عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2011, 10:27 AM
المشاركة 96
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع الروعة في رواية :

15- الزيني بركات – جمال الغيطانيمصر
بقلم: ابراهيم عادل

تعد رواية" الزينيبركات لجمال الغيطاني من الروايات البارزة في الروايات العربية التي عالجت ظاهرةالقمع والخوف واتكأت على أسبابها وبينت مظاهرها المرعبة في الحياة العربية،فالغيطاني حين يحاصره الراهن بقمعه واستبداده وقهره، حين يمارس أقسى أشكال العنفوالرعب والقهر في السجن المعاصر يعود بنا مستنطقاً تاريخ ابن إياس بدائع الزهورليجد صورة مرعبة لكبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضي ووالي الحسبة الزينيبركات، ويكفي أن نقرأ عن تعذيب التاجر علي أبي الجود وتدرج الزيني في التفنن بتعذيبهليحصل من على المال، والأدهى أن وسيلة إرغامه على الإقرار كانت بتعذيب الفلاحينأمامه عذاباً منكراً بغية إخافته وترويعه،على مدى سبعة أيام منها تعذيب فلاح أمامعينيه:" أظهروا حدوتين محميتين لونهما أحمر لشدة سخونتهما، بدأ يدقهما في كعبالفلاح المذعور، نفذ صراخ الفلاح إلى ضلوع علي، وكلما حاول إغلاق عينه يصفعه عثمانبقطعة جلد على قفاه." وفي اليوم الرابع والخامس " ذبح ثلاثة من الفلاحين المنسيين،أسندت رقابهم إلى صدر علي بن أبي الجود والزيني يدخل ويخرج محموماً مغتاظاً يسأل" ألم يقر بعد؟" لا يجيب أحد. يضرب الحجر بيديه."


يسقطهذه الصورة على الحاضر بل يسقط الحاضر عليها فيبني منها ما هو أقل إيلاماً منالحاضر فقدمت لنا نماذج مرعبة ولكنها مشوهة منخورة في الوقت نفسه لأنها من وجهة نظرالرواية فيما أحسب لا تتسلح بقيم تجعلها قادرة على مواجهة التغيرات المحتملة.
من دراسة لإبراهيم السعافين .

ويذكر د. محمد رضوان : الزيني بركات"، تستخلص عبرةً من مرحلة تاريخية،أسّست لهزيمةٍ محققة، نتيجة للعسف والقمع والاستبداد، إنما أنتجتْ بنية روائية خاصةبها، تدخل في عداد التجارب الروائية العربية المتميزة، والمغايرة للتجربة الروائيةوخبراتها، المكتسبة من الغرب، مما يعيد إثارة السؤال المزمن حول الشكل الروائيللرواية العربية، ولعلّ رواية الغيطاني هذه- إلى جانب بعض أعماله الروائية الأخرى- قد ساهمت في تقديم إجابة ما، عملية، على أسئلة الرواية العربية، التي بدأت تشقطريقها نحو شكل متميز، يواكب الرواية العالمية، وربما يتفوق عليها.‏

إن موضوع القمع الذي تناوله الغيطاني في "الزينيبركات" ليس جديداً في الرواية العربية ، وإنّما الجديد المتميز الذي بناه الغيطاني،هو الشكل الذي يستعيد تاريخاً ثقافياً وسياسياً، يقرأ فيه الماضي بوعي راهن، أييجعل من ثقافة الماضي، بعد تحويلها فنياً، ثقافة راهنة، من أجل الحاضر.‏
أخيراً، يمكن القول أن الغيطاني قد أنجز روايةتاريخية تثير الحاضر، كما ترهّن الماضي. وهو بذلك يعيد ترتيب السلسلة التاريخية أوالاجتماعية، والثقافية، عبر المأساة الوجودية للراهن العربي، وطقوس القمع الشموليةالتي يخضع لها، لتكون حافزاً استفزازياً، لتغيير هذا الوجود وآلياته القاهرة.‏
==
ويتحدث عنها كاتبها (جمـالالغيـطـاني ) فيقول :

.......... جاءت (( الزينيبركات)) نتيجة لعوامل عديدة. أهمها في تقديري, تجربة معاناة القهر البوليسي في مصرخلال الستينيات.كانت هناك تجربة ضخمة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. تهدف إلىتحقيق أحلام البسطاء. يقودها زعيم كبير هو جمال عبد الناصر. ولكن كان مقتل هذهالتجربة في رأيي, هو الأسلوب الذي تعاملت به مع الديمقراطية. وأحيانا كنا نحجم عنالحديث بهذا الشكل لأن هذه التجربة بعد انتهائها, تعرضت وما تزال تتعرض لهجوم حادمن خصوم العدالة الاجتماعية, ومن خصوم إتاحة الفرص أمام الفقراء. ولكن أنا أتصور أنالشهادة يجب أن تكون دقيقة الآن, خاصة وأن جيلنا, جيل الستينات الذي ننتمي إليه أناوالأستاذ البساطي قد بدأ يدنو من مراحله الأخيرة. لذا يجب أن نترك كلمة حق حتى لاتتكرر تلك الأخطاء.

عانينا من الرقابة فيالستينيات. وأسلوب التعامل البوليسي. وأتصور أن هذا كان أحد أسباب علاقتي القويةبالتاريخ. كنت مهموما بالبحث في تاريخ مصر, وبقراءة هذا التاريخ خاصة الفترةالمملوكية, التي وجدت تشابها كبيرا بين تفاصيلها وبين الزمن الراهن الذي نعيش فيه. وأنا عندما أقول الفترة المملوكية, أعني الفترة المملوكية التي كانت مصر فيها سلطنةمستقلة تحمي البحرين والحرمين. وقد انتهت هذه السلطنة في عام 1517 بهزيمة عسكريةكبيرة في مرج دابق شمال حلب. وعندما طالعت مراجع شهود العيان الذين عاشوا هذهالفترة, ذهلت من تشابه الظرف بين هزيمة 67 والأسباب التي أدت إليها وبين هزيمةالقرن السادس عشر.
وأوصلني هذا فيما بعد, إلى ما يمكن أن يسمى باكتشاف وحدة التجربةالإنسانية في مراحل كثيرة من التاريخ حتى وإن بعدت المسافة. على سبيل المثال : الألم الإنساني واحد. فالشعور بالحزن هو نفسه الذي كان يعبر عنه المصري القديم أوالبابلي القديم.
ومصر نتيجة لاستمرارية تاريخها وعدم انقطاعه تتشابه فيها الظروف منفترة إلى أخرى. سياحتي في التاريخ استقرت في العصر المملوكي. وكنت مهموما بهاجسالرقابة وهاجس المطاردة قبل أن أدخل المعتقل إلى درجة أنني كتبت عددا من القصصالقصيرة عن السجن, نشرت منها قصة ؛رسالة فتاة من الشمال« في مجلة الآداب في يوليو 1964, وقصة أخرى اسمها ؛القلعة« في مجلة الأديب اللبنانية أيضا عام 1964. وكتبترواية كاملة عن فكرة المطاردة وظروف المطاردة, ف ق د ت عندما اعتقلت في عام 1966. والغريب أنني عندما دخلت المعتقل لم أفاجأ بالتفاصيل. فقد كنت أسمعها من زملائيالذين سبقوني في تلك التجربة.
ولكن عندما خرجت قبل وقوع الهزيمة بشهرين عام 1967 معزملائي, الذين يمثلون جيل الستينيات من الكتاب — فأكبر كتاب الستينيات كانوا في هذهالحبسة –, كتبت قصة اسمها »هداية أهل الورى لبعض ما جرى في المقشرة« وقد افترضتفيها أنني عثرت على مذكرات آمر سجن المقشرة. وهو من السجون الشديدة البشاعة فيالعصر المملوكي. وكنت قد وصلت بعض قراءة طويلة — بل لا أقول قراءة ولكن معايشةلابن إياس وابن زمبل الرمال والمقريزي وابن تغري بردي إلى اكتشاف بلاغة جديدة, لميكن الأدب العربي يتعامل معها. بلاغة يمكن الآن أن أقول إنها بلاغة مصرية, تجمع مابين الفصحى وخلفية العامية المصرية في التراكيب اللغوية. وهذه نجدها عند المؤرخينوليس عند الأدباء. عند المقريزي وابن إياس ثم الجبرتي فيما بعد. وربما يرجع ذلك إلىأنهم كانوا يكتبون الأحداث بسرعة, فلا يتأنقون ولا يغوصون في أساليب البلاغةالمستقرة من زمن قديم. هذه البلاغة شعرت أنها تمسك بالواقع أكثر من الأساليبالسردية السائدة.