عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
89

المشاهدات
26928
 
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي


رقية صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,577

+التقييم
0.50

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8808
03-10-2011, 09:07 PM
المشاركة 1
03-10-2011, 09:07 PM
المشاركة 1
افتراضي شارل بودلير .. Charles Baudelaire





شارل بودلير .. Charles Baudelaire



(1821ـ 1867)


شارل بودلير Charles Baudelaire شاعر فرنسي، ولد في باريس، وكان في السادسة من العمر حين توفي والده الثري جوزيف فرانسوا الذي كان يمارس الرسم هاوياً، وغالباً بحضور طفله. وتزوجت أمه كارولين، بعد وقت قصير، من ضابط كبير اسمه جاك أوبيك أضحى في ما بعد سفيراً لبلاده. وخلَّف هذا الزواج في نفس الطفل شرخاً عميقاً لم يبرأ منه قط، وظلَّ يعد أوبيك دخيلاً، ولاسيما بعد أن وُضِع في مدرسة داخلية.


ولعل حرمان الطفل المرهف الحس من حدب أمه قد ولَّد عنده تمرداً وعناداً، وانصرافاً إلى المطالعة، فلما أضحى شاباً، مال إلى الشعر وبرّز فيه بين أقرانه، غير أنه كان متلافاً، مسرفاً في عبثه وتبذيره، وحاولت أسرته أن تثنيه عن مغريات باريس، فحملته على الرحيل من دون رغبة منه، في باخرة إلى الهند، ولكن الحنين إلى باريس لجَ بالشاعر، فآب إليها ليستأنف مجونه ولهوه، مما حمل أسرته، بتوجيه من زوج أمه، على أن تحد من استهتاره وتجعل أمر الإنفاق عليه من الثروة الطائلة التي آلت إليه من أبيه منوطاً بموافقة وصي شرعي، وكان هذا بخيلاً لم يهتم بمشاعر الشاب الشاعر الأنيق المعلق القلب بغانية خلاسيةٍ تدعى جان دوفال أرهقته بنزواتها.

وعاش الشاعر حياةً مترعةً بالأسى، فقد أصيب بالزهري، ومني بالحرمان والعسر حتى وفاته.



من هذه الحياة المضطربة بين الحب المشبوب الخائب، والمرض، استوحى بودلير قصائده الرائعة التي تنتظم كّلها في ديوان وحيد، سماه «أزهار الشر» LesFleursduMal أحدث عند نشره في عام 1857 جدلاً عنيفاً بين بعض فئات المجتمع الفرنسي المحافظة، وأقيمت على الشاعر وناشره دعوى، بحجة أن بعض قصائد الديوان تنافي الخلق القويم وتصدمه، بما تضَمنت من جرأة فاضحة في وصف الشهوة ومفاتن الجسد، وحكمت المحكمة على الشاعر بدفع ثلاثمئة فرنك، ودانت ستّ قصائد من الديوان، محرمة إعادة نشرها.


ولئن خلف هذا الحكم في نفس الشاعر خيبة ومرارة من نحو، فلقد عمل من نحو آخر على أن يرفد الديوان بشهرة لم يظفر بها أيّ ديوان شعري في فرنسا. وظل بودلير يتابع نشاطه الأدبي، فنشر مؤلفات في النقد الفني لفتت الأنظار إليه، وفاجأه مرض الفالج في بروكسل وهو بعد كهل، ومنها نقل إلى باريس طريح الفراش، عاجزاً عن الحركة والكلام، حتى قضى نحبه.



إن أبرز ما قدم بودلير، في أدبه وحياته معاً، هو ذلك الصراع القائم بين الخير والشر اللذين كانا يتجاذبانه دوماً، وقد عبر هو نفسه عن طبيعة هذا الصراع بقوله:


«إني أشعر، مذ كنت طفلاً، أن هناك نزعتين، تستبدان بنفسي، لأترجح حائراً، بين كراهية الحياة وبين الشغف بها إلى حد الوجد والنشوة».

وحين كانت كراهية الحياة ترجح على وجدها فقد كان يشعر أنه فريسة للسأم المقيت الذي وصفه جان بول سارتر Sartre في دراسته المستفيضة عن بودلير بأنه لم يكن سأماً فكرياً، بل سأماً حسياً عصبياً.


وكان بودلير يدعو هذا السأم Spleen ويعني به السويداء الكئيبة القاتمة. وكان يلجأ بغية الانعتاق منها، إلى الحشيش والخمرة. وقد عبر عن قلقه المترجح بين الخير والشر، بصيغة أخرى، في قوله:


«إن في قلب الإنسان نزعتين متضادتين، تنحو به أولاهما إلى الله وتنحو به ثانيتهما إلى الشيطان، فالتوجه إلى الله هو الرغبة في السمو درجة نحو المراقي الإنسانية، أما التوجه إلى الشيطان فهو الانحدار درجة نحو قاع الحيوانية».


أراد بودلير أن يراقب دخيلة نفسه، كما لو أنها منفصلة عنه، وكانت حياته كلها سلسلة من الإخفاق المستمر في أن يبصر ذاته على حقيقتها، وكان يكتفي، فيما هو يتأمل فيها، بأن يسبر بمبضعه الخفي الحاد مواضع الجراح ليفتحها ويحركها وينفضها بشعره ونثره.


وتأتى أحداث عام 1848 التي ألهبت أوروبا كلها، وفرنسا خاصة، أن تهب بودلير الفرصة السانحة ليطلق نقمته المكظومة من عقالها، ويفصح عن حماسته لمظاهر التمرد الشعبي العارم إزاء الهيمنة والحواجز الاجتماعية المصطنعة التي كان يكرهها، متنكباً بندقيته خلف المتاريس. وفكر في لجة الثورة أن يمضي إلى زوج أمه ليغتاله ويتخلص منه ـ كما اعترف بذلك في ما بعد ـ بيد أن مشاعره المتجاوبة مع أوار الثورة لم تلبث أن خمدت مع انطفاء تلك الانتفاضة.



إن هذا الموقف السياسي الذي التزمه بودلير، في تلك الحقبة العصيبة، يفسر طرفاً من النقمة التي كانت تمور في عطفيه إزاء مجتمعه الذي حرمه من كل ما كان يتوق إليه ويتمناه: الثروة والمجد والحب والوفاء والحنان الصادق. غير أنه لم يُعرف عن بودلير أي نشاط سياسي أو أي عمل اجتماعي ظاهر، فقد كان يعتقد مخلصاً «أن العمل السياسي والعمل الاجتماعي ينطويان على النفاق والكذب والوهم، أما الدين فلا يتأتى له أن يزجي الحل المرجو، لأن الله ـ في رأيه وعلى الرغم من إيمانه ـ لا يقدم للخاطىء التوبة المجدية المخلصة، بل يضيف إلى عذابه توقاً إلى الطهر، أشبه بالسراب».


ولقد وجد في التأنق المفرط Dandysme ما يميزه من الآخرين، ليشعرهم بتفرده وسمو شخصه، كما ألفى، فيما هو يغالي بشعره ونثره، في الكشف عن خبيئة نفسه ووصمها بكل غميزة ونقيصة تنالان من خلقه، ما يرضي نزعة التحدي لديه ورغبة التمرد على مواضعات مجتمعه الظالم.


كان الفن وحده، شعراً كان أم نثراً، المجلى الوحيد الذي يبث فيه سورة غضبه ونقمته، كما يتألق فيه ويسمو على الآخرين، مؤكداً أن مصور الحياة الحقيقي هو الذي يستطيع أن ينتزع من الواقع جانبه الملحمي والأسطوري. وكانت الحياة الباريسية خصبة متنوعة، فاستوحى منها وسبر خفاياها، وعبر عن ذلك كله في مختلف آثاره:


«الصالونات» LesSalons و«الفراديس المصطنعة» Paradisartificiels و«طرائف جمالية» Curiositésesthétiques وغيرها، وقد برز فيها بودلير ناقداً فنياً تشكيلياً ذا نظرة واعية، تعرف أن تتذوق وتقَوِّم وتبرز مكامن الجمال الحقيقي في الفن.



وقد عُرف عنه أنه كان يحب أن يختلف إلى مراسم الفنانين ليتحدث إليهم، وكان قلمه يعرف كيف يحسر، في نقده، عن جمالية اللوحة وأسرار ألوانها و موسيقى أصباغها (كما كان يحلو له بهذا التعبير أن يضفي الموسيقى على اللون)، هكذا تيسر له أن يقوِّم آثار أنغر وكورو ودي لاكروا الذي كان يصفه بأنه أسمى قمة بين قمم التصوير في جميع العصور، ولم يقتصر نقده على الفنانين المصورين فحسب، بل تجاوزه إلى عمالقة النغم فكتب عن «تانهاوزر» Tannhäuser ومؤلفها الموسيقار الألماني فاغنر Wagner، فكان من أوائل الذين نبهوا إلى عبقريته الموسيقية.



أثار ديوان «أزهار الشر» جدلاً وتطلعاً وإعجاباً ظل يتسع حتى عصرنا الحاضر، وقد لخص فيكتور هوغو رائد الإبداعية (الرومنسية) ـ وكان من المعجبين به ـ الشعور السائد نحو هذا الديوان بقوله: «لقد خلق في الشعر الفرنسي رعشة جديدة».


وتنتظم معظم قصائد الديوان تحت عنوان «سويداء ومثل أعلى» Spleen et Ideal ويعني به سأم الشاعر وسويداءه من نحو، وظفره بمتع الحياة ولذاتها التي تأتى له أن يتذوقها من نحو آخر، فهناك أشياء شتى في ميسورها أن تخلق فكرة المثل الأعلى المنشود، على تناقض موضوعات Thèmes هذا المثل، كالدين والخطيئة والرذيلة وسراب الفراديس المتوهمة المصطنعة.








هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)