عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
5453
 
رجاء الجنابي
شـاعرة عـراقـيـة

رجاء الجنابي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
101

+التقييم
0.02

تاريخ التسجيل
Aug 2009

الاقامة

رقم العضوية
7580
11-30-2010, 01:25 PM
المشاركة 1
11-30-2010, 01:25 PM
المشاركة 1
افتراضي // قصيدة التتويـــــــــــــج - للجواهـــــــري //
من دفتر الذكريات

قصة
قصيدة التتويج التي نغّصت حياة الجواهري
·الأستاذ مراد العماري


قصيدة التتويج ، هي القصيدة التي ألقاها الشاعر محمد مهدي الجواهري في حفل أقيم في " قصر الرحاب " غربي بغداد بمناسبة تتويج فيصل الثاني رسمياً ملكاً على العراق بعد بلوغه سن الرشد ، وقد كنت أنا بالذات سبباً في نشر هذه القصيدة .
فعندما كان الجواهري يلقي قصيدته وراديو بغداد يذيعها مباشرة ، كنت في منزلي ببغداد أكتب أبيات القصيدة ، بيتاً بعد بيت ، لأنه لم يكن لديّ آنذاك جهاز تسجيل .
وفي اليوم التالي ـ السبت ، الثاني من شهر مايو 1953 ـ دفعت بالقصيدة إلى المطبعة لنشرها في جريدة " لواء الجهاد " ، التي كنت سكرتير تحريرها ، وكان صاحبها المحامي فائق توفيق .
وقبل أن يتم تنضيد القصيدة ، إتصلت هاتفياً بالشاعر الجواهري لأبلغه بالأمر لعله لا يريد نشر القصيدة أصلاً أو لعله يريد أن يدخل عليها ـ كعادته ـ بعض التعديلات والتصحيحات ، فقال لي أرسل إليّ القصيدة ، وسأعيدها إليك فيما بعد مع ولدي فرات .
وفعلاً تم ذلك ، وأعاد الجواهري إليّ مسودة القصيدة بعد أن أجرى عليها بعض التعديلات والتصحيحات ، ونشرت القصيدة في صباح اليوم التالي في جريدة " لواء الجهاد " فقط ، لأن أيـّاً من صحف بغداد الصباحية الأخرى لم تنشر هذه القصيدة ، وأذكر هنا بعض أبيات هذه القصيدة :
تِهْ يا ربيعُ بزهرِك العطرِ النّدي



وبضوئك الزاهي ربيع المولدِ


باهِ السما ونجومَها بمشعشع



عريانَ من نجم الرّبى المتوقَّدِ


وإذا رمتك بفرقد فتحدّها



من طلعة الملك الأغرّ بفرقدِ


يا نبتةَ الوادي ونغمةَ عطره



يا نبعه الثجّاج في اليوم الصدي


يا خطوةَ الأمس المعاود طيفه



يا صفوة الأملِ المرجّى في غدِ


أشرقْ على الجيل الجديد وجدّد



وتوّل عرشَ الرافدين وأصعدِ


وقُدِ الجموعَ إلى الخلاص تفز به



وبهم وخلّدْ أمةَ وتخلَّدِ


يا أيها الملك الأغرُّ تحيةَ



من شاعر باللطف منك مُؤَيّدِ


أنا غرسُكُم أعلى أبوك محلّتي



نبلاً وشرّفَ فضلُ جدّك مقعدي



هذه هي أهم أبيات " قصيدة التتويج " التي أبى الجواهري أن ينشرها في أيّ من دواوينه ، فما الذي جاء فيها ليحمل شاعراً عملاقاً عظيماً كالجواهري على الإنقلاب عليها ؟ لقد سمعنا أن كل شاعر، حتى إذا لم يكن بمنزلة الجواهري ، يعتبر قصائده فلذات من كبده ولم نسمع أن شاعراً ما يعلن على رؤوس الاشهاد تنصله مما جاء في قصيدته ، وينوح سنين عديدة ، بل عقوداً عديدة من السنين على ما ألحقته به هذه القصيدة .
لو كان الجواهري شاعراً ملتزماً بمبدأ عدم التعامل مع العائلة المالكة في العراق ، لكان الأمر مفهوماً،
لكنه لم يكن كذلك فقد مدح فيصل الأول ، ومدح الأمير عبد الإله ومدح نوري السعيد ، كما مدح الملك حسين ، وقد نشر قصائده في هؤلاء الممدوحين ، فلماذا إذن يتخذ الجواهري هذا الموقف من قصيدته في فيصل الثاني ؟ علم ذلك عند الله وهو أعرفُ العارفين .
وصف الجواهري ، قصيدة التتويج .. بأنها زلة إلا أنه لم يكتف بهذا الوصف ، بل ذهب إلى أكثر من ذلك بكثير ، إذ قال في الجزء الثاني من ذكرياته الصادر في دمشق عام 1991 ، ص 121 ما يلي: (( إنها زلة العمر في مديح فيصل الثاني ، أقولها زلة ، وأكثر من زلّة ، ولا أتراجع أو أحاول أن أخفف من وطأة الموقف ، وأن أستعمل التبرير الذي اعتاده رهط كبير من الكتاب ممن يخطئون ويزلون في المجتمع العربي ذلك لأنني ، بمحض أرادتي هرولت مسرعاً إلى تلك الهاوية ، ولأنني كنت أول العارفين إن هذا الممدوح ربيب مدرسة الاستعمار الإنكليزي بُعَيْد الرضاعة والطفولة بقليل ، وأنه الوريث الوحيد لأبيه .. غباوة ورعونة وقد أضاف إليهما قماره وسكره ، كما كان أمره قبيل عيد تتويجه بقليل وهو يزور كركوك حيث حمل مخموراً من أحضان أرباب شركة النفط الإنكليزية ..
((وما أصعب أيضاً أن يجد المرء ذاته على نقيض قيّمِهِ ومبادئه ، ما أصعب لحظات تأنيب الضمير ، وهو ينقضّ بلا رحمة على نومي وصحوي ، ويعذبني بأشد العذاب الذي لايمكن لي أن أسرد تفاصيله .
((وكي أطرد بعضاً من تلك الكوابيس التي لاحقتني ، ولكي أعطي القاريء درساً في كيفية الاستفادة من أخطاء الآخرين وتجنّبها أقول : المهم أنني نظمت " قصيدة التتويج " الزلّة ، وقررت أن ألقيها رغم تحذير بعض الأصدقاء والذين لم يكن تحذيرهم بمستوى الردع المنشود ... وإنني لا زلت أتساءل لماذا لم أتهرب من إلقاء القصيدة ؟ ولماذا تملّقت من كان يتملّقُني ، ولماذا لم أستطع أن أنهض ـ ضميرياً ـ من تلك الزلّة ، النكسة ، النكبة ، الهاوية .
وفي مكان آخر من ذكرياته وصف هذه القصيدة بأنها المعركة الخاسرة مع الحياة
ويبدو أن الجواهري أدرك أنه لم يعط هذه القصيدة ما تستحقه من أوصاف ، فمن زلّة إلى نكسه ، إلى نكبة إلى هاوية ، فما كان منه إلا وتوجه إلى القاريء ليقول له : سمّها ما شئت .
ثم أشار الجواهري في ذكرياته إلى أن بعض أصدقائه حاولوا منعه من إلقاء القصيدة ونسيانها فيقول ...
((... ومع ذلك ، ولكي أكون أميناً من التاريخ ، فقد كان من بين تلك الحشود البغيضة رجل قريب مني ، صديق لي ، إلا وهو السيد ناظم الزهاوي الذي قال وهو يستمع إليّ ـ لا يا جواهري وكانت تلك " اللا " وأنا في ذروة الصراع مع الذات ، قد أشعلت الفتيل المزروع في جسدي والذي أحاول عبثاً أن أغطيه بحفنة من رماد المغالطة ، وتراب التبرير .. ودارت الأرض بي .. وفقدت المقدرة على الموازنة بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون
ولقد دارت بي الأرض من جديد ، وأنا أسمع صديقي الزهاوي وهو يردعني لا بمجرد سمعي بل بدمي وضميري ، وهممت بمغادرة هذا الحفل بحجة أنني نسيت القصيدة في بيتي .. ((ولكنني استدركت وقلت أن مجرد خروجي وأنا محط الأبصار الشاخصة ، أمر غريب وحجة النسيان أمرها أغرب ..)) .
لقد بالغ الجواهري كثيراً في كراهته لقصيدته هذه قصيدة التتويج حتى أنه منح الأمير عبد الإله القدرة على التفريق بين كيفية إلقاء هذه القصيدة أو تلك ، وهذا أمر عجيب و الحق يقال كما ألصق بنفسه صفة التلعثم والتعثر عندما ألقى قصيدة التتويج ، ولو وجه أحد مثل هذا الاتهام للجواهري لألقاه في الجحيم ، إذ كيف يتعثر الجواهري ويتلعثم ؟ ومن هو الجواهري بين شعراء العربية بعد أن قرر الشاعر الرصافي أنه رب الشعر وهل يجوز أن ويتلعثم أو يتعثر شاعر فحل هو في الطليعة بل هو في القمة بين شعراء العربية .. كالجواهري ؟ هذا سؤال يستطيع أن يفهمه فقط من فهم اندفاعات الجواهري وانفعالاته الغريبة .
وأوضح الجواهري في ذكرياته أنه بعد إلقاء القصيدة بأيام ، قصد الأمير عبد الإله الرجل الذي كانت القصيدة في حقيقتها من أجله وقد ابتدرني قائلاً :
((إنك يا جواهري كنت على غير المعهود منك في إلقائك ، وطبيعي ، وهو الداهية اللعين ، إنه كان يتذكر ، وعلى سبيل المقارنة ، بين ما كان مني في إلقائي أثناء تكريم ضيفه الرئيس بشارة الخوري، وبين تلعثمي وتعثري في قصيدتي هذه ..))
ظل الجواهري فترة طويلة ينوء ((بأوزار)) قصيدة التتويج إلا أنه ولو كان يشعر بثقلها ، كان يأمل في أن يجد العون والعطف من الآخرين وخاصة الأصدقاء ليغفروا له زلّته هذه .
وقد ضاق ذرعاً بقصيدة نشرها الشاعر المرحوم إبراهيم الخال هجا فيها الجواهري ، وقد نسبت هذه القصيدة في حينه خطاً إلى الشاعر المرحوم محمد صالح بحر العلوم .
وقال الشاعر الخال في مطلع قصيدته :
صَهْ يا رقيع فمن شفيعُك في غدِ



فلقد خسئتَ وبانَ معدنك الرديّ



فاهتز الجواهري لذلك وأطلق ما كان يغلي في ذاته من ألم وندم فنشر قصيدة رد فيها على قصيدة "الخال" قال فيها :
عدا عليّ كما يستكلبُ الذّيبُ



خلقٌ ببغداد أنماط أعاجيبُ


خلقٌ ببغداد ممسوخ يفيض به



تاريخ بغداد لا عُرْبٌ ولا نوبُ


مشت إليّ بعوضات تلدَغني



وهل يحسُ دبيب النّخْلِ يعسوبُ


تسعون كلباً عوى خلفي وفوقهم



دمي ، فعندهُمُ من فيضهِ كوبُ


مِمّن غَذَتْهم قوافيّ التي رضعت



دمي ، فعندهُمُ من فيضه كوبُ


وقبل ألف عوى ألفٌ فما انتقصت



أبا محسّدَ بالشتم والأعاريبُ


غير أن الشاعر الخال ، لم يسكت على قصيدة الجواهري ، فنشر قصيدة أخرى في هجائه قال فيها:
أغراك بالكأس قول فيك مكذوبُ



فاشرب وحقك إن الحر مرهوبُ


((عدا عليّ كما يستكلب الذيبُ))



مصدّع الورك في بغداد مكلوبُ


مصدّع الركن مقتول بقولته


والحق أن الجواهري لم يسكت على نفسه ، التي أمرته بالسوء ، كما رأى ، بل نفث همومه في قصائد عدة بعد فترة وجيزة من نشر قصيدة التتويج ففي عام 1954 ، نشر قصيدة كفارة وندم يكفر فيها عن جريمة هذه القصيدة ويعلن عن ندمه ...
وجاء في هذه القصيدة الأبيات التالية :
حنانيكِ نفسي لا يَضِقْ منك جانب



إذا ضاق من رحب النفوس جنابُ


ولا يتهضّمْكِ انخفاض فطالما



تخفّض نسرٌ صاعدٌ وعُقابُ


وشامخة الأدواح يلوي عنانها



مع الريح والمحض الصريح يُرابُ


وما لك من عتبٍ على الدهر إنما



عليك لما هوّنت منه عتابُ


تَقحّمتِهِ حتى كأنك فوقه



وإنك إذ طمّ العُباب عبابُ



تكهن أن يموت غريبا :
إنتقل الجواهري إلى جوار ربه في دمشق في السابع والعشرين من شهر تموز من عام 1997 ، وكان قبل أكثر من سبعين عاماً قد تكهن بأن يموت خارج العراق ، وذلك في قصيدته الشاعر التي نشرتها له عام 1924 مجلة العرب للمرحوم اللغوي الأب انستاس ماري الكرملي ، قال فيها :
حمل الناس سكوناً



وجلالاً في الحنايا


شاعراً أدركه الموت



غريباً في الزوايا


سبر الأفق بعين



أدركت منه الخبايا







مشيّعٌ بقبيح القول مسبوبُ




.






أنثى من الزمن الجميل سقطت سهوا في هذا الزمان
أشعر بالوحدة لا الزمان زماني ولا المكان مكاني