عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
3063
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
06-12-2017, 12:55 AM
المشاركة 1
06-12-2017, 12:55 AM
المشاركة 1
افتراضي الأسطورة في قصيدة "أسْطُورَةُ الْتِيَاعٍ؟"
الأسطورة في قصيدة "أسْطُورَةُ الْتِيَاعٍ؟" للشاعرة آمال عواد رضوان بقلم: د. عبد المجيد جابر اطميزة
أولا: النص
طِفْلَةً
تَسَلَّلْتِ فِي بَرَارِي عَتْمَتِي
وعَقارِبُ نَزَقي.. تَنْمُو بَيْن خُطُواتِكِ
تَغْزِلُ بِرُموشِ حُرُوفِكِ حَريرَ وَجْدٍ
مِنْ خُيُوطِ مُبْتَدَاي
*
قصِيدَةً
قصِيدَةً انْبَثَقْتِ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ
تَجَلَّيْتِ.. بِكُوخِ أَحْلَامِي
تَوَّجْتُكِ مَلِكَةً.. عَلَى عَرْشِ جُنُونِي
وَأَنَا التَّائِهُ فِي زَحْمَةِ أَصْدَائِكِ
لَمَّا تَزَلْ تَفْجَؤُني.. ثَوْرَةُ جَمَالِكِ!
*
رَائِحَةُ فُصُولِي.. تَخَلَّدَتْ بِك
بِرَجْعِ أُغْنِيَاتٍ عِذَابٍ.. تَتَرَدَّدُ عِطْرَ عَذَابٍ
زَوْبَعَتْنِي
فِي رِيبَةِ دَمْعَةٍ .. تُوَارِبُهَا شَكْوَى!
إِلاَمَ أظَلُّ أتَهَدَّلُ مُوسِيقًا شَاحِبَةً
عَلَى
سُلَّمِ
مَائِكِ؟
*
هِيرَا.. أَيَا مَلْجَأَ النِّسَاءِ الْوَالِدَاتِ
لِمْ تُطَارِدِينَ نِسَاءً يَلِدْنَنِي
وَمِئَةُ عُيونِكِ.. تُلاَقِحُ عَيْنِي
وَ.. تُلَاحِقُ ظِلِّيَ الْحَافِي؟
*
إِلَى خَفْقٍ مَجْهُولٍ
يُهَرْوِلُ عِمْلاقُكِ فِي رِيحِهِ
يَقْتُلُهُ شِعْرِي الْخَرُّوبِيّ
أَنْثُرُ مِئَةَ عُيونِهِ شُموعًا
عَلَى
قُنْبَرَتِكِ الْمِرْآةِ
وَعَلَى
اخْتِيَاِل ريشِكِ الطَّاؤُوسِيّ
*
كَمْ شَفيفَةٌ بِلَّوْراتُ غُرورِكِ
تَنْفُشينَهَا
تَفْرُشينَهَا
بِسَيْفِ شَغَبٍ يشعْشِعُنِي
كَيْفَ أَرُدُّ سَطْعَهُ إِلى عَيْنَيْكِ
وَمَنَابِعُ الْحَذَرِ أَخْمَدَتْهَا نِيرَانُكِ؟
*
بِقَيْدِيَ الذَّهَبِيِّ
بَيْنَ نَارِ الأَدِيمِ وَنُورِ السَّدِيمِ
مِنْ مِعْصَمَيْكِ
عَ
لَّ
قْ
تُ
كِ
نَجْمَةً تَتَبَهْرَجُ أُسْطُورَةَ الْتِيَاعٍ
وعَرَائِسُ الصُّدُورِ النَّاضِجَةِ
تُ ثَ رْ ثِ رُ كِ
جُمُوحَ تَحَدٍّ يُهَدِّدُنِي!
*
أَحَبِيبَتِي يَشْكُوهَا الْوَجَعُ؟
أَيْنَ مِنِّي جَمَالُهَا
يُخَلِّصُهُ قُبْحُكَ هِيفَايْسْتْيُوس؟
*
قَلْبُكِ الْمَكْفُوفُ بِبَرِيقِ الْغَيْرَةِ
يَخْتَلِسُ لُؤْلُؤَ خَفْقِي
آهٍ مِنْ لَيْلِي.. يُخْفِي وَيْلِي
يَجْمَعُ ذَاكِرَةَ أَنْفَاسِكِ الْمَبْذُورَةِ
عَلَى رَمَادِ أَنْفَاسِي!
*
أيْنَ مِنِّي "حَبِيبِي"
نَغْمَةٌ فِي حُقُولِي
كَمِ انْدَاحَتْ قَطِيعًا
مِنْ قُبَّراتِ حَيَاةٍ تَرْعَانِي؟
*
أَيْنَ مِنّي "حَبِيبِي"
كَوْكَبُ أَلَقٍ.. في سَمَا رُوحِي
يُضِيءُ دَرْبَ إِلْهَامِي إِلَيْكِ
ويَحُطُّ فَوْقَ مَغارَةٍ تُنْجِبُنِي؟

*
يَا مَنْ تَوارَيْتِ فِي حَانَةٍ
دَلِيلُهَا الْهَيْمَنَةُ
تَسْكُبِينَنِي جَحِيمًا.. فِي كُؤُوسِ الضَّيَاعِ
وَتُرْوِيكِ.. قَوَارِيِرُ هَجْرِي الدَّاغِلِ

فَلاَ تَنْتَفِخِينَ بِآهَاتٍ مُتَشَرِّدَة!
*
إِلاَمَ نَظَلُّ رَهَائِنَ بَهْلَوَانِيَّةً
يَلْبَسُنَا طُوفَانُ نَعْنَاعٍ لاَ يَنَام؟
*
ها شَهْوَةُ شَرَائِطِي الطَّاعِنَةُ بِالْعُزْلَةِ
تُزَيِّنُكِ
فَلاَ تَخْتَلُّ إِيقَاعَاتُ أَجْرَاسِكِ النَّرْجِسِيَّة!
*
هَا شَرَارَاتُ يَاسَمِينِكِ تَغْسِلُنِي
بِحَرَائِقِ غُبَارِكِ الْفُسْتُقِيِّ
أَنَا الْمُحَاصَرُ.. بِزئبقِ مَرَايَاكِ
إِلاَمَ تَبْكِينِي نَايُ زِنْزَانَتِي
وَتَظَلُّ تُلَوِّحُنِي.. مَنَادِيلُ الْوَدَاعِ!

ثانيا:التحليل الأدبي
جو النص:
الأطماع الغربية في الشرق وخاصة خيرات العرب المتمثلة في النفط ومحاولة الغرب تقسيم العالم العربي وتفتيته عن طريق افتعاله للحروب والفتن.
العنوان:
القصيدة بعنوان "أسْطُورَةُ الْتِيَاعٍ؟" ،فالعنوانُ يتشكّلُ من جملة اسمية مكون من خبر مرفوع، وهو مضاف و"التياع" مضاف إليه، والخبر مبتدؤه محذوف تقديره "هذه"..... وقد نجحت الشاعر في اختيارها للعنوان، فاستخدمت الأسطورة كقناع، ينتشر في كل مفاصل القصيدة وأجزائها وتضمن لها صفة التماسك والوحدة العضوية ، وتعمل على المشاركة في تجارب الشاعر مع الإرث الإنساني بطريقة تناسب الواقع الجديد ومن ثمّ الذوق الجديد، واستطاعت أن تربط ربطا موفقا بينها وبين ما تريده من أفكار ومراعاة الحداثة والسمة المتجددة التي تحملها الشخصيات الأسطورية، والعنوان "نظام دلاليٌّ رامز له بنيته السطحية، ومستواه العميق مثله مثل النّص تمامًا" (1) من حيث إنّه حمولة مكثفة من الإشارات والشيفرات التي إن اكتشفها القارئ وجدها تطغى على النّص كله، فيكون العنوان مع صغر حجمه نّصًا موازيا (Paratexte)، ونوعا من أنواع التعالي النّصي (Transtextualité)، الذي يحدد مسار القراءة التٌي يمكن لها أن "تبدأ من الرؤية الأولى للكتاب"
و"يمثل العنوان العبارة المفتاحية للنص، مهما كان النوع الأدبي، سواء كان قصة أو شعراً أو رواية أو مقالة، فالعنوان هو أول ما يفاجئ القارئ، وعليه فإما أن يجذب القارئ أو يبعده، أو يبقيه على الحياد مع نص قد يكون غنياً أو عادياً، إضافة لما في العنوان من دلالات معرفية ذات أبعاد مختلفة الأطياف، تكشف عن ثقافة صاحب النص، وغوصه في المكنون الفكري الذي يستلهمه أو يعيشه أو ينتظره، من الماضي والمعاش إلى الحالة المستقبلية، لذا أولى النقاد مسألة العنوان أهمية كبرى، وكانت له مكانته في الدراسات النقدية النصية.(2)
الأفكار الرئيسة:
1.تعلن الشاعرة أن قصيدتها نظمتها وهي تحمل معاناة الشرق وخاصة العالم العربي من الغرب وأطماعه وحروبه.
2. وظفت الشاعرة أسطورة "هيرا" ، وهي تمثل عيون الغرب في الشرق وكشف مكامن ضعفه ليسهل السيطرة عليه.
3. تخاطب الشاعرة "هيرا" وتعلن شكواها وبث همومها منها ومن شغبها في العالم العربي وما أحدث الغرب للعرب من مآسٍ وويلات ونكبات.
4.تعلن الشاعرة ضيقها واستنكارها لحروب الغرب وافتعالهم للمآسي في الشرق والتنكيل بأهله.
5.تلجأ الشاعرة للرسالات العادلة متضرعة من ظلم الغرب وجبروته.
العاطفة:
1.حب الشاعرة لعملها الفني المتمثل في هذه القصيدة التي تجسد مآسي العرب من الغرب.
2.كره الشاعرة لأفعال الغرب وافتعالهم للحروب في الشرق بغية السيطرة عليه وعلى موارده.
3.تعلق الشاعرة بأمتها وحمل همومها ومعاناتها.
4.إيمانها العميق بوطنها والرسالات السماوية.
وتستمد الشاعرة أفكارها ومعانيها من تجربة صادقة، وعاطفة قوية، فلا ريب في ذلك، فهي مرهفة الأحاسيس، ترى بأم عينها ما أحدث العالم الغربي في العالم العربي من فوضى وحروب وفتن بين طوائفه وتقسيمهم للمقسّم وتفتيتهم للمجزّأ والسيطرة على نفطه وخيراته وما أحدثوه من الفوضى الداخلية والنزاعات والاضطرابات ومن تدمير ووأد للحضارة وفرقة باسم الحرية، وشاعرتنا تعشق الحرية والعدالة والازدهار والرقي، وتبكي الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فلقد انعكست علاقات الناس سلباً مع بعضهم البعض، بعدما تنافرت المصالح واختلفت الأهواء، ولقد عايشت الأحداث بنفسها، فترى تحوٌّل النفوس وتبدّلها وتغيّرها، فترى التمزق في النسيج الاجتماعي، في زمن عزّ فيه الوفاء، وسيطرت فيه الأهواء والشهوات، وكثرت فيه المشاحنات والنزاعات والحروب التي يفتعلها العالم الغربي، فانعكست تلك على أحاسيسها ووجدانها، وقد غلبت على المقطوعة نزعة الرفض للواقع المر والمزري، فترفض هذا الواقع والإيحاء أبلغ في تصوير الأحاسيس، وما هو مختزن في اللاشعور .
تقول الشاعرة في المقطع الأول:
طِفْلَةً
تَسَلَّلْتِ فِي بَرَارِي عَتْمَتِي
وعَقارِبُ نَزَقي.. تَنْمُو بَيْن خُطُواتِكِ
تَغْزِلُ بِرُموشِ حُرُوفِكِ حَريرَ وَجْدٍ
مِنْ خُيُوطِ مُبْتَدَاي
وهنا تبدأ نصها بقولها "طفلةً" وهي حال جامد منصوب، وقد استخدمت الشاعرة هنا تقنية الانزياح بالتقديم والتأخير، فقدّمت الحال "طفلة" وحقها التأخير على الحال وصاحبها "تَسَلَّلْتِ فِي بَرَارِي عَتْمَتِي" وحقها التقديم
إذ يمثل عنصر التقديم والتأخير عاملاً مهماً في إثراء اللغة الشعرية وإغناء التحولات الإسنادية التركيبية في النص الشعري، مما يجعله أكثر حيوية، ويبعث في نفس القارئ الحرص على مداومة النظر في التركيب؛ بغية الوصول إلى الدلالة بل الدلالات الكامنة وراء هذا الاختلاف أو الانتهاك والشذوذ، فلغة الشعر المعاصر تقوم على الاختلاف والمغايرة، وطلب الجديد ببناء أبنية وخلق صور، وإن للانزياح التركيبي أثرًا مهمًا في الارتقاء بالقصيدة جماليًا، و الإسهام في تقديمها رؤية و تشكيلا، و إحداث تنوع دلالي كبير. فالشاعرة قدّمت "طفلة" الحال على صاحبها لتبرز أهمية هذا التقديم أيضا. ولا شك أن هذه الطفلة هي القصيدة نفسها التي انسكبت فيها روح الشاعرة.
وتقول في مستهل نصها:
"تَسَلَّلْتِ فِي بَرَارِي عَتْمَتِي":كناية عن فكرة القصيدة التي تولّدت في ذهن الشاعرة، وفي هذه العبارة انزياح إضافي، فالمتلقي عندما يسمع كلمة "براري" يتوقع مضافاً إليه مناسباً ككلمة "بلادنا" مثلاً، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "عتمتي" مما يولد الإثارة في نفسه، وهذا من جماليات الانزياح بمختلف أشكاله.. وذلك بخلخلة بنية التوّقعات ولإحداث فجوة، تعمّق حسّ الشعريّة في نفس المتلّقي ، ممّا أكسب النص توتّراً وعمقاً دلالياً خاصاً ، فقد تفجّر المركَّب بالشعرية باعتباره نقطة التحوّل ومنبع الإدهاش
ومثل هذا في قول الشاعرة التالي:
وعَقارِبُ نَزَقي.. تَنْمُو بَيْن خُطُواتِكِ: "عقارب نزقي" : كناية عن الفتوة والشباب، حيث تتصف الشخصية في فترة العمر هذه بالنزق.
تَغْزِلُ بِرُموشِ حُرُوفِكِ حَريرَ وَجْدٍ: حيث أخذت معالم القصيدة تتضح.
مِنْ خُيُوطِ مُبْتَدَاي : والاتضاح والنمو توالى مع بداية القصيدة.
وفي عبارات الشاعرة تتوالى الدهشة والتأثير في روع المتلقي، فالمتلقي عندما يسمع كلمة "عقارب" يتوقع مضافاً إليه مناسباً ككلمة "الساعة" مثلاً، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "نزفي" وعندما يسمع "تَغْزِلُ بِرُموشِ " يتوقع أن يلي الفعل المضارع "تغزل" جار ومجرور مناسب ككلمة "المغزل" مثلاً، لكنه يتفاجأ بجار ومجرور "برموش" وعندما يسمع شبه الجملة "برموش" يتوقع مضافاً إليه مناسباً ككلمة "عينيك" مثلاً، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "حروفك"...وفي نفس السطر:
"تَغْزِلُ بِرُموشِ حُرُوفِكِ حَريرَ وَجْدٍ" : نرى أن هناك أيضا انزياحاً تركيبياً، فقد قدّمت الشاعرة ما حقّه التأخير وهو شبه الجملة "برموش حروفك" على ما حقه التقديم، وهو المفعول به "حرير وجْد" .
وعندما يسمع المتلقي عبارة " حَريرَ وَجْدٍ" : إذ وصفت الشاعرة الحرير بالوجد، وهو ليس من طبيعته، وهذا التركيب غير المتوقع خلق فجوة أي تنافرًا دلاليًا، ومسافة توتّر حادة بين الموصوف وصفته .. و"يمثل عنصر التقديم والتأخير عاملاً مهماً في إثراء اللغة الشعرية وإغناء التحولات الإسنادية التركيبية في النص الشعري، مما يجعله أكثر حيوية، ويبعث في نفس القارئ الحرص على مداومة النظر في التركيب؛ بغية الوصول إلى الدلالة بل الدلالات. خاصة، إذا علمنا أن الكامنة وراء هذا الاختلاف أو الانتهاك والشذوذ الشعر المعاصر. (3)
ففكرة القصيدة تسللت إلى ذهن الشاعرة وهي في مبتدى عمرها.
"مِنْ خُيُوطِ مُبْتَدَاي" :
ففي هذه العبارة انزياح إضافي، فالمتلقي عندما يسمع كلمة "خيوط" يتوقع مضافاً إليه مناسباً ككلمة "الغزل" مثلاً، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "مبتداي"
والشِّعر الحقيقي ما كان نتيجة لِتَجربة شعوريَّة صادِقة، يحركها تَوَتُّر نفسي مُتَأجج وخلجات نفس متوهجة، وانفعالها ينهض بِمَشهد معين، ولَعَلَّ هذا التَّوَتُّر النفسي أضحى في زماننا أكثر وهجًا، فالشاعرة يؤلِمها ما تراه من ظلم يحيق بالوطن العربي من دول الغرب ومن سُلُوكات وأخلاق تَتَنَافَى مع عقيدتها ومبادئها، فتراها غير راضية ورافضة لهذا الواقع المُؤْلِم من هنا لجأت إلى لغة الانزياح والخرق.
و"إن حداثة النص تتطلب حداثة في التلقي، تماماً مثلما أن حداثة الوعي تتطلب حداثة النص. ومن هنا، فإن لدور المتلقي أهمية كبرى في تحديد درجة الغموض في هذا النص الحداثي أو ذاك. فقد يبدو نصٌّ ماغامضاً. بل مبهماً، بالنسبة إلى متلق ذي وعي تقليدي، وقد يبدو غموضه شفافاً بالنسبة إلى متلق ذي وعي حداثي"(4).
وتقول الشاعرة في المقطع الثاني"
قصِيدَةً
قصِيدَةً انْبَثَقْتِ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ
تَجَلَّيْتِ.. بِكُوخِ أَحْلَامِي
تَوَّجْتُكِ مَلِكَةً.. عَلَى عَرْشِ جُنُونِي
وَأَنَا التَّائِهُ فِي زَحْمَةِ أَصْدَائِكِ
لَمَّا تَزَلْ تَفْجَؤُني.. ثَوْرَةُ جَمَالِكِ!
وهنا صور شعرية متتالية متتابعة، فالقصيدة تنبثق على استحياء وتتجلَّى، وللأحلام كوخ كما الإنسان الفقير، والقصيدة تتوج ملكة كالملكات، وللجنون عرش كما الملوك، وللأصداء زحمة كزحمة الورّاد على الماء، وللجمال ثورة تُفاجئ كما للشعوب المضطهدة ثورات...والذي يزيد من جمال هذه الصور الفنية تلك الانزياحات التي تثير الدهشة في خلد المتلقي، فمن الانزياحات الإضافية: "كُوخِ أَحْلَامِي"، و"عَرْشِ جُنُونِي" و"زَحْمَةِ أَصْدَائِكِ" و"ثَوْرَةُ جَمَالِكِ"
"وفي عصرنا الحديث نظر إلى الانزياح نظرة متقدمة، تخدم التصور النقدي القائم على أساس اعتبار اللغة الشعرية لغة خرق وانتهاك للسائد والمألوف، وبقدر ما تنزاح اللغة عن الشائع والمعروف تحقق قدراً من الشعرية في رأي كوهين، كما أن رصد ظواهر الانحراف في النص يمكن أن تعين على قراءته قراءة استبطانية جوانية تبتعد عن القراءة السطحية والهامشية، وبهذا تكون ظاهرة الانحراف ذات أبعاد دلالية وإيحائية تثير الدهشة والمفاجأة، ولذلك يصبح حضوره في النص قادراً على جعل لغته لغة متوهجة ومثيرة تستطيع أن تمارس سلطةً على القارئ من خلال عنصر المفاجأة والغرابة"(5)
وقد استخدمت الشاعرة "لمًا" وهي حرف نفي يجزم المضارع، واستخدمته الشاعرة لتقلب الفعل إلى الزمن الماضي ليمتدّ حتّى وقت الحديث مع توقّع حدوثه في المستقبل القريب.
وفي المقطع الثالث، تقول:
رَائِحَةُ فُصُولِي.. تَخَلَّدَتْ بِك
بِرَجْعِ أُغْنِيَاتٍ عِذَابٍ.. تَتَرَدَّدُ عِطْرَ عَذَابٍ
زَوْبَعَتْنِي
فِي رِيبَةِ دَمْعَةٍ .. تُوَارِبُهَا شَكْوَى!
إِلاَمَ أظَلُّ أتَهَدَّلُ مُوسِيقًا شَاحِبَةً
عَلَى
سُلَّمِ
مَائِكِ؟
وهنا تبدأ الشاعرة المقطع بأسلوب خبري لتأكيد الذات، ولتجسيد معاناة العرب من الغرب وتفتيت ممالكهم والسيطرة على مواردهم، تخاطب الشاعرة الأسطورة "هيرا" التي تمثل الغرب وجبروته، فهي في الأسطورة الإغريقية إلهة الزواج والغرور وقتل الأمهات والأطفال، عرفت "هيرا" بالمشاغبة والغيرة على زوجها زيوس مُتعدد العلاقات النسائية، "هيرا" هي المعلقة في الشرق كعيون للغرب وعوناً لهم.
والشاعرة ترجع للأسطورة كقناع فني من خلال"فهم الموقف المعاصر وإذابته في شبيهه الأسطوري، ليكون الكل الذي يعطي الإحساس بالصدق التلقائي". (6)
و" القناع هو محصلة التفاعل القائم على التجاذب المتبادل بين طرفي القناع – أنا الشاعر – أنا الآخر." (7)
وشاعرتنا تدرك أهمية الموروث الإنساني في خدمة النَّص الشِّعري "بعد أن أصبح الرَّمز/ القناع والمرآة والمرايا، والإشارات، ومضات تهيئ المناخ الشعري العربي للتواصل مع روح الأمة." (8)
"رَائِحَةُ فُصُولِي.. تَخَلَّدَتْ بِك" : كناية عن ارتباط الشرق بالغرب على مدى الزمن في كل الفصول، وتجسيد استغلال الغرب للشرق.
بِرَجْعِ أُغْنِيَاتٍ عِذَابٍ.. تَتَرَدَّدُ عِطْرَ عَذَابٍ" : وهنا جناس غير تام بين كل من "عِذَاب" و"عَذَابٍ" لتوليد إيقاع عذب في القصيدة، وبينهما أيضاً طباق.
"زَوْبَعَتْنِي" /ِ "في رِيبَةِ دَمْعَةٍ .. تُوَارِبُهَا شَكْوَى!" : وتثور في نفس الشاعرة زوبعة مما يعانيه الشرق من صنيع فعل الغرب، وتنسكب الدموع ريبة من مخططات الغرب تخالطها شكوى مقموعة وغير مسموعة.
وتنتقل الشاعرة في هذا المقطع من الأسلوب الخبري إلى الأسلوب الإنشائي:
"إِلاَمَ أظَلُّ أتَهَدَّلُ مُوسِيقًا شَاحِبَةً/ عَلَى/ سُلَّمِ/ مَائِكِ؟" : والاستفهام هنا يفيد التحسر من خسيس فعل الغرب لمشرقنا الجميل جمال الموسيقا، لكنه جمال منقوص شاحب أفقده الغرب نضارته واتزانه، فالموسيقى شاحبة.
"/ عَلَى/ سُلَّمِ/ مَائِكِ؟" :كناية عن وعود الغرب البهيجة للعرب، لكنها وعودٌ زائفة واهمة، كما وعدوا العراق بالحرية فأعقب وعدهم التنكيل والتفتيت والتدمير وقتل الروح ووأد الأحلام، وفي عبارة "على سلّم مائك" خرق إضافي يثير دهشة المتلقي.

وتتابع الشاعرة شدوها في المقطع الرابع:
هِيرَا.. أَيَا مَلْجَأَ النِّسَاءِ الْوَالِدَاتِ
لِمْ تُطَارِدِينَ نِسَاءً يَلِدْنَنِي
وَمِئَةُ عُيونِكِ.. تُلاَقِحُ عَيْنِي
وَ.. تُلَاحِقُ ظِلِّيَ الْحَافِي؟
"هِيرَا.. أَيَا مَلْجَأَ النِّسَاءِ الْوَالِدَاتِ" : وتخاطب الشاعرة "هيرا" وهي عين الغرب في الشرق؛ لتحسس مناطق ضعفه لالتهامه، وقد استخدمت الشاعرة الانزياح بالحذف، فلجأت إلى حذف حرف النداء، حيث أصبح أسلوب الحذف ذا جمالية في تعانقه مع اللغة والمتكلم والمتلقي؛ فهو يشكل منطلقاً وغاية في أنواعه وأغراضه، ولذا حظي به الكلام العربي شعره ونثره. فإن اهتمام الأسلوبيين به ازداد بوصفه ظاهرة أسلوبية ترقى بالكلام من مستواه العادي إلى مستوى عالٍ يزخر بشحنات دلالية، ويتميز بحسن السبك وقوة التماسك، كما يسهم في توسيع مجالات النّص من خلال تفاعل البنية السطحية التي ينطق بها ظاهر اللفظ، والبنية العميقة بوصفها عملية ذهنية ينهض بها المتلقي اعتماداً على فطنته وذكائه، ويكون الحذف وسيلة من وسائل اتساع النّص؛ لأنه يلعب دوراً رئيساً في عملية التنبيه والإيحاء، ويثير ذهن المتلقي ويحمله على الحفر في عمق العبارات والتراكيب، الأمر الذّي يجعلها تتسع من الداخل وتفرز شحنات دلالية كثيفة، ومن هنا جاءت الجمالية ومتعة القراءة التي تحدّ ث عنها رولان بارت. الحذف في البنية اللّسانية ليس فعلاً بريئاً أو عملاً محايداً أو شكلاً مفروضاً على القصيدة من الخارج، وإنّما هو عمل واعٍ وسمة من سمات القصيدة الحديثة ومظهر من مظاهر الإبداعية التي تعمل على استثمار الطّاقات التّعبيرية الهائلة التّي تزخر بها اللّغة العربية.
"لِمْ تُطَارِدِينَ نِسَاءً يَلِدْنَنِي" :
والاستفهام يفيد التعجب من مطاردة "هيرا" لنساء العرب والشرق، وفي السطر كناية عمن يلدن الشاعرة وهن النساء العربيات وفي الأسطورة كانت "هيرا" تقتل الأطفال والنساء الوالدات.
" وَمِئَةُ عُيونِكِ.. تُلاَقِحُ عَيْنِي" : كناية عن تتبع "هيرا" لكل مواطن الضعف العربي ونقل ذالك لعسكرة الغرب وساسته لتسهيل السيطرة،
وهنا تشبه الشاعرة تلاقي عيون "هيرا" بعيني الشاعرة بالتلاقح...استعارة تصريحية، وليس ل"هيرا" عينان بل مئة عين.
"وَ.. تُلَاحِقُ ظِلِّيَ الْحَافِي؟" : كناية عن تتبع الغرب لكل مواطن الضعف العربي وفي قولها:
"وَ.. تُلَاحِقُ ظِلِّيَ الْحَافِي؟" : انزياح إضافي" فالمتلقي عندما يسمع كلمة "ظلي" يتوقع مضافاً إليه مناسباً ككلمة "المُرافق" مثلا، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "الحافي" وهذا الانزياح يولد الإثارة في نفسه، وهو من جماليات الانزياح بمختلف أشكاله.. وذلك بخلخلة بنية التوّقعات ولإحداث فجوة، تعمّق حسّ الشعريّة في نفس المتلّقي، ممّا يكسب النص توتّراً وعمقاً دلالياً خاصاً، فقد تفجّر المُركَّب بالشعرية باعتباره نقطة التحوّل ومنبع الإمتاع.
لقد وظّفت شاعرتنا فن الأسطورة تعبيراً عن قلق الإنسان وتساؤلاته، وهذا التوظيف جاء على درجة بالغة من الأهمية في حياة الإنسان، والأسطورة (لا نصيب لها من النجاح في إعطاء الإنسان قوة مادية أشد للسيطرة على البيئة، لكنها مع ذلك تعطي الإنسان وهم القدرة على فهم الكون، وأنه فعلاً يفهم الكون، وهذا بالغ الأهمية. لكنه مجرد وهم بالطبع) (9).
والمبدعون يكمن موطن إبداعهم في اللغة التي يتحدثون بها، فهي لغة تختلف عن اللغة العادية من حيث الكثافة والإيحاء والقدرة على الترميز والإثارة، فهي تمتلك شحنة من الإحساسات والعواطف ما يجعلها تقرع الصمت وتبث الحياة، و (اللغة هي التي تفتح لنا العالم، لأنها وحدها التي تعطينا إمكان الإقامة بالقرب من موجود منفتح من قبل... وكل ما هو كائن لا يمكن أن يكون إلا في "معبد اللغة"... اللغة تقول الوجود، كما يقول القاضي القانون. واللغة الصحيحة هي خصوصاً تلك التي ينطق بها الشاعر، بكلامه الحافل. أما الكلام الزائف، فهو كلام المحادثات اليومية. إن هذا الكلام سقوط، وانهيار."(10).
وينظر: أثر التراث الشعبي في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة،(قراءة في المكونات والأصول)، د. كاملي بلحج، ص 35 – 36، من منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق – 2004
فعلى مستوى اللغة نجد كل منهما يعتمد على تلك اللغة التصويرية المجنحة التي توحي بالحقيقة ولا تقبض عليها. وهي لغة الشعور أو الذات في إحساسها بالأشياء على نحو غامض. أما الخيال، فهو أداة التشكيل الأولى فيهما، ومكتشف الوسائل الفنية لتجسيد الأفكار والمشاعر من صور ولغة ورموز وإيقاعات، ويصوغ التجربة النفسية في إطارها الخاص وشكلها الملائم.
وانطلاقاً من هذا التصور الجديد لعلاقة الشعر بالأسطورة يمكننا القول إن الأسطورة بطبيعتها تلك وبواعثها ومكوناتها، رؤى شعرية عميقة، وصل بها الإنسان الأول إلى التعبير عن أفكاره ومشاعره، ويمكن القول "إن الموقف الأسطوري في صميمه موقف شعري درامي، لأنه موقف صراع
يتبع