عرض مشاركة واحدة
قديم 09-11-2014, 11:37 PM
المشاركة 229
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ولما كان الحجاز مقصد كل مسلم، لآداء فريضة الحج والعمرة والزيارة، فقد كان متوقعاً أن يكون وجهة المترجم له بعد عودته من تهامة اليمن في سنة 1320ه، فحج في السنة التالية، وهناك ألتقى بعلمائها، وارتاد حلقاتهم التي كان يعج بها المسجد الحرام، وأخذ عنهم في العديد من العلوم. وفي هذا الصدد يذكر صاحب كتاب (تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع ص 345) إن المترجم له قد تردد على مكة المكرمة مراراً، واجتمع بعلمائها، وأخذ عنهم، وأخذوا عنه، وتدبج مع بعضهم. 4حياته العملية: يمكن القول إن القاضي عبدالله العمودي قد قضى معظم حياته العملية في القضاء، والتدريس، والوعظ والإرشاد، وهذا شيء طبيعي، حيث كانت هذه الوظائف تشكل جلّ مخرجات التعليم القائم - في تلك الفترة - بشكل رئيس على العلوم الشرعية والعربية. ولذلك فبعد عودة المترجم له في سنة 1320ه من رحلاته العلمية في تهامة اليمن، جلس للتدريس، والوعظ والإرشاد، فالتف حوله طلبة العلم للنهل من علمه. وفي أواخر سنة 1324ه غادر مدينة أبي عريش إلى (مِيءدي)، لأسباب غير معروفة، وهناك التقى بزميل الدراسة القديم السيد محمد بن علي الإدريسي، الذي كان - فيما يبدو - قد بدأ نشاطه الديني في المنطقة الهادف - في الظاهر- إلى القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الناس وتعليمهم أمور دينهم. ولما كان الاثنان يعرفان بعضهما البعض منذ أيام الطلب في أبي عريش، فقد توثقت العلاقة بينهما بشكل كبير، وقام الإدريسي بتكليف العمودي بالقضاء في تلك المدينة وما جاورها، والإمامة والتدريس في جامعها. وفي خلال هذا اللقاء أجاز الإدريسي العمودي في ثبته المسمى (العقود اللؤلؤية في الأسانيد الدينية)، مما يدل على أن الجانب العلمي كان حاضراً في ذلك اللقاء أيضاً. وقد ظل المترجم له يقوم بوظائف القضاء، والإمامة، والخطابة، والتدريس، والوعظ والإرشاد في ميدي وتوابعها طوال عهد محمد بن علي الإدريسي، جدير بالذكر إنها - ميدي - كانت تعد من أبرز حواضر الإمارة الإدريسية، والميناء الرئيس لها في عهد مؤسسها. وبعد وفاة محمد الإدريسي في سنة 1341ه، خلفه ابنه علي بن محمد الإدريسي، فلم يغيّر شيئاً بالنسبة لمترجم له، وبقي في وظائفه بميدي حتى استولت عليها الجيوش اليمنية في جمادى الآخرة 1344ه، حيث خرج منها هارباً بعائلته دون أن يستطيع حمل أي شيء من أمتعته وكتبه. وقد أصبح بعد ذلك من جملة المرافقين للسيد علي الإدريسي، ومن أعيان إمارته الذين يعتمد عليهم في المشورة والسفارة وما إلى ذلك. وفي عهد السيد الحسن بن علي الإدريسي تولى القضاء في مدينة جازان، وظل من أعيان إمارته حتى تم ضم المنطقة إلى الدولة السعودية الحديثة. وفي العهد السعودي استمر في ممارسة وظائفه من قضاء وتدريس ووعظ وإرشاد، في بعض المدن والقرى، مثل أبي عريش، والحقو، حتى سنة 1365ه عندما طلب إعفاءه من وظيفة القضاء، فكلفه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بالتدريس، والإمامة في أبي عريش، مع استمرار صرف رواتبه ومخصصاته المالية، فكان ذلك دأبه حتى آخر حياته عندما ضعف وعجز نتيجة لكبر سنه. ولما كان المترجم له من أعيان المنطقة وعلمائها الذين يشار لهم بالبنان، فقد حظي بمنزلة كبيرة في الإمارة الإدريسية، لا سيما في إمارتي السيدين: علي بن محمد الإدريسي، والحسن بن علي الإدريسي، حيث كان من علماء وأعيان إمارتيهما المعتمد عليهم، وقام بالعديد من الأدوار السياسية، مثل: التوسط بين الإمارة وبين خصومها، والمشاركة في الوفود المشكلة للتفاوض مع شيوخ القبائل وغيرهم من الخصوم والمعارضين. كما بذل جهوداً ملحوظة في محاولة - مع غيره - المصالحة بين السيدين المذكورين عندما نشب الخلاف بينهما على السلطة، والذي انتهى باستيلاء الحسن بن علي على الإمارة في أواخر سنة 1344ه. وفي عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي اشتهر بتقدير العلماء أيما تقدير، حظي المترجم له بعطفه وعنايته - كغيره من حملة العلم - حتى إنه كتب له في إحدى المرات رداً على قصيدة تهنئة بالعيد كان قد بعثها له، قائلاً: "إن القصيدة اعجبنا بها، وتدل على إخلاصكم، وتقديركم نحونا، فثقوا أنكم منا ومن المحسوبين علينا" (مجموع شعري غير مرقم، توجد صورة منه في مكتبتي؛ أحمد العمودي، مرجع سابق، ص 5). 5- نتاجه العلمي: لقد تميز القاضي العمودي بالثقافة الموسوعية، يظهر ذلك واضحاً في تعدد وتنوع مؤلفاته؛ حيث ألف في العديد من العلوم، الدينية، والعربية، والأدبية، والتاريخ والتراجم والأنساب، والرحلات. ولعل الدكتور عبدالله أبو داهش خير من صوّرذلك ،عندما تحدث عنه قائلاً: "لم يبلغ شأو العمودي أحد من معاصريه - في المنطقة بالطبع - في كثرة نتاجه ووفرته، فقد خلّف نتاجاً وافراً غير عادي، إذ يبدو أنه كان مكثراً في: تأليفه، وشعره، ورسائله، ومقاماته وإخوانياته، وتقريضاته، فضلاً عن مناظراته التي كان يجريها مع علماء عصره، وما كان يميل إليه من كتابات تاريخية، ورسائل دينية، وعلى الرغم من نتاجه الوافر... لم يكن بذي حظ في النشر، والطباعة، إذ بقيت مؤلفاته ورسائله بعيدة عن اهتمامات الدارسين وعنايتهم..." (تحفة القارئ والسامع ، 5/1؛ الأدارسة في تهامة، ص20- 21). ومما يدعو للأسف أن ذلك التراث العلمي العظيم قد تعرض معظمه للضياع، ولم يبق منه إلا النزر اليسير في بعض المكتبات الخاصة، وبخاصة تلك المجموعة التي حصل عليها الدكتور عبدالله أبو داهش من الاستاذ إبراهيم بن عبدالله العمودي. ومما يحمد لأبي داهش إنه من أوائل الذين تنبهوا لأهمية تراث العمودي واستفادوا منه، وعملوا على إظهار بعضه للباحثين، سواء بالتحقيق والنشر، أو بالإشارة له في دراساته المتعددة عن تاريخ وتراث وأدب جنوب وجنوب غرب المملكة. وبسبب كثرة - كما سبق - مؤلفات المترجم له وتنوعها، فسوف نقتصر هنا على ذكر مؤلفاته التاريخية عن شبه الجزيرة العربية بشكل عام، ومنطقة جازان على وجه الخصوص، مع تعريف بسيط بكل واحد منها بقدر الإمكان، وذلك حسب المعلومات المتوافرة. وفيما يلي عرض لتلك المؤلفات: 1- تحفة الأدب بسيرة ملك العرب (مفقود): يذكر العمودي بخصوص هذا الكتاب إنه ألّفه بناء على اقتراح أمير منطقة جازان الأمير محمد بن عبدالعزيز الماضي، ويضيف بإنه لما انتهى من تأليفه حج في سنة 1358ه، وقام بإهدائه على الملك عبدالعزيز رحمه الله. وأهمية هذا الكتاب واضحة من عنوانه ولا تحتاج إلى مزيد بيان، فهو يتناول سيرة مؤسس هذه الدولة المباركة، وباني وحدتها ونهضتها الحديثة، الملك عبدالعزيز رحمه الله. وعلى الرغم من المحاولات الجادة للبحث عن هذا الكتاب في المكتبات والمراكز المحلية، إلا إنها لم تثمر عن شيء، مما يدعو للأسف، وفي الوقت نفسه التساؤل عن مصير المكتبة الخاصة للملك عبدالعزيز، وبخاصة تلك النوادر التي كانت تهدى له رحمه الله. فما بقي منها لا يشكل - كما يبدو - إلا جزءاً بسيطاً منها، وهو عبارة عن كتب عادية معروفة ومتداولة، فأين يا ترى ذهبت الكتب النوادر ؟ 2- الروض المبتسم الحسن في تثقيف أبناء حزب الوطن (مفقود): لم يتضح لي بشكل دقيق محتوى هذا الكتاب، فعلى الرغم مما يتبادر إلى الذهن من أنه يتحدث عن أعضاء حزب الوطن الحجازي، لا سيما إنه كان على علاقة ببعضهم، إلا أن السياق الذي وردت فيه الإشارة له لا تعطي هذا الانطباع. فقد أشار المؤلف له في موضعين: الأولى باسم (الروض المبتسم الحسن) فقط، وذلك في أثناء حديثه عن استيلاء الملك عبدالعزيز على الحجاز، حيث علق في الهامش الأيمن للصفحة على ما حصل من الإخوان بكلمات بسيطة ثم بتر الحديث قائلاً: "إلى آخر ما ذكرته في مؤلفي الروض المبتسم الحسن". أما في الموضع الآخر فقد أشار له كما في العنوان أعلاه، وذلك خلال استعراضه لبعض قصائده التي مدح بها السادة الأدارسة في منطقة جازان. 3- نهاية العبر في تراجم وفيات القرن الرابع عشر (مفقود): يتضح من عنوان الكتاب إنه في تراجم أهل القرن الرابع عشر الهجري، وهو يحيل إليه كثيراً في كتاب (اللامع) الآتي ذكره، وكذلك كتاب (تحفة القارئ والسامع)، وذلك عند ذكره لوفيات بعض الشخصيات، حيث غالباً ما يختم ترجمته للشخص بعبارة: "وقد ترجمته في كتابي الوفيات فانظره هناك"، ونحو ذلك من العبارات التي تفيد بترجمته للشخص بشكل أكثر تفصيلاً في الكتاب المذكور. وقد ورد في بعض المواضع باسم (نهاية العبر في تراجم وحوادث القرن الرابع عشر)، وفي مواضع أخرى باسم (الطبقات نهاية العبر). 4- رحلة الأسفار فيمن لقيت من الأنظار: خصص العمودي هذا الكتاب لمشايخه، وأسانيده، وثبته، فضلاً عن زملائه أيام الطلب، وغيرهم ممن قابله أثناء رحلاته العلمية واستفاد منه، ويبدو أنه قد حذا فيه حذو شيخ مشايخه - كما يطلق عليه - الحسن بن أحمد عاكش في كتاب (حدائق الزهر في ذكر الأشياخ أعيان الدهر). وقد ذكر المؤلف في أحد مجاميعه انه قد ضاع عليه مع مجموعة كتب أخرى نفيسة أثناء تنقلاته المستمرة من مكان إلى آخر أيام الاضطرابات التي شهدتها المنطقة في أوائل العقد السادس من القرن الرابع عشر، قبيل توحيدها ضمن الدولة السعودية. 5- الرحلة التعزية: وهي عبارة عن وقائع رحلته التي قام بها إلى مدينة تعز اليمنية لمقابلة الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، وقد ضمنها وصفاً لطريق رحلته من أبي عريش إلى تعز، والمحطات التي توقف فيها، كما قدم من خلالها وصفاً للعاصمة اليمنية في عهد الإمام المذكور، متحدثاً في الوقت نفسه عن الإمام، وديوانه، وموظفيه، ومجلسه، وبعض مدائحه الشعرية في الإمام وبعض رجال دولته، ونحو ذلك مما جرت العادة على وصفه وتدوينه في مثل مصنفه. 6- نبذ في الأنساب لمن سكن بحضرموت، وفي أنساب عدنان وقحطان. 7- الدر النفيس في ولاية الإمام محمد بن علي بن إدريس: يذكر المؤلف في مقدمته أنه ألّفه للسيد علي بن محمد الأهدل، ليكون عنده بجهات القطر اليماني، لما اشتمل عليه من السير والأخبار والمعاني، وأنه قد أجاز له نسخه وروايته، وقد كان تأليفه له في سنة 1342ه. وكما هو واضح فهو في سيرة الإمام محمد بن علي الإدريسي، مؤسس الإمارة الإدريسية في منطقة جازان، وتاريخ حوادث إمارته. 8- لقطة العجلان فيما جرى على السيد الإمام علي بن محمد الإدريسي من حوادث الزمان وقد نبهني لوجود هذه السيرة الأستاذ الكريم محمد الديباجي وفقه الله وزودني مشكوراً بصورة منها. 9- ذيل لقطة العجلان بسيرة الإمام الحسن بن علي الإدريسي. هاتان السيرتان خاصتان - كما يتضح من عنوانهما - بالسيدين علي بن محمد الإدريسي، والحسن بن علي الإدريسي المذكورين، وتاريخ الإمارة في عهديهما، وقد حققهما ونشرهما الدكتور عبدالله أبو داهش، بعنوان: الأدارسة في تهامة، 1341- 1347ه: رسالتان تاريخيتان في إمارتي السيدين: علي بن محمد الإدريسي والحسن بن علي الإدريسي، 1415ه.

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا