عرض مشاركة واحدة
قديم 04-19-2013, 08:50 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الحلقة الثالثة ..
التشابه فى فلسفة الإمامة والطاعة التامة والتقية ..

مشكلة المشاكل لأى دارس لتاريخ التشيع , أنه يواجه أزمة مستعصية فى المفاهيم ودلالات الألفاظ عند الناس , ذلك أنه وببساطة فإن مفهوما كمفهوم الإمامة عند الشيعة أو مفهوم آل البيت مثلا يختلف بشكل فادح عن دلالة هذه المفاهيم فى الإسلام وأهل السنة ..
وقد أوضحنا معنى الإمامة سابقا وكيف أنها لا تشترك مع الإمامة التى نعرفها إلا فى اللفظ فقط , وكذلك مفهوم آل البيت , فالأغلبية تظن أن آل البيت عند الشيعة هم كما نعرفهم نحن أهل السنة ولا يتخيلون أن مفهوم آل البيت عند الشيعة لا يشمل قط إلا الإثناعشر إماما وهم الإمام علىّ وولديه الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضي الله عنها ثم أبناء الحسين رضي الله عنه من زوجته الفارسية ( شهربانو ) والتى أهديت له كسبية بعد الحرب مع الفرس فتزوجها وولدت له على زين العابدين ثم جاء من نسل زين العابدين بقية الإثناعشر ..
وهذا معناه وببساطة أن الشيعة لا تعترف بأن أمهات المؤمنين زوجات النبي عليه الصلاة والسلام من آل البيت مطلقا , كذلك لا تعترف بأن أبناء الإمام الحسن نفسه من آل البيت بل هم أشخاص عاديون , وكذلك أبناء الحسين من زوجتيه العربيتين , أضف إلى ذلك أنهم أخرجوا سائر أبناء عمومة النبي عليه الصلاة والسلام من مفهوم آل البيت أيضا بل إن معظم هذه الزمرة وهى أعمام النبي عليه السلالم وأزواجه هم فى الفكر الشيعى نواصب وكفار !!
وحتى فى معنى الإمامة ذاته , يختلفون معنا جذريا كما سبق الإيضاح لأن الإمامة عندهم تعنى العصمة والتشريع والتحكم فى الأتباع بالطاعة المطلقة وهذا بلا شك أنه باطل عند أهل السنة بطلانا مطلقا , لأن الإمامة بمعنى العلم والحكم عندنا نحن أهل السنة لا تضفي أى نوع من العصمة كما أن مفهوم الطاعة العمياء والإنقياد الكامل هذا عندنا محض خرافة بل هو شرك بإجماع العلماء , لأن طاعة ولى الأمر أو العالم مرهونة بالدليل والمشروعية وما عدا ذلك فلا طاعة له على المسلمين مطلقا ..
هذا بخلاف أن الطاعة عندنا لا تستوجب الإنصياع بالشكل العسكري للإمام , بل الجدل والمناقشة فيها فرض عين , وقد حدث أن ناقش الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام نفسه فى الأمور التى لم ينزل بها وحى , أى أنه حتى النبي عليه السلام لم يكن يتخذ قراراته بغير المشورة والجدال وهو النبي المعصوم ..
فمن أن فى الإسلام أتى الشيعة والإخوان بهذه العصمة المطلقة التى يضفونها على أئمتهم وقادتهم بشكل يجعل العبيد أنفسهم أكثر حرية من أتباع الإخوان والشيعة .. لأنهم يعتبرون مجرد الجدال والمناقشة مع قادتهم فى أى أمر يوجهه هؤلاء القادة عصيانا صريحا لمبدأ الطاعة المطلوب فى الفرد الشيعى أو الإخوانى

وقد تأملنا أدلة الشيعة الاثناعشرية فى عقيدتهم التى جعلت الإمامة بمفهومها الغريب هذا , هى أصل الأصول فى الدين الإسلامى ,
فكانت أدلتهم من القرآن والسنة عبارة عن تتبع المتشابه الغير صريح سواء فى القرآن أو السنة , رغم أننا بصدد حديث عن إثبات أصل عقائدى فى الإسلام , والأصول العقدية أصلها النص بلا خلاف بين المسلمين , وحتى فى الفرق الشاذة التى قررت العقل مصدرا لتلقي العقيدة جعلت العقل فى منصب الإدراك للنص الواضح
وهو أمر طبيعى للغاية ,
لأن العقيدة , أى عقيدة عبارة عن غيب تام من المستحيل أن نخترع فيها شيئا ليس فيه نص صريح ومكرر كما هو الحال مع وجود الله تعالى ومع النبوة والمعاد والبعث والملائكة والوحى والشياطين وغيرها ,
فكل هذه العقائد وتفاصيلها لولا أنها وردت فى القرآن صراحة ما أمكن لأحد أن يدعى وجودها بناء على القياس
والقياس هو أن تأخذ مثلا من شيئ موجود فتثبت وجوده عن طريق التمثيل بالشيئ الثابت
والقياس ــ باتفاق المسلمين ـــ باطل فى العقائد والأصول لأنه أمر يصلح فى الفروع فقط , فمثلا قاس علماء السنة تحريم المخدرات على تحريم الخمر باعتبار أنها تشارك الخمر فى تغييب العقل , وقاسوا تحريم التدخين على القاعدة الأصولية لا ضرر ولا ضرار
وما يثير الدهشة حتى الأعماق أن الشيعة لا تجيز القياس من الأصل لا فى الفروع ولا فى غيرها لأنهم يعتمدون النصوص وحدها مصدرا للتشريع حسبما تقول نظريتهم فى اتباع المعصومين وضرورة وجود إمام كالنبي
فإذا كانت الفروع عندهم لا يجوز فيها القياس فكيف استخدموا القياس فى العقائد ؟!!
وهذه هى أحد أوجه التناقض الكبري فى مذهب الطائفة , وتناقضهم ليس له حدود على الإطلاق مصداقا لقوله عز وجل
[أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] {النساء:82}
فإذا توجهنا إليهم بسؤال حول الإمامة أو المهدى الغائب منذ ألف ومائتى عام أو سبب غيابه وجدتهم يذهبون إلى القياس على عيسي بن مريم عليه السلام !
لكن عيسي بن مريم استثناه النص الصريح فما بال المهدى ؟!
وإذا وضعنا هذا إلى جوار حقيقة مذهلة وهى أنهم يضعون الأئمة جميعا فى مرتبة أعلى من جميع الأنبياء والرسل ـ ما عدا محمد ـ عليهم الصلاة والسلام جميعا , فكيف تم ذكر الأنبياء دون الأئمة فى القرآن
وهذا العقيدة ثابتة عندهم ثباتا مطلقا حتى عند العوام , وأوردتها الكتب والمراجع المعتمدة فضلا على اتفاق القدماء والمعاصرين على ذلك
واستندوا فى هذا التفضيل إلى ما روته كتبهم فى هذا المعنى لا سيما الكافي وبحار الأنوار
ففي الكافي هناك عدد من الأبواب فى إثبات مكانة الأئمة التى تعلو على الأنبياء والمرسلين حتى أولى العزم , أبوابا كاملة وليس مجرد روايات متناثرة , وعناوين تلك الأبواب على الترتيب

· باب أنهم أعلم من الأنبياء
× باب تفضيلهم على الأنبياء وجميع الخلق عدا محمد عليه الصلاة والسلام
× باب أن دعاء الأنبياء أجيب بالتوسل والاستشفاع بهم ( وتلك إحدى المصائب الكبري حيث جعلوا الأنبياء تتوسل بهؤلاء الأئمة ولولا هذا ما أجيب دعاؤهم )
× باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفي عليهم شيئ
× باب أنهم يعرفون الناس بحقيقة الإيمان والنفاق وعندهم أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم
× باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم
وهنا نكون أمام سؤال أكثر منطقية وهى أنهم طالما سبقوا فى الأفضلية جميع الأنبياء والمرسلين فكيف لهج القرآن الكريم بذكر أسماء الأنبياء عشرات المرات ولم يذكر أحد أئمتكم مرة واحدة ؟!

وإذا كان المهدى ـ حسب زعمهم ـ سيحقق للبشرية ما لم يتحقق فى زمن النبي عليه الصلاة والسلام نفسه فيقيم دولة العدل الكبري ـ بحسب قول الخومينى ـ وهى الدولة التى لم ينلها نبي أو رسول من قبل

فكيف لا يذكر مثله صراحة فى القرآن أو حتى فى السنة الصحيحة ( بالطبع يختلف المهدى الذى نعتقد به نحن أهل السنة عن المهدى الشيعى لأن المهدى عندنا حاكم صالح وفقط لكنه ليس معصوما ولا مشرعا )

بل على العكس يشدد القرآن على نفي تلك العقائد الخبيثة التى فاقت غلو النصاري فى عيسي واليهود فى عزير
ولو كانت دولة العدل لن تقوم إلا بالمهدى فكيف نفعل فى قوله تعالى ..

[كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {المجادلة:21}


وليت الأمر اقتصر على عدم وجود الإمامة لا فى أصلها ولا فى صفتها فقط , بل تعدى الأمر إلى أنهم عجزوا حتى عن الإتيان بآية قريبة الشبه بمفهوم الإمامة التى يريدونها

وهو المفهوم الذى ما عرفه أى دين صحيح ـــ غير محرف ـــ من الأديان وهو أن يكون هناك خلفا للنبي أو الرسول يقوم بالوصاية على الدين ويتمتع بالعصمة ويكون له ولاية تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون حسب زعم الخومينى الذى قال

( إن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما محمودا لا يقربه ملك مقرب و نبي مرسل )
فجعل هذا الغلو الفاحش ضرورية من أسس المذهب أى من أنكره خرج من التشيع
ولا وجود لهذا فى الأديان وعلى رأسها الإسلام لأن الله عز وجل يرسل الرسل مبشرين ومنذرين بين فترات يتخللها وجود أنبياء يجددون للناس دين الرسول السابق عليهم ,
أما بالنسبة للإسلام فقد انعدمت النبوة وارتفع الوحى وأعلنها النبي صراحة عليه الصلاة والسلام أنه لا نبي بعدى وأن تجديد الدين فى الإسلام سيكون منوطا بعلماء الأمة , يقول النبي عليه الصلاة والسلام فى الحديث الصحيح
( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها )
فحتى وظيفة الأنبياء التى كانت تتمثل فى إحياء تراث الرسل انعدمت وحل محلهم العلماء , وليس هذا فقط بل إنه حتى فى العلماء لم يبشر النبي عليه الصلاة والسلام أنهم سيكونون متتابعين , كعالم يسلم الأمانة لعالم , بل حددها بمرور مائة عام ,

فمن أين جاء الشيعة بمفهوم الوصاية والعصمة والإمامة المستمرة فى الدين والتى لا تنقطع لأنها لو انقطعت لحظة من نهار لساخت الأرض بأهلها كما يروون فى كتبهم وأولها الكافي

ولا يحتاج عاقل لأن وقت كبير كى يفهم ويتفهم سبب هذا الغلو الرهيب فى الأئمة من الشيعة , فالسبب واضح للعيان , وهو أنه طالما كان الأئمة يتمتعون بهذه المكانة التى تنازع الله عز وجل فى ملكه , فبطبيعة الحال سينصرف هذا إلى نوابهم وشيوخ الطائفة والفرقة , فيكتسب هؤلاء الشيوخ والمراجع صفات الأنبياء فعليا ما داموا ينوبون عن أئمة هم كالآلهة فى صفاتهم ..

وهذا ما فعله علماء الشيعة عبر العصور وجاء الخمينى فزاد وبالغ فى هذا الأمر , وغلا أتباعه فيه غلوا إضافيا جعله على مصاف النبوة وأصحاب المعجزات , وابتكر نظرية ولاية الفقيه والتى تجعل من المرجع الشيعى دكتاتورا يتفوق على دكتاتورية يوليوس قيصر نفسه والتى صارت مضرب المثل فى الإستبداد خلال حكم قيصر فيما عُرف باسم الفترة الأتوقراطية ( أى مرحلة ما فوق الدكتاتورية )

ولتقريب الصورة أكثر فإن الشيعة لديهم درجات متتابعة لمقامات شيوخهم آخرها وأعظمها هى وظيفة المرجع , وكل مجموعة من الشيعة تتبع مرجعا واحدا فيما يعرف باسم ( التقليد ) ويرأس هؤلاء المراجع جميعا المرشد العام وهو بمثابة الأب الروحى لتنظيم المافيا هذا ..
والتقليد عند الشيعة له طقوس مذهلة ومختلفة جذريا عن مفهومه عندنا , فالتقليد عندنا هو عبارة عن لجوء المسلم العامى لعالم من العلماء يستفتيه فى أمر من أمور الدين عند الحاجة إلى ذلك ..
أى أن المسلم غير مطالب بالرجوع إلى أحد العلماء ما لم يطرأ له طارئ يستحق أن يأخذ رأى الشرع فيه , ومن البديهيات المعروفة أن المسلم غير مجبر على الإلتزام بفتوى عالم معين , بل له أن يأخذ حيث يجد الدليل والراحة القلبية , كما أنه من البديهيات أن الإستفتاء تم بلا مقابل ..
وهذا كله لا يتم بالمجتمع الشيعى مطلقا ..
ففي البداية يلتزم الشيعى العامى بمرجع محدد مسبقا , ولابد أن يكون هذا المرجع على قيد الحياة , وليس الأمر عندهم مثلنا من الممكن أن تأخذ فتوى أبو حنيفة أو مالك أو غيره من الراحلين بل يلزم الشيعى أن يلجأ إلى مرجع حى لأنه يؤدى إلى هذا المرجع ضريبة سنوية بمقدار خمس أمواله كاملة ,
وتكون فتوى المرجع ملزمة للعامى المقلد إلزام القرآن والسنة فلا يستطيع أن يحيد عنها , هذا فضلا على أن الشيعى مجبر فى اللجوء إلى مرجعه فى كافة أحواله الدينية والدنيوية وملزم بتنفيذ كلامه حرفيا , ووصل هذا الإلتزام بأحد الشيعة إلى درجة التخلى عن عرضه وشرفه عندما استفتى أحد لعوام مرجعه السيستانى عن حقه فى أن يقتل رجلا رآه يزنى بأخته فنهاه المرجع عن ذلك نهيا تاما وأمره بتركه لأن الرجل لم يزنى بأخته بل تزوجها زواج متعة مؤقت وهذا حقه !!

وباختصار القول لا يكون الشيعى شيعيا إلا إذا صار لمرجعه كالميت بين يدى مغسله يقلبه كيف يشاء ..

هذا عن الشيعة فماذا عن الإخوان ..

الإخوان لا يعتقدون عقائد الشيعة الخاصة بآل البيت إلا فى سبهم للصحابة واستهانتهم بمقدار الأنبياء لكنهم يؤمنون بكافة منهجية التعامل مع الأئمة بداية من حسن البنا الذى يغلون فيه غلوا فاحشا , وهم يقدسون مراجعهم ( المرشدين ) تقديسا يقترب من تقديس الشيعة لأئمتهم كما سنرى من خلال استقراء أدبياتهم فى هذا الشأن

والبذرة بذرها حسن البنا بنفسه , ذلك أن بذرة الغلو بدأت من طبيعة شخصية حسن البنا المنتفخة بالغرور دون أى مضمون , والمعجب بنفسه إلى أقصي الحدود منذ الصغر
ويقول علماء النفس أن المراهقين فى فترة شبابهم الأولى من الطبيعى أن تنتابهم أحلام تغيير العالم فى بدايات حياتهم , وكلهم تقريبا يقع فريسة للإحساس بالإضطهاد مقرونا بعقدة العظمة , وسرعان ما تنكشف أمام الشاب بمرور مرحلة المراهقة أن ما يعيشه من أوهام إصلاح العالم هى أمور لا تكون بشهادة المرء لنفسه , ومن ثم يصبح الإنسان طبيعيا فى مرحلة النضوج ..
لكن هناك فئة من الناس التى تتمتع بالمواهب الخلاقة فى أى مجال , يكون من الصعوبة بمكان أن تخرج من إحساس وكاريزما العبقرية , والإنسان الطبيعى فى هذه الحالة تدفعه موهبته للإجادة على أكثر قوة وأكثر احترافا , فيوظف طموحه ونبوغه بالدراسة والعلم ويضيف للعالم فيفيد ويستفيد ..
أما الذى يقع فى أسر عبادة ذاته , فهذا يقتله الغرور وفق المقولة الشائعة أن الغرور هو أول مسمار فى نعش النجاح , ذلك أن غروره سيحيد به عن طريق صقل موهبته بالعلم والتعلم وتجارب الآخرين لأنه يري نفسه الأوحد فى زمانه , والعلم ــ أى علم ــ يضيع بصفتين , الكبر والحياء ..
فالكبر يأخذه عن طريق سؤال غيره فيقف عند مستواه وتموت موهبته مهما كانت قوتها , والحياء يمنعه الإستيضاح فيري التعلم ثقيلا على نفسه , فيضيع بسبب ذلك ..
وحسن البنا كان من النوع الأول ,
فقد تخرج فى دار العلوم مدرسا إلزاميا للخط العربي , واقترت ثقافته الإسلامية على مفهوم الثقافة دون أى تأصيل فى الشريعة أو أيا من فروعها , وهذا ما يثير الحنق والذهول من كمية المبالغة التى دشنها فى وصف نفسه ودشنها أتباعه له وأولها وصف ( الإمام ) , فالرجل كان مفتقرا لأبسط مبادئ علوم العقيدة فضلا على علوم الفقه , وهو ما جلب له الجهل الشديد بأصول الدين وأركانه التى تمنع منهج البيعة الذى فرضه على أتباعه أو المنهج الذى جعل من دعوة الإخوان دعوة موازية بل ومنافسة لدعوة الإسلام , فتم تلقيبه من أتباعه بصاحب الدعوة وتسمية مشروع الإخوان بمشروع الدعوة , ووصف مجرد الإنتماء لجماعته بأنه الإنتماء الحقيقي للإسلام هكذا بمنتهى الوضوح ..
بينما إذا قمنا بموازنة هذا الكلام بمقياس الشريعة لوجدناه شركا فعليا بلا شك ,
ففي هذا الشأن يقول الإمام ابن تيمية إمام أهل عصره ..
( ليس لأحدٍ أن يُنصّب للأمة شخصًا يدعو إليه ويُوالي ويُعادي عليه
غير النبي صلى الله عليه وسلم ،وليس لأحدٍ أن يُنصّب للأمة كلامًا يدعو إليه ويُوالي ويُعادي عليه غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة )
والكلام بالغ الوضوح فى أن القيمة كل القيمة هى للحق وحده وليس للأشخاص , وليس لكائن من كان أن ينسب الحق لنفسه حتى لو كان يقول الحق بالفعل , ذلك أن إصابة الحق فى أقوال الرجال هى نسبية بطبيعتها , لأن العصمة للأنبياء وحدهم , ولهذا فإنه حتى الصحابة ما جرؤ واحد منهم على القول باحتكار الحق فى أى قضية ولو كان واثقا منها ثقة كاملة , وهو ما نبه إليه النبي عليه الصلاة والسلام عندما استفتى أحد قواد جيوشه فقال له :
ماذا أنت فاعل إذا أراد قوم أن ينزلوا على حكمك ..
فرد الرجل : أنزلهم على حكم الله
فقال النبي عليه الصلاة والسلام , كلا بل أنزلهم على حكم نفسك لأنك لا تدرى أتصيب حق الله أم لا ..
وهذا نهى مشدد على أن بنسب المرء منا قولا أو دعوة أو اجتهادا للإسلام دونما أخذ فى الإعتبار أن هذا النوع لصيق بالأنبياء وحدهم ..
فقارن ــ عزيزى القارئ ــ هذا الكلام بكلام حسن البنا الذى ينصح أتباعه بأن منهج ودعوة الإخوان يجب أن يعتقد كل إخوانى أنها الدين بذاته , ولو جاز أن يكون فى هذه الدعوة نقص أو لغط لجاز فى الدين نفسه !!
وهذا قمة التبجح والجهل بدون شك ,
وليس غريبا أبدا أن يصدر هذا الكلام عن البنا لأنه لا علاقة له بالشريعة من قريب أو بعيد , ولو كانت له أدنى علاقة لأدرك المبادئ السالفة التى أوردناها وهى من ثوابت العقيدة الإسلامية التى لا يسع أى طالب علم أن يجهلها فضلا على أن يكون جاهلها هذا شيخا أو عالما أو إماما كما يدعون ..
ونحن نتحدى الإخوان إلى قيام الساعة أن يثبتوا لنا أحقية البنا فى وصف العالم أو الفقيه بأى أدلة يـُـقاس بها العلم فى عصرنا , فليخرجوا لنا من كتاباته التى كان يؤلفها مرسلة ومليئة بالفادحات من الأخطاء العقدية والفقهية ما يثبت أهليته لفهم الشريعة والنصوص كما فهمها الصحابة والسلف الأول وكافة أجيال علماء المسلمين ..

فلم يكن حسن البنا أكثر من كونه رجل تنظيم من الطراز الأول ــ على حد قول الخرباوى ــ أى أنه شخصية موهوبة بالفعل ولكن ليس فى مجال الدين بل فى مجال التنظيمات العصابية , ولهذا فمكان حسن البنا الطبيعى هو مكانه إلى جوار حسن الصباح مؤسس الفرقة الباطنية , وآل كابونى زعيم أشهر العصابات فى تاريخ أمريكا , ودون كيرليونى مؤسس المافيا , وماينهوف مؤسس منظمة بادر ماينهوف الألمانية الشهيرة .. أما غير ذلك فلا ..


وكانت بداية الغلو عندما انتظمت جماعة الإخوان لحسن البنا كما أراد , فأطلق على نفسه لقبا متفردا ( الإمام المرشد ) وهو بعد لا زال فى منتصف الثلاثينيات , ليتميز بهذا اللقب ــ على حد قول سامح عيد ــ عن ألقاب المشيخة التى كان يتلقب بها كبار شيوخ الأزهر المعاصرين من أصحاب السن والعلم كالشيخ رشيد رضا والشيخ المراغى غيرهم !!

وفى مذكراته تجد العجب العجاب من تزكية النفس والسمو بذكرها , بينما يقول الله عز وجل

[ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى] {النَّجم:32}
وعندما يتعرض للإنشقاق الأول فى جماعته والذى تم بناء على تفرده بالرأى وتحكمه غير المقبول بصلف وغرور فى مقاليد الجماعة , تراه يواجه هذا الإنشقاق باستدلال خطير يرفع نفسه فيه إلى مصاف الأنبياء والرسل ويستدل على خصومه بقوله تعالى :
[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] {الأنعام:112}
وتضيق المذكرات بعشرات المواقف والأحداث التى يصف البنا فيها نفسه بصيغة المجهول بغرض التعظيم , وهى مواقف لا ندرى مدى دقتها لكن الشاهد منها أن الرجل أحب أن يضع نفسه فى موضع الإختيار الإلهى منذ صغره , فهو فى مرحلة الطفولة يقوم بممارسة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ويستجيب له الأكابر والأمراء !!

وعقب اغتيال البنا تعاظمت هذه الأقاصيص حتى بلغت حدا مزريا , ومارس فيها والده الشيخ الساعاتى أبلغ آيات المبالغة فى وصف ذكريات طفولة ولده وكيف كان ملهما بتوفيق الله عز وجل !!

وبعد وفاته .. وعلى طريقة الشيعة فى تعظيم أئمتهم ليكتسبوا منهم العصمة باعتبارهم خلفاء الإمام , مارس مرشدو الإخوان وأعضائها المبرزون غلوا غير مقبول فى شخصية البنا وإضفاء الإختيار الإلهى على شخصه حتى قالها عمر التلمسانى صراحة فى كتابه ذكريات لا مذكرات :

( لما كان الأمر أمر تجميع وتكوين وتوحيد مفاهيم أمة مسلمة، لما كان الأمر أمر عودة المسلمين إلى الإيمان، لما كان الأمر كذلك؛ اختار الله لهذه الدعوة إمامها الشهيد حسن البنا )

ثم يقول :
( ومن كان مختارًا من قبل الله (تعالى)؛ فلا حق لأحد أن يعترض عليه) !!
ونضع آلاف من علامات التعجب على هذا الكلام الذى لا يقبله عقل مسلم موحد !!
و قال سعيد حوى ــ أحد كبار الإخوان فى سوريا ــ في ( آفاق التعليم ) :
( ثم إنه نبتت هنا وهناك أفكار مريضة تريد أن تتخلص من دعوة حسن البنا ومن أفكاره فكان لا بد أن يعرف هؤلاء وغيرهم أن الانطلاقة على غير فكر الأستاذ البنا في عصرنا قاصرة أو مستحيلة أو عمياء إذا ما أردنا عملاً متكاملاً في خدمة الإسلام والمسلمين)
وهكذا يجزم سعيد حوى أنه لا طريق للإسلام كى ينهض فى هذا العصر بغير فكر البنا !!
ثم كانت الطامة الكبري فى قول سعيد حوى في ( جولات قي الفقهين الكبير والأكبر ) :
( ولا شك أن دور الجماعة قبل السلطة وبعدها هو المنظم لهذا كله، ونقصد بالجماعةالمسلمين ونعتقد أنه لا جماعة كاملة للمسلمين إلا بفكر الأستاذ البنا، وإلا بنظرياته وتوجيهاته التي في جملتها الحب لكل العاملين المخلصين )
وهو هنا اختصر الطريق فصرح علانية بأن جماعة المسلمين لن تقوم ولن تعرف بغير حسن البنا !!

فقاتل الله الجهل والجهلاء !!

يتبع ..