عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2011, 03:30 PM
المشاركة 984
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ليتا كابيلوت

يتمها : يتيمة الاب والام وتربت في بيت الايتام.
مجالها: فنانة وشاعرة.

الفنانة والشاعرة ليتا كابيلوت التي عاشت حياة اليتم والتشرد في طفولتها، أقامتمعارض عديدة، عن أطفال الشوارع والغجريات والمغنين الغجر، وكان معرضها «اللؤلؤةالسوداء» في لندن تحية إلى الفنانة المكسيكية فريدا كالو.

من قلبمدينة برشلونة المستلقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومن بين حاراتها الفقيرة،خرجت الإسبانية ليتا كابيلوت إلى العالم فنانة لا تتوقف ألوانها عن النبض. كما أنهالا تتوقف عن سبر المستتر في الحياة والنفس، متتبعة أثر الحياة في كتاب التعبيرالإنساني.

في شوارع مدينتها الأولى، كانت ليتا طفلة مشردة، عرفت اليتممبكراً، وعاشت تفاصيله المؤلمة على الصعيدين الجسدي والنفسي. غابت صورة الأم، كمالم تظهر صورة الأب، وحضرت صورة الجدة التي حاولت تعويض غياب الصورتين معاً، بأنأصبحت بؤرة الحب والحنان والدفء الوحيدة في الأرض، في مواجهة عالم يكتنفه الغيابوالعتمة والأوجاع والحرمان والتشرد. لكن الموت لا يتوقف أيضاً، ولا يتأنى ولايتردد، فبينما ليتا كانت في الثامنة من عمرها، اقترب الموت من جدتها واختطفها،لتكتمل بذلك ثلاثية الغياب، وليتكثف الإحساس باليتم والوحدة والتشرد، وتتراكمالخسارات الكبيرة في روح طفلة كانت تتهجى أبجدية الحياة.

كانت شوارع برشلونةفضاء للطفلة ليتا ولأصدقائها الأطفال، رفاق التشرد والحرمان والتراجيديا التيتتواصل يومياً في المدينة، كما في مدن وقرى أخرى في العالم. وكان عازفو الشوارع فيبرشلونة، والألوان والعتمة والركض واللهاث والمطر والشمس والبرد والثياب الممزقةوتكور الأجساد الصغيرة في ظلال الشجر والألم، بمثابة خطوط التراجيديا التي حفرتعميقاً في روح ليتا التي كانت فرداً في عائلة اليتامى العالمية، كما هي عضو فيعائلة المشردين.

وبعدما دخلت ليتا بيت الأيتام، أحدثت الزيارة الأولى لهامتحف برادو في العاصمة الإسبانية مدريد نقطة تحول كبرى في حياتها، خصوصاً عندماوقفت الطفلة ليتا، آنذاك، أمام لوحات لأساتذة الفن التشكيلي، أمثال رامبراندت وروبنز وغويا وريبيرا وغيرهم،إذ يضم المتحف العريق ما يزيد عن 3000 لوحة زيتية، علاوة على المنحوتات. وفي المتحفسحرت الألوان الطفلة ليتا، وربما تحدثت معها. وقفت ليتا تتأمل في تلك الأعمالالفنية، وفي تلك اللحظة أخبرها حدسها بأنها ستغدو فنانة عالمية تعرض أعمالها مثلهؤلاء الفنانين، في متاحف وصالات العرض حول العالم.
زيارة متحف برادو كانت علامةفارقة ، إذ تجلى الحدس، وانفتح الأفق على أبجدية لونية جديدة بدأت ليتا تهجئتهاحرفاً حرفاً. وبدأت تتلمس طريقها التعبيري من خلال الفن، فأقامت معرضها الأول فيمدينتها برشلونة، شاهدة اليتم والتشرد، وهي في السابعة عشرة من عمرها. لتنطلق بعدذلك إلى هولندا، كما لو أن روح رامبراندت التي كانت تطوف في متحف برادو حول تلكالطفلة الغجرية قادتها إلى بلاده.

ليتا كابيلوت وجدت في الفن التشكيليعالمها المكتمل، وجدت روحها، وشاهدت صوتها في مرايا البئر العميقة، حيث يتجلى الفن،لتكتشف طبقات المعنى في أبجدية اللون، حتى إنها كرست حياتها للفن، وهي التي تؤكددائما أنها «تزوجت الفن» أولاً.

ليتا ذات الجذور العربية، تؤكد في حياتهاومسيرتها الفنية أنها «ابنة كوكب الأرض»، ظلت مخلصة لأطفال الشوارع المشردينواليتامى والمعذبين، وظلت وفيّة للغجر الذين يواصلون صعود جبال الحياة، ويقيمون فيتلك الأعالي احتفالية الحياة، يغنون ويرقصون بثيابهم المزركشة، على الرغم من الألمالذي يتقطر مثل ندى في زهرة أرواحهم الحرة.

رسمت ليتا أطفال الشوارع، وظلتتقرع الجرس، منبهة إلى «جرح الإنسانية» الذي لم يتوقف عن النشيد والنزيف في كل بقاعالكوكب. وفي كل أعمالها الإبداعية، سواء في لوحاتها أو منحوتاتها وقصائدها وكذلكأفلامها، بقيت الإنسانية كلمتها السرية والعلنية، و«صوتها الحركي»، وصورتها الأولى، من مشرّديشوارع برشلونة إلى الغجر والمنسيين على هامش الحياة، وعلى أرصفة الموت والألم، إلىأثر الجحيم الشخصي في روح الفنانة المكسيكية فريدا كالو، إلى الفنانين الغجر الذينرسمت وجوههم التي تتدفق منها الموسيقا.

ليتا تحفر عميقاً في المعنى. ليتاترسم الصرخة الخفية. ليتا تفتح الألوان على نشيد يقطر دموعاً. ليتا تفتح شرفةالمعنى على ألم الإنسان وعزلته وكوارثه الباطنية والحياتية، حيث الألم ينطق في عتمةالنفس البشرية. ولا تتوقف روح الفنانة والشاعرة ليتا عن الغوص في كهوف النفس،محاولة رصد الغامض وتفكيك شيفرة المتواري والخفي والمستتر. لذلك تتهيأ ليتا الآنلدخول عالم غريب وملتبس وغامض، يتمثل في رصد وكشف وقراءة عالم الإنسان المصاببالشيزوفرينيا، وكيفية تعاطيه مع الحياة والوجود.

وفي هذه التجربة الجديدةالتي تخطط لها ليتا، تتعاون مع عالم النفس، تيم كرو، الأستاذ في جامعة أكسفوردليطلعها على تفاصيل في حياة الفصامي. وكان كرو توصل إلى نظرية جديدة مثيرة للجدلتقول إن «القدرة على الكلام واللغة لدى الإنسان نتجت عن تغير طارئ لأحد «الموثات» في مخ شخص واحد عاش قبل عشرات الآلاف من السنين». كما يعتقد الدكتور كرو أن «التغيرالجيني» جعل الإنسان معرّضاً للإصابة بأمراض عقلية، من بينها الانفصاموالكآبة.

وعلى الرغم من أن عالم المصاب بالفصام العقلي شائك وغامض ومعقد،إلا أن الفنانة ليتا كابيلوت لا تتردد في سبر هذه المنطقة في عقل الإنسان وسلوكهوما يتصف به من انطوائية وعزلة وتهيؤات في الأشكال والأصوات التي تكشف انفصالالفصامي عن الحياة الواقعية.

بقلم - علي العامري