الموضوع: في ظلال القرآن
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2020, 12:15 PM
المشاركة 35
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: في ظلال القرآن
وينتهون بها إلى شر مصير!
ولكن لماذا يحاول المنافقون هذه المحاولة؟ ولماذا يخادعون هذا الخداع؟
{ في قلوبهم مرض } . .
في طبيعتهم آفة . في قلوبهم علة . وهذا ما يحيد بهم عن الطريق الواضح المستقيم . ويجعلهم يستحقون من الله أن يزيدهم مما هم فيه :
{ فزادهم الله مرضا } . .

فالمرض ينشىء المرض ، والانحراف يبدأ يسيرا ، ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد . سنة لا تتخلف . سنة الله في الأشياء والأوضاع ، وفي المشاعر والسلوك . فهم صائرون إذن إلى مصير معلوم . المصير الذي يستحقه من يخادعون الله والمؤمنين :
{ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } . .
وصفة أخرى من صفاتهم - وبخاصة الكبراء منهم الذين كان لهم في أول العهد بالهجرة مقام في قومهم ورياسة وسلطان كعبد الله بن أبي بن سلول - صفة العناد وتبرير ما يأتون من الفساد ، والتبجح حين يأمنون أن يؤخذوا بما يفعلون :
{ وإذا قيل لهم : لا تفسدوا في الأرض ، قالوا : إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون } . .
إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع ، بل يضيفون اليهما السفه والادعاء : { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } . . لم يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الإفساد ، بل تجاوزوه إلى التبجح والتبرير : { قالوا : إنما نحن مصلحون } . .
والذين يفسدون أشنع الفساد ، ويقولون : إنهم مصلحون ، كثيرون جدا في كل زمان . يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم . ومتى اختل ميزان الإخلاص والتجرد في النفس اختلت سائر الموازين والقيم . والذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم ، لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية ، ولا يثوب إلى قاعدة ربانية . .
ومن ثم يجيء التعقيب الحاسم والتقرير الصادق :
{ ألا إنهم هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون } . .
ومن صفتهم كذلك التطاول والتعالي على عامة الناس ، ليكسبوا لأنفسهم مقاما زائفا في أعين الناس :
{ وإذا قيل لهم : آمنوا كما آمن الناس ، قالوا : أنؤمن كما آمن السفهاء؟ ألا إنهم هم السفهاء ، ولكن لا يعلمون } . .
وواضح أن الدعوة التي كانت موجهة إليهم في المدينة هي أن يؤمنوا الإيمان الخالص المستقيم المتجرد من الأهواء . إيمان المخلصين الذين دخلوا في السلم كافة ، وأسلموا وجوههم لله ، وفتحوا صدورهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجههم فيستجيبون بكليتهم مخلصين متجردين . . هؤلاء هم الناس الذين كان المنافقون يدعون ليؤمنوا مثلهم هذا الإيمان الخالص الواضح المستقيم . .
وواضح أنهم كانوا يأنفون من هذا الاستسلام للرسول - صلى الله عليه وسلم - ويرونه خاصا بفقراء الناس غير لائق بالعلية ذوي المقام! ومن ثم قالوا قولتهم هذه : أنؤمن كما آمن السفهاء؟ . . ومن ثم جاءهم الرد الحاسم ، والتقرير الجازم :
{ ألا إنهم هم السفهاء ، ولكن لا يعلمون } . .
ومتى علم السفيه أنه سفيه؟ ومتى استشعر المنحرف أنه بعيد عن المسلك القويم؟!
ثم تجيء السمة الأخيرة التي تكشف عن مدى الارتباط بين المنافقين في المدينة واليهود الحانقين .