عرض مشاركة واحدة
قديم 01-23-2022, 01:55 AM
المشاركة 3
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: السهرَورديُّ القتيل
رائعة مواضيعك أستاذتنا الشاعرة كروعة قلمك المتألق
وجزيل الشكر والثناء لغيث عطائك المتجدد

يمكن اعتماد رواية ابن أبي أصيبعة حول ملابسات مقتل السهروردي التي ذكرها في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء، لتقارب العهد بينهما، فقد قتل السهروردي سنة 1191 ميلادية، وولد الكاتب سنة 1203 ميلادية

وقبل الخوض في موقف صلاح الدين الأيوبي من السهروردي ينبغي توضيح عدد من الأمور:

كان للدين دور مؤثر في الحياة العامة للشعوب الإسلامية، وكان الحاكم يستمد شرعيته من تطبيقه لأحكام الشرع وحرصه على حماية المعتقدات، ورغم ما ترويه كتب التاريخ عن شطط بعض الحكام وظلمهم، إلا أن الأحكام الشرعية كانت هي الفيصل في النزاعات بين الناس بشكل عام.
لذلك لعب الفقهاء والعلماء دورا كبيرا في تسيير الشؤون الحياتية وأثروا في السياسة والأمور العامة، وأكبر تجل لذلك ظهر في الصراع بين العز بن عبد السلام والسلطة الحاكمة في عصره والمتمثلة في المماليك، وفي إحراق كتب الفيلسوف ابن رشد بالأندلس رغم مكانته وقربه من السلطان أبو يوسف المنصور الموحدي.

ولم يكن ملك صلاح الدين مستقرا وثابتا، ومشروعية سلطته استمدها من جهاده ضد الصليبيين، فقد عانى من طموح وانشقاق بعض الأمراء وصراعات داخلية متجددة، خلقتها ظروف التشرذم التي عرفها العالم الإسلامي، والتي سهلت استيلاء الجيوش الصليبية على أجزاء كبيرة من بلاد الشام.

وما عرف عن تسامح صلاح الدين مع الصليبيين، وأشاد به المؤرخون الغربيون، أملته ظروف سياسية أهمها أن أحد ادعاءات البابا لحشد عامة المسيحيين ودفعهم لغزو بلاد الإسلام استند إلى روايات عن اضطهاد المسلمين للنصارى العرب وإساءتهم للحجاج المسيحيين القادمين إلى مدينة القدس.

وقد سبق لصلاح الدين أن قضى على الدولة العبيدية في مصر، وواجه المتمردين منها بحزم شديد، حتى وإن كانوا على مذهبه السني.
يروي ابن العماد الحنبلي في "شذور الذهب" أن من الثوار على صلاح الدين الذين أرادوا استرداد النظام الفاطمي المنهار الفقيه عُمارة بن علي المذحجي "وكان شديد التعصب للسنة، أديبا ماهرا. لم يزل ماشي الحال في دولة المصريين (الفاطميين) إلى أن ملك صلاح الدين فمدحه، ثم إنه شرع في أمور، وأخذ في اتفاق مع الرؤساء في التعصب للعبيديين (الفاطميين) وإعادة دولتهم، فنُقل أمرهم -وكانوا ثمانية- إلى صلاح الدين فشنقهم في رمضان" (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6|387).

ثم إن صلاح الدين لم يصدر حكما على السهروردي، وإنما طالب ابنه بتنفيذ حكم العلماء والفقهاء الذين قضوا بخروج المتصوف عن الملة، ومخالفة حكمهم يعرضه لفقدان ولاء أهل حلب الذين سلموه حكم مدينتهم، بعد أن كانوا يميلون قبلها إلى حكم آل زنكي، وذلك في وقت كان جيشه يتعرض لانتكاسات قاسية بعد سقوط مدينة عكا في قبضة الحملة الصليبية الثالثة بقيادة ملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد وفيليب الثاني ملك فرنسا

كما أن السهروردي الذي حاز مكانة رفيعة لدى الظاهر بن صلاح الدين، حامت شبهات حول علاقته بالجماعة الإسماعيلية وأفكار القرامطة الضالة، وهو نفس ما أشيع عن الحلاج.

عد عدد من العلماء كابن حجر العسقلاني وابن تيمية وشمس الدين الذهبي وابن كثير السهروردي زنديقا قتل لسوء معتقده.
ويقول الباحث في التصوف الإسلامي عزمي طه:" والحق أن هناك الكثير من الآراء التي أوردها السهروردي في كتبه المختلفة، بجانب صعوبة فهمها وغموضها، تنطوي على آراء مخالفة للعقيدة الإسلامية، وتقترب في مضمونها من فكرة وحدة الوجود، وتجعل ما أسماه (الحكيم المتألّه) في مرتبة الأنبياء أو أعلى درجة، وقد عدّ السهروردي نفسه “القطب” الذي تبغى له الرئاسة، وأنه المؤهل ليكون خليفة الله، الأمر الذي أدّى بعدد من الفقهاء إلى القول بتكفيره"

والحكم على السهروردي بالقتل وإن كان موجبه سبب ديني، إلا أنه مرتبط أيضا بدوافع سياسية في وقت كان صلاح الدين بأشد الحاجة إلى وحدة الصف الداخلي.