الموضوع: قبور في السماء
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-22-2014, 11:34 PM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
هذا نص سردي سحري اخر شديد الروعة للأستاذ محمد والذي اجده متمكن من حشد عدد من عناصر التأثير على المتلقي.

يقال ان اعظم عناصر التأثير على الاطلاق على ذهن المتلقي هو تسخير التضاد ونجد في هذا النص ان الاستاذ محمد لم يمهل المتلقي اي وقت دون ان يعصف بذهنه حينما تحدث في العنوان عن قبور في السماء ففجر بذلك قنبلته الاولى بالغة التأثير .

ولا شك ان العنوان يحمل في ثناياه ايضا الكثير ويورط المتلقي مباشرة الذي يندفع لقراءة النص للتعرف على ىسر هذه القبور التي في السماء.

اما العنصر الاخر من عناصر التأثير البليغ على المتلقي فيتمثل في استحضار التراث الديني والذي يبدو ان الاستاذ محمد يتقنه في كل قصصه ويعكس ثقافته الدينية التي منحته قوة التعبير اللغوي المستمدة من النصوص القرانية ، وقد فعل ذلك هنا باستخدام عدد من الكلمات التي تحمل الكثير من المعني كونها مقتبسه من القران الكريم مثل (اعتصم بجبل و لا تسمع فيه لاغية) وفي اخر النص يتحدث عن دم الشهيد وأجسام نورانية مما يمنح النص بعدا اضافيا كون هذه الكلمات ذات دلالة عميقة ويرتبط فيها قداسة يستحضرها المتلقي تلقائيا عند قراءتها.

طبعا الحوار من اهم عناصر التأثير في النصوص السردية لانه يجعل ابطال النص وكانهم احياء بيننا وهو ما يمنح النص حياة ويجعله بالغ التأثير ونجد ان الاستاذ محمد لجأ الى استخدام هذا الحوار لمنح نصه الحياة ويجعله بالغ التأثير .

أيضاً استخدام تكنيك القصة داخل القصة اسلوب ناجح في لفت الانتباه للحدث الرئيسي الذي أراد القاص ايصاله للمتلقي وهنا نجد ان بطل القصة ليس المتحدث وليس صديقه الذي يحاوره في مطلع القصة وانما هم شخصيات ثانوية ، بل هو تلك الفتاة التي تم الاعتداء عليها( حنان ) والتي اسهب القاص في وصفها ووفق في بناء شخصيتها وجعلها مكتملة البناء round character وكانها من بنات الحي وليست بطلة في نص قصصي .

وهو هنا أيضاً يلجا الى تكنيك البطل ونقيضه حيث نجده يجعل المعتدي نقيض البطل ولا نكاد نعرف عنه شيء سوى تصرفة الاجرامي تجاه هذه الفتاة المسكينة البائسة ، وهو أيضاً اسلوب مؤثر في المتلقي لانه يعكس الصراع الذي تتمحور حوله الحبكة . والنص الذي يتمحور حول صراع هو نص مؤثر لانه تقليد للحياة التي تقوم على الصراع.

واتصور ان الاستاذ محمد انما اختار اسم ( حنان ) حتى يستدر تعاطف المتلقي مع بطلة النص .

طبعا الوصف جميل للغاية وجملة النهاية والحديث عن اصوات اجراس الكنائس والأذان والأجسام النورانية يمنح النص شكل من اشكال القدسية ولو كان ذلك على مستوى اللاوعي وذلك له وقع شديد على المتلقي.

ونجده أسهب في استخدام حرف السين او مشتقاته مثل الصاد والشين وهو الحرف الذي له جرس موسيقي بديع بالغ الوقع والتأثير في المتلقي وهو من احرف الهمس كما في الجملة التالية :
( أطلقت حنان صيحة رهيبة، و صل دويها سهيلا، و السهى، بل تجاوز صداها سدرة المنتهي.أعقبتها صرخة ثانية. كان ثمرة هذه اللذة الملعونة توأمان سقطا غدرا في ساحة الحمام.
خيم على الجميع صمت كثيف كدم الشهيد... ثقيل ككلمة الإخلاص . تناهت إلى مسامعنا دقات أجراس حزينة من كنائس بعيدة...سمع الجميع الآذان يرتفع في مساجد المدينة كلها. )

اسلوب سردي رائع وبالغ التأثير ويستحق التصفيق.