...ومازال نشاطه متواصلا في الكتابة، ويكتنف تركيبته ونفسه حب لوطنه وللإنسان وللغناء، كما قال:" أجمل الأوطان وطن تزدهر فيه الأغاني".
بامكان القارئ الاطلاع على أعمال الروائي ألكترونياً من خلال موقعه
www.ahmadfagih.com*

أو الحصول عليها من ليبيا بوكس.