عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
16172
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
03-05-2011, 11:48 PM
المشاركة 1
03-05-2011, 11:48 PM
المشاركة 1
افتراضي أبو حيان التوحيدي /نقد
أبو حيان التوحيدي في" الإشارات الإلهية" ورسالة الغريب.
لمحة من حياته كما وصفها ياقوت الحموي:-

جاء في "معجم الأدباء"ترجمة لحياة أبي حيّان التوحيدي ما نصّه:
علي بن محمد بن العباس أبو حيان التوحيدي،، شيرازي الأصل وقيل نيسابوري، ووجدت بعض الفضلاء
يقول له الو اسطي، صوفي السمت والهيئة، وكان يتأله والناس على ثقة من دينه، قدم بغداد فأقام بها مدة ومضى إلى الري، وصحب الصاحب أبا القاسم إسماعيل بن عباد وقبله أبا الفضل بن العميد فلم يحمدهما وعمل في مثالبهما كتاباً، وكان متفنناً في جميع العلوم من النحو واللغة والشعر والأدب والفقه والكلام على رأي المعتزلة، وكان جاحظياً يسلك في تصانيفه مسلكه ويشتهي أن ينتظم في سلكه، فهو شيخ في الصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام ومتكلم المحققين، وإمام البلغاء، وعمدة لبني ساسان، سخيف اللسان، قليل الرضا عند الإساءة إليه والإحسان، الذم شانه، والثلب دكانه، وهو مع ذلك فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة، وفصاحة ومكنة، كثير التحصيل للعلوم في كل فن حفظه، واسع الدراية والرواية، وكان مع ذلك محدوداً محارفاً يشتكي صرف زمانه، ويبكي في تصانيفه على حرمانه.
ولم أر أحداً من أهل العلم ذكره في كتاب، ولا دمجه في ضمن خطاب، وهذا من العجب العجاب،
ولأبي حيان تصانيف كثيرة منها: كتاب رسالة الصديق والصداقة، كتاب الرد على ابن جني في شعر المتنبي، كتاب الامتناع والمؤانسة جزءان، كتاب الإشارات الإلهية جزءان، كتاب الزلفة جزء، كتاب المقابسة، كتاب رياض العارفين، كتاب تقريظ الجاحظ، كتاب ذم الوزيرين، كتاب الحج العقلي إذا ضاق الفضاء عن الحج الشرعي، كتاب الرسالة في صلات الفقهاء في المناظرة، كتاب الرسالة البغدادية، كتاب الرسالة الصوفية أيضاً، كتاب الرسالة في الحنين إلى الأوطان، كتاب البصائر وهو عشر مجلدات كل مجلد له فاتحة وخاتمة، كتاب المحاضرات والمناظرات.
ولقد أعجبني نثر التوحيدي كما أعجب الكثير من الأدباء والنقاد، وسر الإعجاب يكمن في المعنى والمبنى،وفي الفريد من موضوعاته ،كرسالته في وصف الغريب والغربة،وبالأخص الغربة في الوطن. والغربة عن الوطن ...إنها معانً إنسانية تسمو بها الروح في عنان السماء
نطق بها قلب مثقف ذاق ويلات التهميش والإقصاء من حكام ليسوا أهلا للحكم، مثله مثل المتنبي،فكلاهما عبقري نابغ، رفضا ذلّ الحكّام وسطوتهم وعجرفتهم،فما ذلا ولا استكانا،قتل المتنبي،وتخفّى التوحيدي بفقره وحرمانه من ظلم الحاكم،ليموت مجهولا.

مقتطف من الإشارات الإلهيّة للتّوحيديّ من رسالة الغريب:-
وقد قيل : الغريب مَنْ جَفاه الحبيب. وأنا أقول : بل الغريب من واصله الحبيب، بل الغريب من تغافل عنه الرقيب، بل الغريب من حاباه الشريب، بل الغريب مَنْ نُودِي مِنْ قريب، بل الغريب من هو في غربته غريب، بل الغريب من ليس لـه نسيب، بل الغريب من ليس لـه من الحق نصيب. فإن كان هذا صحيحاً، فتعال حتى نبكي على حال أحدثت هذه الغفْوة، وأورثت هذه الجَفْوة :‏
لعَّل انحدارَ الدَّمْعِ يُعْقِبُ راحةً * * * من الوَجْد أوْ يَشْفِي نَجِيَّ البلابل
يا هذا! الغريب من غَرُبَتْ شمس جماله، واغترب عن حبيبه وعُذّاله، وأَعْرَبَ في أقواله وأفعاله، وعَرَّب في إدباره وإقباله، واستغرب في طِمْره وسِرْباله.
يا هذا! الغريب من نطق وصفه بالمحنة بعد المحنة، ودلَّ عنوانه على الفتنة عُقَيْب الفتنة، وبانت حقيقته فيه الفينة حدّ الفينة. الغريب من إن رأيتَه لم تعرفه، وإن لم تره لم تستعرفه. الغريب من إن حضر كان غائباً، وإن غاب كان حاضراً. أما سمعت القائل حين قال :‏
بِمَ التعلُّل؟ لا أهل ولا وطن * * * ولا نديم ولا كأسٌ ولا سَكَنُ‏
هذا وصف رجل لحقته الغربة، فتمنى أهلاً يأنس بهم، ووطناً يأوي إليه، ونديماً يحلّ عُقَدَ سِرّهِ معَهُ، وكأساً ينتشي منها، وسَكَناً يتوادعُ عنده. فأمّا وصفُ الغريب الذي اكتنفته الأحزان من كل جانب، واشتملت عليه الأشجان من كل حاضر وغائب، وتحكّمت فيه الأيام من كلِّ جاءٍ وذاهب، واستغرقته الحسرات على كل فائت وآئب، وشَتّتَهُ الزمان والمكان بين كل ثقة ورائب، وفي الجملة، أتت عليه أحكام المصائب والنوائب، وحطتّه بأيدي العواتب عن المراتب، فوصفٌ يحفى دونه القلم، ويفنى من ورائه القرطاس، ويَشِلُ عن بَجْسِه اللفظ، لأنه وصف الغريب الذي لا اسم لـه فيُذْكَر، ولا رسم لـه فيُشْهَر، ولا طيَّ لـه فيُنْشَر، ولا عُذْر لـه فيُعْذَر، ولا ذنب لـه فيُغْفَر، ولا عيب عنده فَيُستَر.
هذا غريب لم يتزحزح عن مَسقِط رأسه، ولم يتزعزع عن مَهَبِّ أنفا سه. وأغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه، وأبعد البعداء من كان بعيداً في محل قُرْبه، لأنّ غاية المجهود أنْ يسلو عن الموجود، ويُغْمِضَ عن المشهود، ويُقْصَى عن المعهود، لِيَجِدَ مَنْ يُغنيه عن هذا كلَّه بعطاءٍ ممدود، ورِفْدٍ مرفود، ورُكنٍ موطود، وحَدٍّ غير محدود.‏.
معاناة التوحيدي تشبهها معاناة المتنبي :-
يقول المتنبي:-
بم التعلل لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا خل ولا سكن

فتفهم أن الرجل محترف بمعاناته ، ملتهب بآلامه، تكاد نياط قلبه أن تتقطع، وتوشك أعصابه أن تتمزق ، فهو يتساءل متعجباً من حاله، لماذا يتعلل ويتصبر وليس عنده أهل يأوي إليهم، فيبثهم وجده، ولهيب صدره، وليس لديه وطن لأنه غريب مرتحل، وليس عنده صديق؛ فقد خانه الكل، وتنكر له الجميع، وما عنده محبوب يبثه نجواه، وينفث فيه شكواه، وأيضاً ليس عنده سكن يضمه ويحتضنه، فهو في حالة أبلغ وصف لها هذا البيت ، ويا له من مطلع ذائغ فائق.

ويذهب طريداً شريداً إلى كافور، وقد تقطعت به الحبال، وضاقت به الآمال، وأظلمت أمامه السبل، فلا يبدأ بالمدح؛ لأنّه في شغل شاغل عنه، ولا يستفتح بالغزل؛ لأنه يتلظى بالمرارة، ولا يقدم الأمثال؛ لأنه في عالم المعاناة والغربة، وإنما يقذف بهذه الحكمة التي تدل على ما وراءها من كرب شديد، وحزن بالغ، وبال كسيف أسيف.


السمات الفنية في رسالة الغريب:-.‏
تقول د.ألفت الروبي الأستاذة بكلية الآداب-جامعة القاهرة- في مقالة لها نشرتها "الهلال" بعنوان : "التوحيدي وأشكال الكتابة" :-
و من أصناف الكتابة عند التوحيدي هو (المناجاة) و هو يتحقق في فقرات متفرقة من كتاب الامتاع و المؤانسة، و الصداقة و الصديق ، و الهوامل و الشوامل، لكنه يتجسد بوضوح في كتاب (الإشارات الإلهية) الذي يستغرقه هذا الصنف استغراقا كاملا. و مناجاة التوحيدي شكل من أشكال التعبير عن الذات، حيث تغلب السمة الغنائية بكل ما يعنيه مصطلح (غنائية) من دلالات، إذ ينقل التوحيدي حديث الذات التي تخاطب نفسها –تارة- كاشفة عن آلامها و معاناتها، و عذاباتها، و أشواقها، أو تخاطب-تارة أخرى- الذات الإلهية متضرعة إليها عتابا أو استسلاما أو استرحاما، و من الأمثلة مخاطبة الذات للذات الإلهية قوله: (يا حبيبي أما ترى ضيعتي في تحفظي؟ أما ترى رقدتي في تيقظي؟ .......
و هذه الطريقة في التعبير و الصياغة تعد تجاوزا لطريقة الكتابة في النثر العربي القديم، لقد اعتمد التوحيدي على التضاد و التقابل، في إطار الجملة الاستفهامية الإنشائية المفتوحة و المجاوزة للكتابة الخبرية المحدودة، و راعى مستوى من الموسيقى في تقطيعه لهذه الجمل المتوالية و تساويها و تشابه نهاياتها، و بهذا اقتربت صياغته من حدود الشعر أو ما يمكن أن يسمى ب (قصيدة النثر). و يمكن أن نلتمس غنائية التوحيدي في إحدى مناجاته التي يعبر فيها عن حيرته و آلامه بحثا عن الخلاص :
( كيف أتكلم و الفؤاد سقيم؟ أم كيف أترنم و الخاطر عقيم؟ أما كيف اصبر و البلاء شامل؟ أم كيف اجزع و العناء حاصل؟ أم كيف انسي بالصديق و الصديق مداج، أم كيف أسلو الإلف والإلف مناج؟ أم كيف اسكن إلى الانتباه و قد أقلقه المنام؟أم كيف ا ستريح إلى المنام و قد لعبت بي الأحلام؟
يا هذا.. الضلوع مشوية بالأسى و الحزن، و الأكباد متهرئة بأنواع الآفات و السقم، و الأرواح ذائبة بضروب الحسرة و اليأس، فلا إلى الخلوة معاج و لا بالمجالس ابتهاج. ليل يكربهم ناصب، و نهار يمر بكرب لازب.. و علم –مع ذلك كله- لا ينفع ، و عمل لا يصح...
فقل لي : الآن بمن أتعلق و لمن أتملق؟ و ماذا أقول و أي شيء أقول و اسمع؟ و في أي شيء أفكر و بأي ركن ألوذ؟ و في أي واد أهيم؟.
ربما لم يستوعب بعض الذين عابوا صياغة التوحيدي في الإشارات هذا التزاوج الذي أقامه بين النثر و الشعر عبر هذه الغنائية المشحونة بالمشاعر الذاتية المتجسدة، بدورها في لغة ذات طبيعة انفعالية و بناء اقرب إلى القصيدة.
لقد تنوعت كتابة التوحيدي و شملت أشكالا متعددة، منها هذه الأصناف البارزة التي وقفنا عندها ، و لا تعد هذه الأصناف حصرا لكل ما تنطوي عليه مصنفات التوحيدي التي لا تزال في حاجة إلى إعادة فحص و تأمل، للوقوف على خصوصيتها و بالتالي خصوصية انجاز التوحيدي في النثر العربي.
و في تقديري أن درسا معمقا للإشارات الإلهية على أنها نوع من الكتابة عبر النوعية سوف يفتح أمامنا أفقا جديدا يجعل معارضي ما سمي بقصيدة النثر في أيامنا هذه يعيدون النظر في تشبثهم بقولبة ( ما هو شعري) في الشكل العمودي للقصيدة أو حتى في قصيدة التفعيلة ، و ربما يقف بنا و عينا بانجاز التوحيدي الذي مضى على وفاته ألف و أربعة عشر عاما عند ما يمكن أن نتواصل به مع هذا التراث، استشرافا للمستقبل و ليس ارتدادا للماضي.
ويقول د.عمَر الدقاق في مقالة له بعنوان" الأداء الفنيّ في نثر أبي حَيّان التوحيدي":- ومما يرفد أسلوب أبي حيان بالمحاسن تسربله في بعض نماذجه بالنغمة الموسيقية متعانقة مع التلوين العقلي، كأن يسعى إلى التضاد ليزيد المعنى جلاء والفكرة مضاء، كقوله يناجي محبوبه على النهج الصوفي:‏ :"يا حبيبي، أما ترى ضيعتي في تحفظي أما ترى رقدتي في تيقظي؟ أما ترى غصتي في إساغتي؟ أما ترى ضلالي في اهتدائي؟ أما ترى رشدي في غيي؟ أما ترى عيي في بلاغتي؟ أما ترى ضعفي في قوتي؟ أما ترى عجزي في قدرتي؟ أما ترى غيبتي في حضوري".
أما فاروق شوشه فيعلق قائلاً:-
فإذا أردنا الولوج إلى عالم الإبداع عند أبي حيان ،والتعرف على أسرار بيانه وتفرده في كتاباته،فاجأنا أن لغته اقرب إلى روح العصر،وأنها استطاعت أن تتخطى حاجز الزمان-منذ أكثر من ألف سنة-لتصل إلينا حيّة نابضة متدفقة،فيها من نفس أبي حيان ومكابداته،وفيها من شعوره العميق بالغربة والاغتراب ،عن عصره وزمانه،وعن أهله ومعاصريه،وفيها تلك الجذوة الدائمة التي لا تنطفئ؛لأنها سرّ الأسرار في إبداع أبي حيان ،وفي كتابه الفريد "الإشارات الإلهية" يحلِّق التوحيدي إلى ذروة إبداعه،عندما يسكنه هاجس الغربة وحسّ المناجاة و وهج الوجد والمكاشفة .
ويذكر القاص والروائي والناقد المصري إدوار الخراط في مجلة "فصول" في مقال له بعنوان"كتابة الغربة وأبو حيان التوحيدي":-
"ليس هذا المزج بين النقائض جديداً كل الجدة ،بطبيعة الحال، وإنما يحفزني هنا هاجس لا استطيع ولا أريد أن أقاومه، في أن أقارن بين أسلوب التوحيدي وبين أسلوب فنّانين،مثل:
ماجريت أو سلفادور دالي،إذ تجمع هذه الاساليب كلها بين بين تمكّن الصنعة وفرط تجويدها والسيطرة على أدائها بِيَدٍ لا أوَد فيها،وبين غرابة وغربة ،وهي إحدى سمات الحداثة.
نفي تهمة الزندقة عن التوحيدي:-
اتَّهم البعض التوحيدي بالزندقة، ودافع عنه البعض الآخر،وفي ألفية التوحيدي في القاهرة عام 1995 يكتب القاص والروائي جمال الغيطاني في مقالة له بعنوان"أخي الذي لم أره":
"من اجل التوحيدي الذي غاب ألف سنة ،ولم يكن معروفا قبل بداية هذا القرن،فقد طالته إحدى القسمات السيّئة في الحياة الثقافية العربية ،وهي تلك الشائعات التي تطلق أحياناً على البعض،وتطاردهم حتّى الممات وعبر القرون؛شائعات أنّه زنديق،وقد تجددت في هذه الندوة، وأوَّل أمس في مقال قرأته لأحد المحترمين مع أني لا أريد أن انزلق إلى ناحية أخرى وأدافع عن إيمانه،فكتبه تشهد له، ولكني أقول إن جوانب كثيرة في التراث العربي ضحيَّة شائعات، وما زلنا نمضي على ذلك حتّى الآن...