عرض مشاركة واحدة
قديم 03-21-2013, 02:18 PM
المشاركة 118
آية أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
ذلك الشيء
هناك، بعيدا جدا، في مجرة أخرى من بين ملايين المجرات التي تسبح في هذا الكون الواسع منذ الانفجار الكبير، وعلى بعد 500 مليون سنة ضوئية من كوكب الأرض، كانت الحياة تدب هناك بكل همة ونشاط وعنفوان على ظهر واحد من أجمل الكواكب المسكونة في هذا الكون الفسيح الذي لا يُعرف له حدود.

كان كوكبا ساحرا...اسماه أهله كوكب "نيسان". سطحه أشبة بلوحة فنية أبدعتها ريشة فنان. سهول واسعة غنية بتربتها الخصبة ذات اللون الأحمر القاني. جبال راسية متعددة الارتفاع بعضها شاهق يناطح الساحب، تكسو قممها الثلوج ناصعة البياض على مدار ألأيام. غابات كثيفة بعض أشجارها عالية كأنها تعانق النجوم. انهار عديدة متدفقة تمتاز بشلالاتها التي تخلب الأبصار. ينابيع حارة متفجرة، وأخرى تنساب مياهً باردة عذبه رقراقة. مراعي خضراء على امتداد البصر، وأشجار مثمرة، وأزهار بألوان الطيف بل هي أجمل من ذلك بكثير.

أما ابرز ما كان يميز ذلك الكوكب الصغير فهو النهر الأزرق المتعرج الكبير، الذي كان يمتد من الشمال إلى الجنوب ويكاد يقسم الكوكب إلى نصفين متساويين، شرقي وغربي ..وهو ما سهل على أعظم ملوك كوكب نيسان تقسيم مملكته، التي هي اشبه بجزيرة في وسط بحر عظيم، إلى مملكتين يفصل بينهما ذلك النهر العظيم، عندما أحس بدون اجله.
كان ذلك منذ ألف، ألف عام أو يزيد، حينما جمع الملك العظيم حاشيته ووزراؤه، وجلس إلى يساره ابنه البكر ضرغام، وكان عندها طفلا في سن العاشرة، بينما جلس ابنه الأصغر، الامير سلام، ابن الثالثة إلى يمينه.

وعندما ظهر أن المرض قد اشتد على الملك، واقترب الأجل المحتوم، أنصت الجميع ولم يكن احد يتحدث إلا همسا، بينما تحدث الملك بصوت مرتجف اختلط بأنين مسموع، وكان صوته متقطعا غير مفهوم من شدة الألم...

كان جليا للجميع بأن الملك أراد أن يقول شيئا مهما، بل شيئا مهولا، قبل أن يلفظ آخر أنفاسه، وكأنه كان يحتفظ في أعماق صدره بسر عظيم، أراد أن ينقله لأبنائه الأمراء الذين سيحكمون الكوكب من بعده، فتعمق صمت الحضور، وأنصت الجميع بمزيد من الاهتمام و الانتباه، وتسمرت عينوهم على تقاسيم وجهه المتألم وحركة شفتيه التي أخذت تتباطأ شيئا فشيا.

كان الملك قد بدأ يقص عليهم حكاية أسطورية كان قد توارثها ملوك ذلك الكوكب عن جدهم الأول، جيلا بعد جيل...وبدا أن في الأسطورة نبؤه وتحذير من خطر داهم، مزلزل، وشديد، قادم من باطن الأرض أو ربما من السماء.

كان الملك قد بدأ يقص على الحضور حكاية ذلك الشيء الذي سيظهر يوما ما، وسيؤدي ربما إلى تدمير الكوكب وانتهاء الحياة عليه، ولكن القدر عاجله، ولفظ أنفاسه الأخيرة دون أن يكمل حديثه...

استشعر الحضور ما أراد الملك أن يقول، وتمنوا لو انه افصح في الحديث، لكنه مات ودفن سر ذلك الشيء معه، بينما ظل خطر ذلك الشيء والخشية منه ماثلين في قلوب وعقول سكان ذلك الكوكب منذ ذلك التاريخ.

في اليوم التالي نصب سكان الكوكب أبناؤه الأمراء الأيتام، الكبير ضرغام ملكا على المملكة الغربية، والصغير سلام ملكا على المملكة الشرقية.

وعملا بالعرف المعمول به هناك، تشكلت مجالس للحكم في كل مملكة، أشرفت على تعليم وتدريب الملوك الصغار، خصصت لهم أفضل المدرسيين والمدربين في كل المجالات والميادين.

ومع مرور الأيام اصبح ضرغام فارسا قويا، وقائدا كرزميا، وخطيبا مفوها، يعشق المغامرة ، ويعشق العلوم ويميل إلى الحروب.

أما أخاه الأمير سلام فقد أصبح هو أيضا قائدا فذا كرزميا، ينطق بالحكمة على صغر سنه، لكنه اظهر شغفا بالطبيعة وحب الأدب وقول الشعر، وكان تطغى عليه روح الفنان.

وما أن تولى ضرغام الحكم انشغل في أمور مملكته وأعباء الحكم، لكن اهتمامه الأول انصب وتمحور حول معرفة ذلك الشيء الذي يهدد الحياة على الكوكب ودفن سره بموت والده.

فبادر إلى جمع قادة جيوشه وشكل مجلسا من العلماء والخبراء، وطلب منهم أن يشيروا عليه؟! فتداول الحشد الأمر لأيام وأيام، وأخيرا أشاروا عليه ببناء جيش عظيم، وتوفير السلاح له، والاستعداد للحرب، وفي نفس الوقت بناء فلك طائر عظيم، حتى إذا ما اقترب خطر ذلك الشيء حاربوه إن كانوا على ذلك قادرين، وان تبين انه لا قبل لهم على حربه، وأصبح خطر انهيار كوكبهم ماثلا، والدمار محتوم ركبوا فلكهم وطاروا هاربين وإلى كوكب آخر..فاريين.

وهكذا اصدر الملك ضرغام ملك المملكة الغربية أوامره بتسخير كل مصادر مملكته للاستعداد لليوم الموعود...وبينما اهتم قادة الجيوش بالاستعداد للحرب وتوفير السلاح، ركز العلماء على بناء ذلك الفلك الطائر العظيم...

وأصبح جميع سكان المملكة الغربية كبيرهم وصغيرهم، يعملون ليلا نهار، يبنون المصانع، ويسخرون كل إمكاناتهم وموجداتهم للمجهود الحربي، وبناء ذلك الفلك الطائر العظيم لعله يكون خلاصهم إذا ما فشلوا في هزيمة ذلك الشيء الموعود.

وفي سبيل تحقيق غايتهم المنشودة، أهمل سكان المملكة الغربية الأرض، وعزفوا عن الزراعة والأشجار، واقبلوا بنهم على بناء المصانع والعمل في التصنيع، وتحولت أنهارهم إلى مكبات للنفايات، القوا فيها مخلفات مصانعهم السامة، فتحولت الحدائق الغناء الى ارض جرداء.

تلوث المكان بمخلفات مصانعهم، حتى أنهم لم يعودا قادرين على الشرب من مياه أنهارهم التي ظلت عذبة رقراقة على مدى السنين، وتراكمت سحب الدخان الأسود في سماء المملكة، وامتدت إلى خارج حدودها بكثير، وأصبحت الغيوم مع الأيام تمطر مطرا اسودا يحرق الأشجار والمزروعات.

كادت ينابيعهم تجف، وأصبحت شمسهم تختفي خلف تلك الغيوم لساعات طوال، تسود فيها العتمة والظلام في عز الظهر. استفحلت فيهم الأمراض، ولم يعد الناس يلحظون جمال أرضهم وسحر طبيعتهم، ولم يعد احد ينتظر لحظات الغروب.

في تلك الأثناء لم يكن اهتمام الملك الشاب سلام، ملك المملكة الشرقية، بشأن ذلك الشيء، أقل من اهتمام أخاه ضرغام. وقد ظل أمر ذلك الشيء يشغل باله هو أيضا، وأحيانا كان يرى في منامه كوابيس مرعبة بطلها ذلك الشيء الذي ورث همه مناصفة مع أخيه ضرغام، منذ تلك الليلة الكئيبة التي لفظ فيها والدهما الملك آخر أنفاسه.

وكان مجلس الحكم الذي تولى إدارة شؤون المملكة الشرقية انتظارا لبلوغ الأمير سلام السن القانونية، لينصب على عرش المملكة قد خطى خطوات مشابهه لتلك التي قامت بها المملكة الغربية، فاتجهت المملكة الشرقية نحو التصنيع أيضا، وكأنها في سباق محموم مع المملكة الغربية.

ولم تكن توجهات مجلس الحكم تلك ترضى الأمير سلام رغم حداثة سنه، لكنه ظل يكتم ذلك في سريرته، فقد كان يميل إلى عشق الأرض والطبيعة، يحب الصيد، وركوب الخيل، ويمارس طقوس مشاهدة النجوم في الليالي التي تكون فيها السماء خالية من الغيوم.

وكان اشد ما يكره ذلك الأذى الذي كانت تتسبب فيه المصانع لأرض مملكته، وبساتينها وغاباتها ومياهها. وكان إذا ما شاهد سحابة سوداء تغلف الجو أصيب بحزن شديد.

ومرت الأيام وأصبح سلام بدوره فارسا قويا، وقائدا كرزميا، وخطيبا مفوها، لكن شغفه بالطبيعة وحب الأرض والأنهار والجبال والينابيع والأشجار والغابات، وممارسته لطقوس التحديق في السماء لمراقبة النجوم، وأشعة الشمس الذهبية أثناء ولادتها الصباحية، كل ذلك كان يوحي بأن سلام قد شب مختلفا عن أخاه الأكبر ضرغام، فهو هادئ الطباع، رومانسي المشاعر، مرهف الإحساس، يكره الحروب. وظهر جليا أن شغفه الأول والأخير هو الطبيعة الساحرة لمملكته التي كتب فيها شعرا وتغنى في جمالها حينما كانت تطغى عليه روح الفنان.

ولما تولى الحكم صار كل ما يتعلق بالحفاظ على جمال مملكة، وبيئتها الساحرة ، وطبيعتها الخلابة، على رأس أولوياته، لكنه لم ينس أبدا ذلك الشيء الذي طالما ارقه في صحوته، وحرمه من النوم لساعات طويلة حينما كانت الكوابيس تهاجمه.

وهو أيضا بادر حينما تولى الحكم إلى تشكيل مجلسا من العلماء والخبراء وأهل الرأي، وطلب منهم أن يشيروا عليه بشأن ذلك الشيء. فجاء الرأي أن تعزز المملكة الشرقية مسيرة البناء والتصنيع والاستعداد للخطر القادم الذي لم يتمكن احد من تحديد ملامحه، ولا فهم كنهه أو توقع على أي شاكلة ستقع مخاطره ومتى وأين ستحل الكارثة التي تبدو متحققة لا محالة...وعلى أن تسخر المملكة كل إمكانيتها لدر خطر ذلك الشيء أو الهروب منه وعلى شاكلة ما تقوم به المملكة الغربية.

لكن الملك الشاب فاجأ الجميع ، وعلى عكس كل التوقعات قرر عدم الموافقة على مشورة مجلس العلماء. وبادر الملك الشاب سلام ورغم تملل مستشاريه ووزراؤه إلى إصدار عدة مراسيم عجيبة غريبة وغير مسبوقة ولم تخطر على بال احد من سكان الكوكب.

فجاء أول مرسوم يحتوي على أمر ملكي بإغلاق كل المصانع ذات الصوامع التي تنفث سموما في الجو، وأمر بأن يوضع مكانها طواحيين الهواء أو زراعة ألأشجار . ومرسوم آخر أمر بموجبه إغلاق المناجم التي تتسبب في الدمار للغابات وألاراضي والمراعي.

ومنع بمرسوم آخر استخدام السيارات التي تعمل بالوقود الصلب وامر استبدالها بعربات تجرها الخيول والحمير. وفي مرسوم آخر أمر بتسخير الشمس والهواء والماء كمصادر بديلة ونظيفة للطاقة. وتلاه مرسوم يكلف كل أسرة بزراعة شجرة مثمرة عند ولادة كل طفل وشجرة حرجية عند وفاة كل انسان. وجعل للزهور عيدا يحتفل فيه الناس ويحتفون بالأزهار ويزرعون منها المزيد. وأمر بمرسوم إعادة تصدير كل المعدات التي تعمل بمبدأ الميكروويف أو تلك التي ثبت لعلماء الملكة أنها مصدر محتمل للأمراض الخبيثة وأمر على استبدالها بالأواني الفخارية. وشجع على تربية الطيور ومنع الصيد إلا في شهور محددة. وفرض في مرسوم ثالث على الناس مشاهدة الشروق والغروب والنجوم. وأمر بإنشاء السدود وحفر الينابيع ومد قنوات الرأي والأنهر الصناعية بهدف إيصال المياه إلى كل مكان.

وبين لسكان مملكته في اكثر من مناسبة أن مخاطر مسيرة التصنيع وما ينتج عنها من تلويث للمكان بالسموم والغازات، لا تقل في خطرها عن خطر ذلك الشيء.

==

نهاية الجزء الأول: ماذا حصل بعد ذلك؟ هل تمكن الملك ضرغام من صناعة فكله الطائر؟ وماذا حل بمملكته؟ وماذا فعل تجاه ذلك؟
وهل تمكن الملك سلام من حماية مملكته من الملوثات التي تنتجها مصانع المملكة الغربية؟ وماذا حصل لمملكته؟
انتظروا الجزء الثاني؟
رائعة أفكارك الأستاذ أيوب، ليتك تترشح في الانتخابات وتتقدم ببرنامج بطلك سلام، وتأكد أني سأكون أول الناخبين لك.
لغتك سلسة وجميلة ، واسلوبك أيضا جميل،وإن كان ذا وتيرة سريعة، تقطع الأنفاس، ولكنني أتخيلها إذا ما طبعت في كتاب، ربما ستعطينا الصور التي تتخلل القصة من حين لآخر بعض الوقت لالتقاط النفس.
أشجعك أستاذ أيوب لكتابة مثل هذه الأفكار الراقية.
تمنيت لو أساهم أيضا بقصة للأطفال، لكني أخشى الإخفاق في كتابة شئ لم أتعوده، لكني سأحاول التواجد هنا للتشجيع، وإن كان ذلك أضعف الإيمان.
ملاحظة بسيطة: أرجو فقط الانتباه للأخطاء النحوية وهي ملاحظة ليست موجهة لك فحسب ولكن لجميع الاخوة الافاضل المساهمين، فكما تعلم أن هذا الامر في غاية الأهمية، فنحن نسعى لبناء أفكار قويمة والى جانبها لغة سليمة تحفظ للأمة كيانها.

بوركت ووفقت.
تحياتي