عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
1025
 
هشام اجران
من آل منابر ثقافية

هشام اجران is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
40

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
اكادير

رقم العضوية
16511
01-22-2021, 08:57 PM
المشاركة 1
01-22-2021, 08:57 PM
المشاركة 1
افتراضي قصة قصيرة : المرآة
المرآة
- مد يده نحوي في حركة مفاجئة ، تأملت اليد الصغيرة المتسخة، والأظافر الطويلة الأكثر اتساخا؛( بعد ساعات من اللعب والتمرغ في التراب، والعودة مساء بأيادي متسخة، وملابس ملطخة)، لكن، هذه اليد أكثر قذارة ، إنها تثير اشمئزازي، وكلما تمعنت فيها إلا واجتاحني شعور مقيت بالغثيان.
حرك يده من جديد، وبسطهما أكثر أمامي؛( فصل مكتظ بالتلاميذ، الجو شديد البرودة، نرتعد من البرد والجوع، ومن الخوف من معلم قاس لايعرف معنى الرحمة، يتطاير الرذاذ من بين شفتيه وهو يصرخ بأعلى صوته، يدعونا لترديد الحروف: ألف..باء..ياء....). "أبي"، لم أعرف أبي قط ، فقد وعيت على الدنيا ولم أجد الأب، عرفت لاحقا أنه مات قبل ولادتي، فبكيت وخفت من الموت، وكرهتها لأنها خطفت مني أعز الناس.
- "أكاد أموت من الجوع.. "، صوت ضعيف أيقظني من تأملاتي، بحثت عن اليد الممدودة، فطالعني وجه شاحب يرنو إلي بكل انكسار، ضاعت ملامحه وسط كتل من التراب والأوساخ فكأنها لوحة تشكيلية صبغت بأشد الألوان قتامة، وبين هذا الخليط من الألوان الغامقة، برزت عيون صغيرة صافية؛ ( كانت لها نفس العيون، وزادتها الأهداب السوداء الطويلة رونقا وبهاء، وتدلت الخصلات على الجبين الصغير في تسريحة طفولية، زادت الوجه الأبيض جاذبية، وحين تضحك ترسم الغمازتان على الخدين، ليبدو الجمال في أروع صورة.تعاهدنا على الوفاء، لكن..؟)
- "أرجوك، اعطني بضعة دراهم، أحتاج إلى طعام ."، صرخ الفتى بألم. فأدخلت يدي في جيبي بحثا عن بضعة دراهم؛ (لم ألمها بقدر ما عاتبت نفسي، أغذقت عليها الوعود، سأعمل ، وأجني المال، وأبني بيتنا الجميل، و...و...، لكن لا شيء تحقق. رغم شواهدي، ومؤهلاتي، إلا أني لم أجد عملا، عشت الحلم الجميل، لكن الواقع كان صادما، واقع مرير، فقد عانيت الكثير، وخسرت الكثير، خسرت أبي، وحبي، وشبابي، وطفولتي من قبل.)
أيقظتني همهمات غاضبة من تأملاتي، وميزت أذناي شتائم بذيئة ومسترسلة، لمحت صاحبي وقد مضى لحال سبيله، بعدما يئس مني، وبعدما أثرت غضبه بجمودي وصمتي.
نظرت أمامي، فإذا أمواج من البشر في حركة ذهاب وإياب لاتنتهي، وجوه جامدة غاب عنها الألق، وعيون ضاع بريقها بفعل الهموم والهواجس التي تسيطر على قلوب الناس وعقولهم.
أمامي كراس إسمنتية، اخترت واحدا وجلست، سرت برودة في أطرافي، لا يهم ، فقد تعودت على افتراش الأرض العارية. كدت أعود من جديد لذكريات الأمس، لكن يدا مدت أمامي فاجأتني، يد نحيلة بارزة العروق..تطلعت للواقف أمامي، فإذا به شيخ طاعن في السن، ملأت التجاعيد وجهه حتى غابت ملامحه، ضعيف، بائس، وشاحب...ابتسمت، وسرعان ما ضحكت، ضحكات عالية تردد صداها في المكان.