عرض مشاركة واحدة
قديم 05-11-2012, 03:15 PM
المشاركة 556
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
في روائيّة رشيد بو جدرة

٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧بقلم كمال الرياحي

تسعى هذه الدراسة إلى تسليط بعض الضوء على واحدة من أهم التجارب الروائية في المغرب العربي يمثّلها الروائي رشيد بو جدرة الذي غادر منذ الثمانينات “ فم الذئب” ليحبّر نصوصه باللغة العربية بعد أن أنجز مدونة روائية بلغة ديكارت جعلته في مصاف كبار الروائيين في الغرب وواحدا من أهم ممثلي تيار الرواية الجديدة في فرنسا إلى جانب كلود سيمون و ألان روب غريي و ناتالي ساروت ,غير أن نداء الهويّة جعله يغادر لغة فلوبار ليعود إلى لغته الأم و يقدّم مدوّنة جديدة بلغة الضاد أثبت بها أنّه متميّز دائما فأثرى بنصوصه المكتبة الروائية العربية بسرد مختلف ورؤى جديدة ,تحاول هذه الدراسة التعريف بهذا الروائي و تحسّس الأسباب التي جعلته يعود إلى العربية كما تسعى إلى تحسّس بعض ألاعيب السرد الروائي التي أمّنت لنصوصه حداثتها .
رشيد بوجدرة روائيّا أو “عودة الابن الضّال”
يمثّل رشيد بوجدرة[1] حالة وجودية استثنائية بين الكتّاب العرب الذين مارسوا الكتابة بغير العربية، فقد انطلق الرجل في الكتابة بالفرنسية ليُعرف كاتبا فرونكفونيا إلى جانب محمد ديب ومالك حداد وليلى صبّار وآسيا جبّار فأصدر روايته التطليق (1969) والإنكار (1972) ثم الحلزون العنيد (1977) وألف وعام من الحنين (1979) والفائز بالكأس (1979). وبعد هذه المسيرة التي كرّسته كاتبا باللغة الفرنسية يرتدّ رشيد بوجدرة عن الفرنسية ويهجر متلقيه ليجترح سنة 1982 أوّل رواية باللغة العربية فكّك بها صلته الإبداعية بلغة فلوبار وفولتار ووسمها ب”التفكّك” ليبدأ رحلة إبداعية جديدة لا يعمل ماذا ينتظره على جنباتها. وبالفعل تعرّض بوجدرة إلى هجوم مزدوج ممّن طلّقهم، قرّاء ونقّادا فرنسيين وممن عاد إليهم قرّاء ونقّادا عربا. ويكفي أن نذكّر بما ورد في مجلة الوسط (العدد 85) بتاريخ 13/09/1993 على لسان حموش أبو بكر في مقاله : تجربة الكتابة باللغة الفرنسية. “رشيد بوجدرة، تحوّل إلى الكتابة باللغة العربية ونجح في الإبداع بها، غير عابئ بالضجّة السياسية التي أحاطت بقرار تخليه عن الكتابة باللغة الفرنسية. ويقال أن الأمر وصل بجريدة “لومند” الفرنسية إلى حدّ ردّ نسخ من روايات بوجدرة الجديدة. كانت أرسلت لها من قبل الناشر الفرنسي “دونوال” الذي قام بنشرها مترجمة عن العربية. ويبدو أن محرّر “لوموند” أرفق النسخ المترجمة برسالة إلى الناشر مفادها أنه لا جدوى من إرسال مثل هذه الروايات إلى الجريدة إذ أنها لن تكتب عن أي عمل لرشيد بوجدرة بعد تخلّيه – على حد تعبيرها – عن لغة ومنطق ديكارت “.[2] ولكن بوجدرة سرعان ما عبر مأزق الامتحان لتسّاقط من قلمه روايات أخر بلغة الضاد تثبت أنّ رواية “التفكّك” لم تكن بيضة الديك ولا هي نزوة إبداعية إنّما هي نقطة تحوّل كلّي في تجربة المبدع، فكانت روايات المرث (1984) وليليات امرأة آراق (1985) ومعركة الزقاق (1986) ثم جاءت مرحلة الصمت التي تزامنت مع اشتعال فتيل المحنة ليعود الرّجل إلى الكتابة ويكسر جدار الصمت في بداية التسعينات بنصّين روائيين يحملان بصمات المحنة وروائح سنوات الجمر وهما فوضى الأشياء (1990) وتيميمون (1994).
لماذا عاد بوجدرة إلى اللّغة العربيّة ؟
يردّ الكاتب نفسه على هذا السؤال قائلا : ” عُدت للعربية بالغريزة، كنت منذ عام 1969، عندما بدأت الكتابة بالفرنسية أشعر بعقدة ذنب وحنين للعربية، وكانت علاقة عشق بالمعنى التصوّفي باللغة العربية، وكان انتقالي للعربية ناتجا عن ضغوط نفسية […] كنت عندما أكتب بالفرنسية أعيش نوعا من العصاب بسبب عدم الكتابة بالعربية، في بعض الأحيان كنت تحت وطأة كوابيس أراني فيها فقدت النطق بالعربية أمام جمع حاشد “.[3] وأقرّ بوجدرة بقصور اللغة الفرنسية على نقل أفكاره ومواضيعه المتعلّقة أساسا بالإنسان الجزائري العربي المسلم، وأبدى الكاتب ارتياحه للعودة إلى العربية التي مكّنته من الرقص على درجات سلّمها فاستخدم “اللغة الشعبية واللغة السوقية” يقول ” هناك شيء يسمّى اللغة العربية بقاموسها العظيم الزخم، كما هناك أيضا اللغة الشعبية وأقول في أحيان كثيرة اللغات الشعبية. فقد استعملت “الشاوية” مثلا في بعض الروايات من خلال منولوجات أو حوار [إن] إدخال اللغات الشعبية في الكتابة الغربية يعطي العمل الأدبي نوعا من الزخرفة والزخامة والقوة للنص العربي أكثر مما يعطيه للنص الفرنسي “.[4] وفي حوار آخر يرى بوجدرة أنّ المستقبل للرّواية العربية المكتوبة بالعربية : “المستقبل بالفعل للرّواية الجديدة المكتوبة باللغة العربية “[5] وأن لا مستقبل للكتابة الروائية العربية باللغة الفرنسية.
يمكننا أن نخلص من خلال هذه الآراء إلى أنّ عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية لها أسبابا عميقة وذاتية وأخرى موضوعيّة فهو يعيش في اغتراب لغوي، إنه يعيش خارج بيته ومسكنه أليست اللغة مسكن الكائن البشري ؟!
وهذا ما جعله يفقد الإحساس بالأمان، مما ولّد عنده كوابيس تدور حول حادثة فقدان النطق بالعربية، وهذه الحادثة الذاتية النفسية يمكن فهمها في سياق أكبر، وهو علاقة اللغة بالهويّة. يبدو أن رشيد بوجدرة أصبح يشعر أنه مهدّد في هويّته العربية نتيجة استمرار حالة الاغتراب اللغوي، وهذا ما عجّل عودته إلى العربية ويذكّرنا هذا بعبارة مالك حدّاد الشهيرة “اللغة الفرنسية سجني ومنفاي “.
أمّا الدافع الموضوعي للعودة فهو ارتباط مناخات الكتابة عنده بالفضاء والإنسان العربيين، واللغة الأجنبية لا يمكن أن تنقل خصوصيّة المناخ العربي وتفكير الإنسان الجزائري نقلا أمينا. كان رشيد بوجدرة يفكر بالعربية ويكتب بالفرنسية وفي تلك الرحلة بين لغة التفكير ولغة الكتابة تسقط أشياء كثيرة وأحيانا يسقط عمق الفكرة، فالأمر أشبه ما يكون برحلة النص بين لغتين من خلال الترجمة، فالترجمة ستظلّ خيانة للنص أبدا. وبعودة رشيد بوجدرة إلى العربية تطابقت لغة الفكر مع لغة الكتابة وسقطت رحلة الاغتراب.
يتقاطع هذا السبب الموضوعي لعودة بوجدرة إلى العربية مع الأسئلة المصيرية التي طرحها محمد ديب ذات يوم على نفسه وعلى زملائه: “هل يمكن للإنسان أن يتلاءم مع ذاته وهو يبدع بلغة غيره، وأن يرتاح لذلك خاصة وهو يعرف أن لغته تمتلك قدرات حضارية وتعبيرية عالية ؟
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة هل يمكن للمبدع أن يكتب ويكون حرّا داخل “جهاز” لغوي أجنبي ؟
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة ماذا يحدث للمرء ثقافيا، عندما يفقد كل صلة بلغته الأصلية ؟ “[6]
اختصر محمد ديب الإجابة في أنّ “كل كلمة تكتبها بلغة غيرك تشبه رصاصة تطلقها على نفسك، وبالتالي على قيمك وقيمتك. فما معنى وما جدوى العالمية إذا كنا بلا جذور ؟ “.[7]
وأضاف “بعد أكثر من نصف قرن من الإبداع بلغة الغير، التفت إلى تجربتي فرأيت بكل حسرة أنها بلا جدوى. لقد بقيت دوما أعيش غربة المقصّ ووحشة المجهول. وأحس أنني أعسكر وحيدا في حقل أجرد للغة أخرى، تائه أترقّب وهم التجذّر في مجالات ومدن أغلقت في وجهي إلى الأبد. فبقيت كالغجري، على أبوابها، وأهلها يخافون منّي، عيونهم مفتوحة عليّ خشية أن أسرق دجاجهم !!!”.[8]
وإجابة عن تلك الأسئلة ترك كاتب ياسين “فم الذئب” وكتب نصوصه المسرحية بالعربية الجزائرية وعاد رشيد بوجدرة إلى لغة الضادّ في أوج شهرته. مثّلت عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية مكسبا كبيرا للرّواية العربية الجزائرية من ناحية ومكسبا آخر للرواية العربية عامّة، خاصة أن الرجل عاد مُدجّجا في تجربة ووعي كبيرين بالكتابة الرّوائية. وقد عاد رشيد بوجدرة إلى العربية عودة الفارس المنتصر لا الجندي المهزوم حيث تخلّى عن انتصاراته ومناصريه وغنائمه ليغيّر اتجاه السير في حركة لا يجرؤ عليها إلاّ الثّوار وكان بالفعل ثائرا في نصوصه على كل ما هو سائد من أساليب كتابة ومضامين متن ليؤسّس” فاجعة “الكتابة العربية. فشكّلت نصوصه مأزقا حقيقيا للكاتب العربي التقليدي الذي تربّى على الخمول والمهادنة والتقنّع. لقد اجترح رشيد بوجدرة مسلكا جديدا للإبداع العربي علامته الأولى الكتابة دون حدود وخارج سلطة الرقابة (الفنية، السياسية، الدينية) فتحرّر من كل ما يعيق العمل الإبداعي ليحاور في جرأة كبيرة كل المحرّمات والمقدّسات التي كرّستها الكتابة المنحنية، فأعاد للمرأة العربية لسانها المنهوب منذ شهرزاد حتى تقول ذاتها، فكرا وجسدا، وتصدّى للسلطة السياسية ففضح فسادها وكشف آلاعيبها وواجه التاريخ العربي المزيّف بحقائق الوقائع لتتعرّى أمام القارئ العربي قرونا من الوهم والحمل الكاذب.
لقد اختارت الكتابة السردية عند رشيد بوجدرة أن تكون كتابة عقوق، وكتابة مقاومة وكتابة انحراف عن الطرق المسطورة وكتابة تمرّد على تاريخ الكتابة العربية. إنها كتابة السفلي (الجسد) لكشف العلوي (الفكر) وفضحه فانشغلت نصوصه بتعرية المستور وحرق ورقة التوت الشهيرة ليكون ساردا لا يحتمل يتمترس وراء معجمه الخاص ليعبّر عن عصره الموبوء بكل العورات. رشيد بوجدرة هو لا وعي الإنسان العربي، إذ انقلبت نصوصه إلى لوحات سلفادورية(نسبة إلى الرسّام السريالي سلفادور دالي) تعهر بجرأة عظيمة ومستحيلة بين أحضان الحروف العربية. لقد خلّصها الرّوائي رشيد بوجدرة من قداستها، ليحوّلها إلى لغة ماجنة معربدة، لغة أيروسية تلتذّ خيانة نفسها وتعلن في غير تردّد ارتدادها. إنّّ اللغة العربية, مع بوجدرة, لم يعد إعجازها متمثّلا في كونها لغة النصّ الديني/ المقدّس فقط ، إنّما تمثّل إعجازها الحقيقي في قدرتها على قول المدنّس و تصويره بنفس القدرة و الكفاءة . غير أن هذه العودة لم تدم طويلا إذ عاد بوجدرة إلى "فم الذئب" ليكتب بلغة مستعمره القديم بعد أن خابت توقعاته عن المتلقي العربي .فقد ظلّ بوجدرة يهاجم في كل محفل إلى أن تحوّل فم الأم الحاضنة إلى فم أشرس من فم الذئب الذي اشتكى من أنيابه كاتب ياسين . من السّرد الحداثي عند رشيد بو جدرة .
لا يمكن أن نلمّ بكلّ الجوانب التي تجعل من رواية بو جدرة رواية غير تقليدية ,رواية تجنح إلى الحداثة, لذلك سنكتفي بعنصرين اثنين نقارب من خلالهما نماذج من تجربته -ما كتبه منها بالفرنسية و ما حبّره بالعربيّة- و هما :التكرار و ما أطلقنا عليه عبارة ؛شعريّة العين و الأذن . التكرار:
يتّفق كل من جرار جينيت وتودوروف حول مفهوم السرد المكرر , باعتباره أحد أشكال التواتر الثلاث :”السرد المفرد” و”السرد المكرر” و”السرد المجمع” فيقول تودوروف مثلا “هناك ميزة […] أساسية في العلاقة بين زمن الخطاب و زمن التخيل في التواتر وأمامنا هنا ثلاث إمكانيات نظرية :القص المفرد حيث يستحضر خطاب واحد حدثا واحدا بعينه,ثم القص المكرر حيث تستحضر عدة خطابات حدثا واحدا بعينه وأخيرا الخطاب المؤلف حيث يستحضر خطاب واحد جمعا من الأحداث”[9] وهذا ذات التقسيم لأشكال القص الذي نجده عند جرار جينيت في مؤلفه صورر 3 أين أشار إلى حضور السرد المكرر عند ألان روب غريي ويلح خاصة على أهمية هذا الأ سلوب عند رواد الرواية التراسلية في القرن التاسع عشر[10] ويمثل السرد الاعادي علامة بارزة في مؤلفات الروائي رشيد بو جدرة ويتخذ مستويات متعددة وأشكالا مختلفة ,ويمكن للقارئ أن يكتشف ذلك بسهولة سواء كان قارئا عابرا أم كان مقيما في مدونة صاحب “التفكك” إذ يحضر التكرار عند بوجدرة في العمل الروائي الواحد من خلال تردد مقاطع سردية معينة على امتداد النص كما هو الشأن في رواياته “ضربة جزاء “و “التطليق” و”الحلزون العنيد”و “معركة الزقاق”… ويكون هذا التكرار إما إعادة نسخية لمقطع سردي ,أي كما ورد أول مرة أو إعادة المعنى أو إعادة سرد الحدث بأسلوب آخر .ويتخذ التكرار ساعة شكل “التكرار المتدرج” كما يسميه محمد سار ي في مقاله “رشيد بو جدرة وهاجس الحداثة” وهو تكرار “تصاعدي” يأتي دائما بالجديد شبّهه الناقد “بقوقعة الحلزون التي تنتظم على شكل لولبي يبتدئ من نقطة مركزية ليتطور نحو الخارج” [11]
ولكننا نعتقد أن أهم شكل من أشكال التكرار الذي ميّز كتابات بو جدرة هو التكرار العابر للرّوايات .وهذا أسلوب لم أعثر عليه عند غيره وإن وجد فبأنماط لا ترقى إلى ما ظهر عليه عند بوجدرة فنعثر بسهولة على مقاطع كثيرة ترتحل من نصّ الى آخر نسخا أو ببعض التغيير الطفيف .ويمكن رصد هذا الأسلوب في كل روايات بو جدرة وخاصة في رواياته “ضربة جزاء” و”الحلزون العنيد”و”ليليات امرأة آرق “حيث تتداخل هذه الروايات بشكل لافت .ونمثل لذلك بهذه المقاطع :
ورد في رواية “ضربة جزاء ” :
ما أشبه هذا اليوم بذلك اليوم من شهر جوان 1956 حين جاؤوا بجثة شقيقه الأكبر … جرح لا ينسى …ندب عميق…التابوت يتأرجح في رافعة الميناء .أبوه مسرور جدا … عودة الإبن الضال …الذي تحدى المحرّمات القديمة بعدم عبور البحر … لم يكن يريد سوى أن يزاول الطب …وقبضوا عليه متلبسا بجريمة تقديم العون للمنظمة .كان يقوم بالعمليات الجراحية في أحد الأقبية ويخيط جروح المناضلين ,ألقي القبض عليه وعذب ثم قتل …ووضعت جثته في رصاص التابوت …الذي ظل يتأرجح في طرف الرافعة ..فوق الميناء كأنما يسخر من الشرطة ورجال الجمارك …وأصيبت الأم بمرض السكر من جراء ذلك (ص35)
يستعيد بو جدرة هذا المقطع في رواية “ليليات امرأة آرق”كما يلي:”فمي:إنه مليء من نترات الحياة وسمعي ملؤه الزغاريد يوم صرت طبيبة وملؤه العويل يوم جاؤوا بجثة شقيقي الأكبر :جرح دامل لا يغلق .ندب لا يتوقف .جوان 1956.جاؤوا بجثة أخي محمولة في تابوت مختوم بطابع الجمارك (بالشمع الأحمر) عودة الابن الضال كان قد قطع البحر لدراسة الطب والتخصص في الجراحة .قبض عليه متلبسا بجريمة مساعدة منظمة التحرير .كان يقوم بالعمليات الجراحية في أحد الأقبية بمدينة باريس ويخيط جروح المناضلين .ألقي القبض عليه فكان التعذيب فالقتل في التابوت المرصص.وعند وصوله إلى الميناء راح يتأرجح في طرف الرافعة كأنه يسخر من الشرطة والجيش الاستعماري على الواء .كانت الحرب تدور رحاها بلا هوادة .صممت آنذاك أن أكون طبيبة مثلما فعل هو .أصيبت أمي بمرض السكر نتيجة الفجعة هذه (ص ص25_26)
ويتواصل ارتحال المقاطع السردية بين الروايتين فيعيد الروائي سرد حادثة المرأة التي اغتصبها زوجها ليلة العرس بوحشية فخاطت جهازها التناسلي وانتحرت .ويمتد سرد هذه الحادثة على ثلاث صفحات في رواية “ضربة جزاء (94 .95 .96 ) وعلى خمس صفحات في ليليات امرأة (41.40,39,38,37.) ولم نر تغييرا في سرد تلك المقاطع ما عدى تغيير الضمائر فبعد أن كان السرد منسوبا إلى رجل في رواية “ضربة جزاء” نسبه إلى امرأة في “ليليات امرأة آرق”. ولا يخرج التكرار عن هذه الملامح العامة بين رواية “الحلزون العنيد” و”ليليات امرأة آرق” فالليليات تكاد تستنسخ في جزء منها رواية الحلزون العنيد. وقد تركز التكرار خاصة على الجانب المعرفي الذي رشحت به الرواية الأولى حيث تستعيد سعاد في ليلياتها تلك المعلومات التي دونها الراوي في الحلزون العنيد حول الحلزون والخنزير والجرذان .واختار الروائي مقاطع محددة من الرواية الأولى ليقحمها في الرواية الجديدة وهي تلك المقاطع المتعلقة بالجنس والقدرة الجنسية فأعاد سرد ما ذكره عن القدرة الجنسية للحلزون الذي يقضي أربع ساعات في السفاد وذكر قدرة الخنزير الذي يقذف نصف لتر من المني فيقول مثلا في الحلزون العنيد :” الحلازن .تلتذ لمدة أربع ساعات.الحلزون في الميثولوجيا الكونية متصل أوثق الاتصال بالقمر وبالتجدد…(ص ص.78.77).ويعود إلى هذه المعلومة في ليليات سعاد التي تقول متحدثة عن عشيقها .”عاد متشنجا و عدائيا.ممتلئا حقدا وغطرسة .عيناه ممتلئتان قذارة وزهوا ونكلة .قلت في نفسي :إنها زلتي الأولى .تذكرت الحلازن في الحديقة ما قرأته عن طاقاتهم الهائلة .احتقرت هذا .أوقفته عند حده .مهلا سعاد […]بات مسمرا في مكانه مبهوتا .مبهورا .غضبضبا. وابتعدت عنه .الحلزون .الحلزون أفحل منك يا صاحبي !أربع ساعات يقضيها الحلزون في التجانس .أما أنت..”(ص60)
لماذا هذا التّكرار؟
يقول الباحث محمد الساري “وتساءلت مع نفسي عن وظيفة هذا التكرار ولم أعثر على جواب مفيد .وسألت بو جدرة نفسه فاكتفى بالقول بأن هذه الطريقة لم يستعملها أحد قبله ,وبما أن رواياته في أغلبها هي رواية واحدة وهي أقرب إلى السيرة الذاتية فما المانع من من إدخال نصوص سبق نشرها في النصوص الجديدة “[12]
ويبدو أن محمد الساري لم يقتنع بحجج بو جدرة ورأى أنه لا جدوى من إعادة تلك النصوص في مدونة الروائي . و يذهب الروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي ,في مقالاته التي كتبها عن روايات بو جدرة , إلى نفس الرأي فيراها زوائد لا خير فيها و اعتبرها من النقاط التي أخلّت بنصوصه و” نصحه” بتشذيبها فيقول:” إن ايغال بو جدرة في التفاصيل الشاذّة لا يمكن تفسيره أو ارجاعه إلاّ إلى هذه الملاحظة و هي إرضاء فضول القارئ الأجنبي ,و كان بالإمكان تشذيب الكثير منها خاصة ذلك الذي يتكرّر بشكل ملحّ”[13] و عاد إلى نفس الملاحظة في قراءته لرواية “معركة الزقاق” فلم ير في المقاطع السردية المكررة غير زوائد[14] غير أننا سنعثر,حتما, على وظائف لذلك التكرار لو جوّدنا النظر في مدونة الرجل مستحضرين عبارة تودوروف”التكرار[…]لا يكون تاما أبدا لان المقاطع المكررة محاطة بسياق مختلف واطلاعنا على الحكاية يكون كل مرة مختلفا”[15] يسعى الروائي حين يعمد إلى تكرار مقطع سردي معين داخل الرواية الواحدة إلى تأكيد حدث معين باستعادته المتكررة حتى يرسخ في ذهن القارئ.فيكون ذلك أشبه باستعادة المشهد السينمائي في الفيلم من خلال استعادة الشخصية الدرامية للحدث .وينشط هذا الأسلوب في الأفلام ذات الطابع السيكولوجي حيث تتردد فيها مشاهد الكوابيس والأحلام وأحداث الطفولة .والحق أن رشيد بو جدرة ليس غريبا على الميدان السينمائي (كاتب سيناريو) كما أنه يعتمد اعتمادا كبيرا على التداعي الحر والأحلام والاستيهام والسرد الاسترجاعي في كل مؤلفاته.
ويتوسل الروائي مرة بالتكرار لإبراز زاوية نظر مختلفة للحدث الواحد .فكل شخصية تروي الحدث من زاوية نظرها الخاص ومن موقعها الخاص[16] كما أن دلالة الحدث تتغير مع موقع سرده في الحكاية فدلالته في بداية الرواية غير دلالته في وسطها أو فى نهايتها .ويذكرنا هذا التكرار بقضية مهمة تبنتها الرواية الجديدة وهي” نسبية الحقيقة” فلا شيء ثابت ونهائي في العمل الإبداعي , كل شيء نسبي لذلك فالمقطع السردي الواحد في ارتحاله من موقع إلى آخر لا يكون هو هو .ولا يمكن أن يحافظ على الدلالة نفسها والوظيفة نفسها ,فمثله مثل النهر الذي لا يمكنك أن نسبح فيه مرتين لا يكون النص المكرر نفسه وان حافظ على خصائصه اللسانية والطوبوغرافية .
أما التكرار الثاني والذي أطلقنا عليه عبارة “التكرار العابر للروايات” فيحمل شعرية أخرى ودلالات مغايرة منها خلخلة عملية التلقي التقليدي ذات الطبيعة الوثوقية .فالقارئ المتابع لتجربة بو جدرة الروائية تهزه هذه التكرارات وتثير عنده أسئلة جمة أهمها :أين قرأ ذلك المقطع ؟ وهذا ما يدفعه في اغلب الأحيان إلى مراجعة مدونة الروائي حتى يعثر على النص المكرر .إن استعادة أحداث بعينها في أكثر من رواية لنفس الروائي تدفع بالمدونة الروائية نحو السيرة الذاتية لأنّ الحدث يتملّص من نسبته إلى الشخصية المتخيلة/الورقية ليصبح لصيقا بشخصية الكاتب.ويفتح هذا الرأي أفقا جديدا لتلقي مؤلفات بو جدرة بين السير الذاتي والتخييل الروائي.
تشي القراءة التناصية للنصوص المكررة في روايات رشيد بو جدرة بمسألة أخرى يمكن اختزالها في عبارة “النصية الذاتية “أو” التناص الخاص” حسب عبارة جون ريكاردو [17] حيث اتخذ هذا التناص أشكالا مختلفة في المدونة الروائية العربية ,فترتبط روايات الغيطاني بهاجس توظيف التاريخ _المملوكي خاصة_ وترتبط أعمال الطيب صالح باستثمارها للخرافي والأسطوري وروايات أمين معلوف بأدب الرحلة وروايات إبراهيم الكوني بالمناخ الطوارقي وروايات واسيني الأعرج بالتاريخ الأندلسي وبشخصية مريم التي تحولت إلى إمضاء يوقّع به الكاتب جلّ رواياته [18].كما تضافرت نصوص بو جدرة باستعادة المقاطع السردية وأحداث بعينها حتى تبدو كما لو كانت رواية نهرية .غير أن قيمة التكرار الحقيقية كما نراها في روايات الرجل تتمثل أساسا في كشفه علاقة الذاكرة بالكتابة .إذ أثبت رشيد بوجدرة أن الذاكرة الواحدة بما تحمله من أحداث محدودة وما تختزنه من ذكريات متناهية وعوالم مضبوطة يمكنها أن تكون معينا / منبعا لنصوص لا نهائية فنصبح أمام الذاكرة الواحدة والنص المتعدد.لأنّ التكرار عنده لا يعبر عن قصور في التخييل أو توعك إبداعي أو خداع للقارئ كما يرى البعض باستنساخ الروائي لمقاطع من نصوصه التي كتبها بالفرنسية في نصوصه المكتوبة بالعربية ظانا أن القارئ لم يطلع عليها بالفرنسية ,إنما مثل التكرار استراتيجية كتابة وخصوصية ارتآها الكاتب لتجربته تكشف قدرة الإبداع على إعادة تشكيل محتوى الذاكرة وعلى نسبية الحقيقة وهذا ما يمكن أن يكون تفسيرا لرد بوجدرة على سؤال الأستاذ محمد الساري الذي ذكرناه سابقا من أنّه لم يسبقه إلى تلك الطريقة أحد .
شعريّة العين و الأذن :
انفتحت الرواية الجديدة على وسائط أخرى غير اللغة الأدبية فاستفادت استفادة كبيرة من كل الفنون الأخرى مستلهمة فن العمارة في تشكيلها لفضاءاتها التي تدور فيها الأحداث وقد انتبه الروائي العربي إلى هذه النقطة فكانت رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني التي قسمها صاحبها إلى سرادقات وكذلك كتابه الخطط الذي استلهم فيه خطط المقريزي ,وفي تونس بنى صلاح الدين بو جاه روايته “السيرك” على شكل البيوت العربية القديمة المقسمة إلى سقيفة ..ووسط الدار ..والمجلس الكبير ..و المقصورة و المستراق و الخوخة …وانسرب فن الرسم إلى الرواية منذ مراحلها الأولى عبر الوصف ورسم ملامح الشخصيات ولكن توظيف الرسم تنوع مع الرواية الجديدة التي تحولت إلى لوحة من لوحات الفن التشكيلي ويكفي أن نذكر بأعمال كلود سيمون الذي يقول “اكتب كتبي كما تصنع اللوحة .وكل لوحة تأليف قبل كل شيء” ونمثل لرواياته ب”حديقة النباتات” التي تحول فيها النص الروائي إلى مشهد .من خلال إعادة تشكيل النص المكتوب وتوزيعه الفني على الصفحة أو تكرار حروف بعينها مما يشكل مشهدا بصريا ويلتفت المؤلف أحيانا إلى اللوحات ينقل تفاصيلها كما لو كان يحمل بين أصابعه كامرا _انظر وصفه الدقيق للوحة الغاستون أرشيف الذاكرة في “حديقة النباتات”[19]
كان رشيد بو جدرة أقرب الروائيين العرب إلى تيار الرواية الجديدة بل هو أحد أعلامها حتى انه كان يستدعى باعتباره ممثلا لهذا التيار في العالم العربي وأفريقيا لذلك كان أكثر الروائيين العرب توظيفا للفنون البصرية وللخطاب الإعلامي في نصوصه .ففي روايته “ضربة جزاء “استطاع أن يبني نصا روائيا قائما على تقنية التناوب السردي بين السرد الروائي والخطاب الصحفي المسموع عبر توظيف مادة التعليق الرياضي على مباراة كرة قدم فكان الراوي يقطع سرده لينقل إلينا ,مستعينا بالمذياع الذي يستمع إليه في سيارة التاكسي, صوت المعلق الرياضي قائلا مثلا :”نحن الآن في الدقيقة السادسة عشر من المقابلة ,والضغط الذي يمارسه تولوز قويا جدا, اللاعبون متجمعون في منطقة مرمى فريق أنجي … إنه باليه حقيقي .رجال جول بيجو” وتتكرر تدخلات المعلق الرياضي في الرواية أكثر من عشرين مقطعا يمتد أحيانا على صفحات من المتن . وقد أبرزه الروائي ببنط عريض حتى يميزه عن بقية السرد ووصل رشيد بو جدرة في التجريب إلى حدّ عنونة فصول الرواية بنتائج المباراة فعنوان الفصل الأول :تولوز :صفر _انجي :صفر وعنوان الفصل الثاني : تولوز هدف .انجي :صفر وعنوان الفصل الثالث :تولوز 2 .انجي :صفر وعنوان الفصل السابع :فترة الاستراحة ما بين الشوطين .
كما وقف بو جدرة على عادة روائيي الرواية الجديدة عند بطاقة بريدية ينقل تفاصيلها وجها وقفا فيقول مثلا:”وخطر له أن يرسل إحدى تلك البطاقات إلى والدته […] انجذبت عيناه نحو بطاقة ترتسم عليها صورة تمثال صغير واقف على قاعدة .يمثل رياضيا شاهرا كأسا …[…]وبحركة آلية قرأ الكتابة المحفورة على البياض إلى الجانب السفلي الأيسر منها .قاعدة مجمرة التروسكية:
الفائز بالكأس ذو القدمين المجنحتين وهو يشهر قصب السبق
بداية القرن الخامس ما قبل الميلاد
برونز ارتفاع 18.7 سم
أما اسفل البطاقة فهناك كتابة مطبوعة بأحرف أصغر بكثير[…]إلى الجهة العلوية اليمنى من ظهر هذه البطاقة البريدية .مستطيل صغير يحدد موضع الطابع البريدي . وفي وسطها ثلاثة سطور متساوية الأبعاد والبرج .ثم هناك سطرا آخر مطبوع على غرار الأسطر الأخرى ويمثل الثلثين من أطوالها السطور الأربعة مخصصة لكتابة العنوان بدون شك,أما السطر الأخير فهو لكتابة اسم البلد المرسل إليه (ص122 ) إن نقل الراوي تفاصيل هذه البطاقة البريدية يشي بعمق الوعي البصري للروائي الذي عليه أن يكون رساما وسينمائيا ورياضيا حتى ينقل تلك الألوان والظلال والأبعاد بكل تلك الدقة .و يتكرر هذا الولع بقل اللوحات والصور عند بو جدرة في روايته” معركة الزقاق ” حيث تنهض المنمنمة التي يظهر فيها طارق بن زياد محرّكا أساسيا للسرد الروائي فيحتفل بها أيما احتفال.
يوظف بوجدرة في رواياته الأخرى الخبر الصحفي كما هو الأمر في روايته تيميمون أين حشد مجموعة من الأخبار الصحفية التي تنقل جرائم الإرهاب بجزائر التسعينات فنقرأ مثلا :”صحافي فرنسي يغتال من طرف إرهابيين إسلاميين بالقصبة في الجزائر العاصمة”(ص77) “تسبب انفجار قنبلة وضعها الأصوليون في مطار الجزائر العاصمة في مجزرة خلفت تسعة قتلى وأكثر من مائة جريح جلهم في حالة خطرة “(ص92) “شغالة منزلية في السادسة والأربعين من عمرها وأم لتسعة أطفال تغتال رميا بالرصاص وهي عائدة إلى بيتها “(ص102) “الكاتب الكبير طاهر جاعوط يغتال برصاصتين في رأسه من طرف ثلاثة إرهابيين وهو يقود ابنته إلى المدرسة “(ص111) يبدو أن الروائي اختار أن يلتقط عناوين الأخبار من على الصفحات الأولى للجرائد أي “المانشيتات” وليس الخبر الصحفي بتفاصيله كما وظفه واسيني الأعرج في روايته “حارسة الظلال “[20] والحق أن توظيف هذه القصاصات الصحفية أصبح مطروقا في الروايات العربية المعاصرة مع واسيني الأعرج وصنع الله إبراهيم ولكن طرق التوظيف هي التي تختلف فبو جدرة حافظ على طوبوغرافية النص الصحفي في روايته “طوبوغرافية نموذجية لعدوان موصوف ” حين استعان بتقنية الكولاج ليقحم خبرين صحفيين كما وردا في الصحيفة بتوزيعهما العمودي يتحدثان عن العنصرية في فرنسا و عمليات الاغتيال التي يتعرض لها المهاجرون الجزائريون .[21]
إن لإقحام تلك الأخبار في النص السردي وظائف شتى منها الوظيفة الجمالية المتمثّلة في خلخلة المشهد الأفقي/ التقليدي للنص السردي فتربك تلك النصوص خطية التلقي وتخرج القارئ من رتابة القراءة المعتادة لتبعث فيه الحذر .فالقارئ التقليدي لن يتمكن من متابعة النص الحداثي الجديد الذي يتلاعب فيه الروائي بتشكيل الصفحة.فمع روايات كلود سيمون مثلا لا يمكنك أن تقلب الصفحة مرة واحدة لأن عليك العودة إليها لتقرأ مقطعا سرديا آخر يركن في أحد أطرافها لأن توزيع النص ليس توزيعا تقليديا و إنما هو توزيع يخضع لمقاييس جمالية أخرى حولته إلى لوحة لا يمكنك أن تمسحها مسحا واحدا .لقد” تشظى” النصّ داخل الصفحة وتنجّم إلى قطع .و ينهض الخبر الصحفي –إضافة إلى التوظيف الجمالي - بوظائف أخرى لها علاقة بالسرد و سير الأحداث والتلاعب بالزمن السردي وزمن التلقي.
* إنّ التعامل مع نصوص رشيد بو جدرة الرّوائية مغامرة محفوفة بمخاطر عديدة لأنّ هذا الكاتب يقدّم جماليات جديدة في الكتابة العربية قد لا تتلاءم مع ذائقة القارئ العربي الذي ظلّ إلى وقت قريب سجين نمط كتابي معيّن .و الحقّ أنّ عودة بو جدرة إلى العربية حملت معها أشكالا سردية جديدة و غريبة أحيانا على بنية السّرد العربي التقليدي, كما حملت متون رواياته أسئلة جديدة , ربّما استأثرت باهتمام سدنة الرواية العربية فأهملوا في المقابل شعريّة الكتابة و جماليتها لينكبّوا على ما رأوه خرقا لنواميس القصّ العربي و أخلاقياته . و اكتفى البعض الآخر بملاحقة الأخطاء اللّغوية التي وقع فيها الروائي- و هي كثيرة حقّا- ليحكم على نصوصه بالنجاح أو بالإخفاق , و لكنّ ,يبدو أنّ النّقد العربي المعاصر بدأ يعود إلى نصوص الرّجل ليحاورها بعيدا عن الآراء المسبقة ,وبعيدا عن القراءة الإيديولوجية ليكتشف جماليات ذلك السّرد العربي المختلف الذي يحفر في أعماق الذات العربية بحرّية غير مسبوقة