عرض مشاركة واحدة
قديم 12-07-2011, 09:10 AM
المشاركة 101
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع : مقابلة الكاتب الكبير جمال الغيطاني

أحمد علي الزين: بكي كثير من اليساريين والمثقفين..
جمال الغيطاني: ولكن خذ بال حضرتك أن جمال عبد الناصر لم يكن يكتمل العيد إلا برؤيته، هو كان يفضل صلاة العيد في سيدنا الحسين، فكنا نخرج لكي نقابله ونراه فجمال عبد الناصر لن يتكرر، وهو بالمناسبة أحد مآسي العالم العربي، أقول لك إزاي لأنه بعد رحيله تصور حكّام بعض الأقطار العربية وحتى الآن أنه يمكن أن يصبح جمال عبد الناصر، ونسوا أن عبد الناصر هو محصلة تاريخ زائد جغرافيا، يعني لو وجد عبد الناصر نفسه في العراق لم يكن سيصبح هو عبد الناصر الذي عرفته مصر، هذا الآن أصبح تاريخاً بعيداً ولذلك تجربة جيلي تجربة عنيفة، يعني نحن انتقلنا..

أحمد علي الزين: فيها مرارة وفيها أحلام وكذا.. هي مرحلة كلها كانت حاملة الكثير من الأحلام..
جمال الغيطاني: بالزبط ثم جاء أنور السادات فمع عبد الناصر أنت كنت تختلف على نفس الأرضية، وخلاف مع فتوة فتوة عادل كبير وجميل لكن مع أنور السادات أنا مرت عليّ أيام في حكم أنور السادات كانت أسوأ من أيام المعتقل أيام عبد الناصر.


أحمد علي الزين: أديش بت في المعتقل مش كثير.
جمال الغيطاني: فترة قصيرة حوالي ست شهور.


أحمد علي الزين: كانت تجربة..
جمال الغيطاني: نعم.


أحمد علي الزين: شو بتذكر من تلك المرحلة يعني؟
جمال الغيطاني: أنا ما أذكره طبعاً كان فيه يعني لا أريد أن أتحدث عن.. طبعاً كان فيه تحقيق والتحقيقات كان فيها نوع من الضغوط..


أحمد علي الزين: الجسدية..
جمال الغيطاني: الجسدية العنيفة، لكن اكتشفت أن الضغط النفسي أبشع..


أحمد علي الزين: أشد وطأةً.
جمال الغيطاني: يعني أن تسمع شخصاً يتألم بسبب التعذيب أكثر فداحةً بكثير جداً عندما يبدأ تعذيبك أنت ينتهي كل شيء، لأنه ماذا سيحدث أكثر من ذلك؟ فانتهت القصة، ولذلك كنت أحياناً بعد أن.. هو كان المطلوب أن أعترف أنه في تنظيم وكان الموقف هو عدم.. وحتى الآن لم نعترف، طبعاً مش حأعترف معاك.


أحمد علي الزين: "الكتابة هي جوهر حياتي اكتشفتها في نفسي كالغريزة علماً أن ظروف النشأة ما كانت لتنتج كاتباً على الإطلاق، وأستطيع القول أن لحظة البداية كانت عام 1959 عندما وجدت نفسي راغباً في تدوين قصةٍ سمعتها من والدي، كان جمال الغيطاني مفتوناً بالكتاب ولم يزل مفتوناً بالكتاب وبالكلمة يقرأ كل ما يقع بين يديه تقريباً وينسخ الكتب، كان نسّاخاً ينسخ الكتب التي لا يستطيع شرائها، يقرأ الترجمات وما تيسر من كتب التراث في صندوق جده، وشغفه هذا أدّى به في نهاية المطاف إلى دار الكتب حيث كان الكتاب باباً يفضي إلى باب آخر أو سؤال آخر بدأ يبحث عن إجابات له في مرآته الخاصة".....طيب خلينا نرجع شوي للكتابة أو لحي الحسين للمنطقة التي ولدت فيها ونشأت يعني كيف حبوت إلى السرد إلى الكتابة، يعني شو اللي خلاك تصير كاتب؟
جمال الغيطاني: مش عارف (يضحك)، يعني أنا طبعاً الأمور بدأت تلقائياً، بمعنى أنني كنت طفلاً أميل للانطواء، خياله واسع كنت أعود من المدرسة وأحكي لأمي عن أشياء لم تقع، بمعنى يعني مثلاً..

أحمد علي الزين: تؤلف كنت..
جمال الغيطاني: وهي كانت تقوم بعمل البيت أو تغسل الغسيل أجلس بجوارها وأؤلف لها حكايات عن سرداب انفتح فجأة فنزلت ووجدت مدينة تحت الأرض، فهي كانت تبدي..


أحمد علي الزين: بدأ معك الشطح من آنذاك يعني الشطح بالمدينة.
جمال الغيطاني: فبدأ هي كانت تبدي يعني توافقني وتسألني طيب هة وبعدين (تعبير عن انشداه)، وكانت تأخذني إلى قد عقلي أو كانت تجاريني وتسلي نفسها..


أحمد علي الزين: كانت القارئة الأولى لك..
جمال الغيطاني: هي القارئ الأول وهي المساعد الأول لأنه الوالد كان مصراً أن يعلمنا حتى النهاية، فكان رؤية رواية في يدي تزعجه، فهي كانت تتستر عليّ بالمدد المادي والمعنوي لأنها كانت تحب أن أفعل ما يسعدني، فاختلاق الحكايات اللي هو الكذب الأبيض ثم بدأ انفتح لي الباب عندما تعلمت القراءة لما دخلت المدرسة، أنا كنت أتمثل القراءة يعني ده العصر الذهبي للقراءة، يعني أضرب لك مثالاً عندما قرأت: "أحدب نوتردام" مشيت ثلاث أيام محدودب..


أحمد علي الزين: مثلت دور البطل.
جمال الغيطاني: أنا ماشي أنا أحدب.. ومثلاً كان في رواية اسمها: "الفرسان الثلاثة" لإسكندر ديماس وكان فيه تقليد المبارزة فيقول لك إيه يلقي القفاز في وجهه ويدعوه للمبارزة ويقول له: إحضر شاهدك، فكنت عندما أتشاجر مع زميل لي في المدرسة أقول له: أنا أقلت قفازي وجهك، أقسم لك ما كنت أعرف يعني إيه قفاز لأنه مكونتي ده كنا بنشوفه في السينما بس.


أحمد علي الزين: طبعاً.[فاصل إعلاني]
أحمد علي الزين: ولدت في جهينة بسهاج محفوفاً بنخيل الصعيد وظلاله وشموخه وأصالته، لكنني نموت وشببت في الخلاء القاهري ومنه أستمد أقدم صور لي، أقامت أسرتي في المنزل رقم واحد في عطفة متفرعة من درب الطبلاوي بيتٌ ربما بُني في القرن التاسع عشر مكوّن من 5 طوابق وهذا ارتفاع له شأن في الأربعينات عندما بدأ وعيي يلتقي أول مظاهر الوجود، كان الأفق القاهري رحيماً بالنظر: خلاء ممتد وتاريخ واضح الأهرام في الغرب ومآذن السلطان حسن والرفاعي ومحمد علي والمحمودي ومإذنة سيدنا ومولانا الحسين كلها تشمخ في الجنوب والمقطم الذي لم نعرف جبلاً أكثر من ارتفاعه يحد المدينة من الشرق، كنت أشبّ على قدمي لأتطلع إلى الأفق الفسيح وأصلح البيوت المجاورة والمعالم، ولو أنني اخترت من حياتي لحيظات حانية لكان أولها لحظات العصاني في المدينة القديمة، ومن العبارات التي تتردد كثيراً في ذاكرتي منذ الطفولة: "عايزة أشم الهوا يا سلام على نسمة العصاري".


أحمد علي الزين : أنت بلشت حياتك المهنية أو العملية مصمماً للسجاد صح؟
جمال الغيطاني: أنا لم أختر، يعني أنا بعد حصولي إتمامي لمرحلة الشهادة الإعدادية الوالد كان مصراً أن أواصل تعليمي حتى الشهادة الكبيرة كما نسميها، يعني الدكتوراه في الجامعة، لكنني شعرت أنه قد بدأ ينهك مالياً فقررت أن أختصر المسافة وأحقق رغبته وأتخرج في فترة مبكرة لكي أساعده، هكذا دخلت يعني اخترت التعليم الفني، ولكن هذا تم بشرط جعلني أقسم على المصحف أن أتم تعليمي..


أحمد علي الزين: لاحقاً.
جمال الغيطاني: لاحقاً، وفعلاً أنا دخلت.. أنا تخرجت عام 1962 وكان سني صغيراً جداً بالنسبة للتوظف فيعني حصلت على الثانوية العامة وقبلت في كلية الفنون التطبيقية لكن اكتشفت أنني أنا أكوّن نفسي بنفسي عن طريق القراءة والاطلاع والتكوين..


أحمد علي الزين: عمرت نفسك يعني؟
جمال الغيطاني: لم أوفِ بوعدي لأني كنت انطلقت في عالم التكوين الحرّ وطبعاً دراستي للسجاد أفادتني جداً، فهذا فن فيه فلسفة وفيه يعني أنا عندي مشروع كبير بيخص هذا الفن بالتحديد، أنا أعيد اكتشاف السجاد الآن، ليس كحرفة فقط ولكن كفن له رمزياته وله فلسفته.


أحمد علي الزين: جميل. طيب إلى الصحافة ربما أنت تقول أنه كان محمود أمين العالم هو سبب قدومك يمكن إلى أخبار اليوم.
جمال الغيطاني: نعم.


أحمد علي الزين: نتيجة قراءته لك أول كتاب نشرته يمكن بعد..
جمال الغيطاني: بعد صدور أول كتاب: "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" صدر في بداية عام 1969 وقد طبعته بنقودي ونقود صديق العمر يوسف القعيد، والكتاب أحدث ضجة كبيرة جداً، في ذلك الوقت كانت الحياة الثقافية في مصر منظومة لها مقاييس، بمعنى يعني عندما صدر مثلاً أول كتاب ليوسف إدريس: "أرخص ليالي" عُمّد كاتباً كبيراً، بمن؟ بعدد من النقاد كانت لهم مصداقية كبيرة، فعندما يكتب "لويس عوض" عن كاتب بشكل إيجابي أو "لطيفة الزيات" أو "علي الراعي" أو "محمود أمين العالم" في ذلك الوقت فهذا ما نفتقده الآن، الكتاب أحدث ضجة كبيرة جداً بالإضافة أن الكتاب كان يتضمن نوعاً من الرد الروحي على هزيمة يونيو 1967 يعني ليس صدفةً أنه "أمل دنقل" كتب: "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" في نفس العام صدر: "أوراق شاب" في نفس العام اتجه الأبنودي إلى قناة السويس ليكتب: "وجوه على الشط"، الرد الروحي عالهزيمة نحن الذين قمنا به قبل المعركة العسكرية الكبيرة في حرب الاستنزاف، كتب الأستاذ محمود أمين العالم مقالاً عن كتابي وهو الذي أول من أطلق على ما قمت به: "القصة التاريخ" قلب النص أن جمال الغيطاني اكتشف شكلاً جديداً من أشكال القصة، طبعاً أنا قرأت المقال ويعني أنا في هذا الوقت كنت أدرب لكن صدقني لم أكن.. أنا كنت منقاداً لصوتي الخاص لكن عندما قرأته هل من معقول أنا اكتشفت شكل، طبعاً..
أحمد علي الزين: فأتيت إلى الأخبار.
جمال الغيطاني: أنا ذهبت لم أكن أعرفه، فذهبت إليه لأشكره فعرض عليّ العمل في أخبار اليوم، وهكذا دخلت الصحافة في عام 1969.


أحمد علي الزين: منذ حوالي 15 عاماً يعمل جمال الغيطاني في هذا المكان رئيساً لتحرير أخبار الأدب جريدة أدبية أسبوعية، ولكنه منذ عام 1969 بدأ حياته الصحفية بدأها مراسلاً حربياً في الجبهة، وكان آنذاك قد نشر أول تجربة له قصصية بعنوان: "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" لفتت هذه المجموعة انتباه المفكر "محمود أمين العالم" فتناولها في مقالةٍ نقدية كانت فاتحةً لتجربةٍ أصبح عمرها ما يقارب الأربعين سنةً في عالم الصحافة والكتابة الإبداعية.طيب أستاذ جمال هيك من جملة التجارب المثيرة يمكن اللي اشتغلتها بحياتك هو بدأت حياتك الصحفية مراسل حربي بمعنى أنه فوراً إلى الجبهة، وقضيت سنوات طوال من الـ 1969 حتى الـ 1973 يمكن أو أكثر شوي..
جمال الغيطاني: لغاية الـ 1974.


أحمد علي الزين: طبعاً كنت تشهد.. يعني جاورت الموت إذا صح التعبير، جاورت الموت كان جارك الموت يومياً، ماذا يعني لك أن يعني هيك تشوف زميل لك أو جندي يسقط بالقرب منك؟

جمال الغيطاني: يعني أنا أعيش بالصدفة، مرة في مقهى في السويس كان مدينة السويس كلها كان فيها مقهى واحد هو بعد التهجير، فأنا جاء لي سكن بجواري جندي مطافي ولم يكن هناك حالة اشتباك، لكن سمي بعض القذائف من قرب، ففجأة وجدت الجندي بيميل وبينهار مرة وحدة على الأرض، فأنا استغربت يعني وبدأت مع زميلي مكرم جاد الكريم اللي هو يعتبر أشجع مصوّر صحفي في هو الذي التقط صورة المنصة يوم اغتيال الرئيس السادات، فبدأنا نقلبه ما فيش ثم وجدنا خيطاً رفيعاً من الدم خلف الأذن، شظية طايرة من بعيد تخيل لو غيرت المكان يعني هذا حدث كثيراً فهنا أنت ذكرت الموت، الموت في الجبهة مواجهته مرة يشجع على مواجهته في المرات التالية، وهذا ما يسمونه في العسكرية التطعيم يعني في البداية الواحد بيبقى خائف، وبعدين بواجه الموت فبيحصل إحساس غريب جداً عندي: الله ده أنا كان المفروض أموت يوم الأربعاء اللي فات الساعة واحدة في غارة الطيران ده أنا عايش وقت إضافي فده بيخليني أشجع على مواجهة.. يعني أنت عارف الواحد زي ما يقولوا قلبه بموت شوي بشوي، طبعاً هذا موت قادم من الخارج، لكن في فرق بين الموت الذي يأتي من الخارج والموت الذي يأتي من الداخل.