عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2010, 12:13 PM
المشاركة 338
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
أحمد فارس الشدياق

الشدياق، شخصية لم تنل حقها من الاهتمام حتى الآن في العالم العربي.
أحمد فارس الشدياق (1804-1887) صحفي لبناني كان يصدر صحيفة الجوائب في اسطنبول. هاجم أحمد عرابي ووصفة بالعاصي. من ألمع الرحالة العرب الذين سافروا إلى أوروبا خلال القرن التاسع عشر. كان الكاتب والصحفي واللغوي والمترجم الذي أصدر أول صحيفة عربية مستقلة بعنوان الجوائب مثقفا لامعا وعقلا صداميا مناوشا أيضاً.
تحول أكثر من مرة بين المسيحية والإسلام. عاش في انجلترا ومالطة.
كانت لهذا الرجل الذي عاصر فيكتور هوغووجوستاف فلوبيروإدجار ألن بووتشارلز ديكنز اتصالات بمستشرقين ومثقفين أوروبيين وكذلك بمفكرين إصلاحيين عرب. وكمتمكن بارع في اللغة العربية، متمرس بفن البلاغة وبدقائق القاموس اللغوي، فقد كان في الوقت ذاته أحد أهم مجدديها. [1]
ساهم مساهمة فعّالة في تطوير لغة صحفية حديثة منقّاة من البلاغة الزائدة. وصقل العديد من المصطلحات الحديثة مثل عبارة الإشتراكية التي أضافها إلى اللغة العربية. لقد عاش الشدياق حياة مليئة بالحركة على نحو خارق للعادة التي سنورد هنا بعضاً من جوانبهاعلى سبيل الذكر لا الحصر.


حياته
ولد فارس الشدياق في بلدة عشقوت في لبنان، من الديانة المارونية. وانتقل إلى قرية الحدث قرب بيروت 1809 وتعلم في مدرسة عين ورقة المارونية العربية والسريانية وعلوم البلاغة والمنطق واللاهوت. وتحول إلى البروتستانتية، الأمر الذي كان يعد في ذلك الزمن عملا لا يخلو من المخاطر، وقد مات أخوه مسجوناً لدى المارونيين بسبب ذلك.
وجد الشدياق نفسه إذاً مجبرا على الرحيل إلى القاهرة سنة 1825 بهدف تعليم المُنصِّرين الأمريكان اللغة العربية، وهناك تعلم اللغة والأدب والنحو والبلاغة والصرف والشعر، وعُيِّن مُحرِّرًا في صحيفة (الوقائع المصرية).
وفي العام 1834 دعاه المُنصِّرون، البعثة الكهنوتية (البريسبيتريانية) الأميركية، إلى مالطة لتعليم العربية في مدارسهم وتصحيح ما يصدر من مطبعتهم من كتب عربية، وقامت له شهرة أدبية لغوية. وعمل ابتداء من سنة 1834 مدرسا ومصححا صحفيا في مالطة لمدة 14 سنة.
وفي سنة 1848 تلقى دعوة من الجمعية اللندنية لنشر الإنجيل للقدوم إلى لندن من أجل المشاركة في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، فانتقل ليقيم في أماكن مختلفة ببريطانيا وكذلك بباريس.
طلق زوجته المصرية ليتزوج بامرأة بريطانية، الأمر الذي مكنه من الحصول على حماية القنصلية البريطانية.
وفي العام 1853 كتب قصيدة تزيد على 130 بيتًا، بعث بها مدحًا للخليفة العثماني لمناسبة انتصاره على روسيا القيصرية يقول في مطلعها:
الحقُّ يعلو والصلاح يعمرُ
والزور يُمحَق والفساد يُدمَّرُ
يا مؤمنون هو الجهاد بَادِرُوا
مُتطوِّعين إليه حتَّى تُؤجَروا
في "لن تنالوا البِرَّ حتى تُنفقِوا
مما تُحبُّون الدليلُ الأظهرُ
ومن عجب أن هذه القصيدة جاءت قبل إسلامه بأربع سنوات. وجاءت لـ "فارس الشِّدْيَاق" دعوتان من الخليفة و"باي تونس" الذي مدحه فارس الشِّدْيَاق تقديرًا لمبراته وخيراته التي وزعها على فقراء مرسيليا وباريس في أثناء زيارته لهما، ولبَّى فارس الشِّدْيَاق دعوة "الباي" وانتقل إلى تونس في العام 1857 على سفينة خاصة أرسلها إليه "الباي".
وفي تونس اعتنق فارس الشِّدْيَاق الإسلام، وتسمَّى باسم "أحمد فارس" وأُضيف إلى اسمه لقب "الشيخ" الذي اشتُهر به في الوطنين العربي والإسلامي.
ولم يَطُلْ به المقام في تونس وغادر إلى الأستانة ملبيًّا دعوة السلطان عبد المجيد، وهناك التحق بديوان الترجمة. وفي العام 1860 أنشأ صحيفة (الجوائب) سياسية أسبوعية، نالت شهرة كبيرة بين السلاطين والملوك ورؤساء الحكومات والمُفكِّرين العرب، وكانت صحيفة العرب تنقل عنها وتستشهد بها في الحديث عن سياسة الشرق.
وفي العام 1886 جاء "فارس الشِّدْيَاق" إلى مصر زائرًا بعد أن تعطلت جوانبه واحْدَوْدَب ظهره، ولكنه لم يزل على انتباهه وذكائه، ثم عاد إلى الآستانة، فكانت تلك العودة آخر أسفاره في الدنيا؛ ليبدأ رحلته إلى الآخرة في سبتمبر 1887 حين نزل به القضاء المحتوم.
إلى أي حد يستعصي تصنيف الشدياق، يتضح من الظروف التي حفت بدفنه. فبعد وفاته حصل خلاف بين الطوائف الدينية التي كانت تتنازع على أحقية تولي شؤون جنازته. وبالنهاية تم التوصل إلى اتفاق على دفنه بعد صلاة متعددة الديانات في موقع يتوسط المنطقتين المسيحية والدرزية من جبل لبنان.
رحلاته وأعماله
تتميز التجارب والانطباعات الأوروبية لفارس الشدياق بامتداد وعمق يتجاوزان إلى حد بعيد ما كان لغيره من الرحالة الآخرين. تنقل الشدياق، ضمن مختلف المهام التي كلف بها- أو في بحثه عن وظيفة ما- بين بلدان عديدة وفي ظروف مادية ومعنوية عسيرة في أغلب الأحيان.
وكانت تنقلاته تختلف كليا مثلا عن رحلة رفاعة رافع الطهطاوي الشيخ الأزهري والموظف الحكومي لاحقا، الذي جاءت إقامته في باريس ضمن إطار بعثة دراسية رسمية.
وخلافا للتقرير ذي الصبغة التوثيقية العملية لهذا الأخير جاء كتاب الشدياق الصادر سنة 1885 تحت عنوان "الساق على الساق في معرفة الفارياق " ذا طابع أدبي، وبالتالي فهو لا يعتبر وثائقياً صرفا. فقد جاء هذا العمل المهول الذي يقع في حوالي 700صفحة مقسماً إلى أربعة أجزاء قد ركز آخرها بصفة خاصة على فترة الإقامة في أوروبا، في هيئة نص يتنقل بين مختلف الأصناف الأدبية: لا هو بالرحلة في مفهومها التقليدي، ولا هو بالسيرة الذاتية الحقيقية ولا هو بالدراسة القاموسية الصرف، بل كل هذا معا.
يعرض هذا النص الذي يصور حياة بطله المسمى "الفارياق"( وهم إسم خيالي مصاغ من توليفة لشطري إسم الكاتب ولقبه كما يمكن للمرء أن يتبين ذلك بسهولة) في الوقت نفسه مناقشات فلسفية واجتماعية ووصف للأماكن التي مر بها إلى جانب تداعيات التعليقات اللغوية والأدبية.
وقد وردت الموضوعات المتنوعة لهذا العمل مصاغة غالبا في شكل نقاشات سجالية بين الفارياق والفارياقة، زوجته الذكية المثقفة والواعية. وقد جاء هذا التصوير النقدي الذي يتناول المنجزات الجديدة وكذلك الجوانب السلبية للحضارة الأوروبية الحديثة ومن ضمنها الأوضاع الاجتماعية في أوروبا أيام الثورة الصناعية، ينضح سخرية، من الآخر ومن الذات على حد سواء.
لقد كان الشدياق دون شك مثقفا محباً للمواجهة لا يبتعد عن أي نوع من المحرمات: انتقادات إنجيلية، تصويرات شهوانية مثيرة، الدفاع عن حقوق المرأة وعن الفصل بين الدين والدولة، بالإضافة إلى انتقادات لاذعة للإكليروس اللبناني ولكبار الملاّك والطائفية؛ كل ذلك كان مستفزاً للغاية في ذلك الزمن - وما يزال جزئياً إلى يومنا هذا.
ولعل بقاء الشدياق مغمورا لا يحظى بما يستحق من التقدير، يعود إلى هذا الطابع الصدامي الاستفزازي. وحتى الآن ما يزال هذا العمل الجامع الذي خلفه لا يحظى بما يليق به من التكريم.
في طلب العلم
دخل فارس الشِّدْيَاق الكُتَّاب، ويصفه مُعلِّمه بأنه لم يطالع مدة حياته كلها سوى كتاب الزبور، وكان الصغار يخرجون من الكُتَّاب كما دخلوه فلا كسبوا علمًا ولا وسعوا فهمًا.
وأفاد الشِّدْيَاق من الكتب التي كان ينسخها أبوه، ورغم أنها كتبٌ أكبرُ من سِنِّه وعقله إلا أنه كان يغالب صعوباتها بطول الصبر على قراءتها. ولما تُوفِّي أبوه وهو صغير عرف أنه لا ملجأ له بعد الله غير عمله، فعكف على النساخة واتخذها صناعة، ولكنها ـ على حد قوله ـ مهنة لا تكفي المحترف بها، ولا سيما في بلاد تقدس الدرهم والدينار.
وحببته النساخة في الكتب. وكانت له حافظة قوية وذاكرة حاضرة أعانتة بعد ذلك في الإفاضة في التأليف اللغوي واستحضار الشواهد التي لا حصر لها بأدنى جهد وأيسر كلفة.
ولم يتكبر الشِّدْيَاق على طلب العلم في أي مرحلة من عمره؛ ففي خلال إقامته بمصر 1825ـ1834 لم يجد حرجًا في أن يتتلمذ على الشاعر المصري الشيخ "محمد شهاب الدين" والأديب "نصر الله الطرابلس" الحلبي وأفاد كثيرًا من توجيهات الشيخ "رفاعة الطهطاوي" الذي أخذه معه محررًا في الوقائع المصرية، مما أزاد من حصيلته اللغوية والشعرية.
طبيعة نقدية
كان الشِّدْيَاق مُحبًّا للرحلات وقابل خلالها الملوك والمستشرقين والعلماء والشعراء ومنهم الخليفة العثماني وباي تونس والأمير المجاهد "عبد القادر الجزائري" بعدما استسلم لأعدائه الفرنسيين في العام 1847 بعد جهاد طويل.
ومما كتب عن عبد القادر:
شيئان لستُ أَطيقُ صبرًا عنهما
ذكرى هواك ومدح عبد القادرِ
هو ذلك الشَّهْمُ الذي شهدتْ له
كُلُّ البرية بالفِعَال الفاخرِ
كما التقى المستشرقين وقطع الأمل منهم وأساء الظن فيهم، كما هاجمهم في كتابه "كشف المخبا في فنون أوروبا" مؤكدًا أنهم لا يعلمون إلا القليل من العربية لأنهم لا يأخذونها عن أهلها وينسبون إليها ما ليس فيها.
وقد جرَّت طبيعة النقد عليه كثيرًا من أسباب الخصومات بينه وبين طائفة من أعلام زمانه. ويستظهر "مارون عبود" أن "فارس الشِّدْيَاق" قد انتقد القاموس المحيط لـ "الفيروز آبادي" في كتابه المُسمَّى "الجاسوس على القاموس" ليهدم كتاب "محيط المحيط" الذي اعتمد عليه "بطرس البستاني" على قاموس "الفيروز آبادي" فأصاب عصفورين بحجر واحد.
ولم يخسر الشِّدْيَاق مودة البستاني فقط، بل كان هناك أيضًا الشيخ "ناصيف اليازجي" وولده الشيخ "إبراهيم" واللغوي الشيخ "سعيد الشرتوني" والكاتب "أديب إسحاق" و"رزق الله حسون" الحلبي الذي أنشأ في لندن عام 1848 مجلة جدلية صغيرة أسماها "رجوم وغساق إلى فارس الشِّدْيَاق" وكان غرضه من إنشائها (الرد على أحمد فارس الشِّدْيَاق صاحب جريدة الجوانب لإطالة لسانه وتحريك قلمه بالسفاهة في حق رزق الله حسون).
ومن عجب أن هؤلاء الخصوم كانوا قبل ذلك يتبادلون الود والتقدير، كما أنه بعد موت نصيف اليازجي 1871 وفي نفس الشِّدْيَاق منه شيء ولكنه لم يستطع أن يسكت عن رثائه في صحيفة الجوانب.
من خصائص الأسلوب
يصف النقاد الشِّدْيَاق بأنه من كُتَّاب العرب القلائل الذين يعرفون قيمة الألفاظ وينزلونها منازلها، كما أنه: دقيق الوصف، عميق التحليل، بارع في التصوير؛ ومن ذلك وصفه لملجأ للعجزة في مالطا: "والرابع للطاعنين في السن، العاجزين عن تحصيل معاشهم، المادين لوداع الدنيا يدًا، والمُغمضين عن وزرها ونعيمها عينًا. قد أصبحوا من هذه الحياة على شفا جرف هارٍ يَعتبر بهم اللبيب، ويتعظ بهم المُستهتر في حب هذه الدنيا؛ إذ تراهم كالأغرار من الأولاد قد انحنت بهم القدود لما استوى عندهم داعي الأجل وأظلمت منهم الأبصار بعد أن أضاء منهم صبح المشيب وانحلت منهم القُوَى.. فَثَمَّ يقضون ما بقي من حياتهم بـ كان وصار".
ويكتب الشِّدْيَاق في كتابه: "الساق على الساق" عن أثر النقد في الشعر قائلاً: "على أن من نبغ في الشعر ولم يلْقَ مَن ينتقد قوله مرةً ومَن يُخطئه أخرى فلا يُمكنه أن يصل إلى مرتبة الشعراء المُجيدين ولو بقي ينظم أبياتًا ويودعها سمعه فقط لما عرف الخطأ من الصواب قط فلا يكاد أحد يُصيب إلا عن خطأ".
وعلى الرغم من رأيه في شعر المناسبات وحملته على شعرائها، فإنه قد وقع فيما كان ينتقده وجرفه تيار المناسبات وبالغ في مدح السلاطين، وكان بارعًا في المدح ومن ذلك شعره في ملك فرنسا والخليفة العثماني وباي تونس والمجاهد "عبد القادر الجزائري".
ويتحدث عنه الأستاذ حسن الزيات قائلاً: "أما شعره فأدنى رتبةً من نثره وأقل جودةً وأضعف ابتكارًا، فهو في نثره مُجدِّد وفي النظم مُقلِّد وفي كليهما بالنسبة لأهل عصره سابق مجيد.

كتبه
ويترك لنا ما يقرب من عشرين كتابًا في الدين المقارن واللغة والأدب، ويصفه الأستاذ حسن الزيات بأنه كان في الشعر والنثر بالنسبة لأهل زمانه سابق فريد.

1- سر الليال في القلب والإبدال.
2- الجاسوس على القاموس.
3- الساق على الساق في معرفة الفارياق.
4- الواسطة في معرفة أحوال أهل مالطة.
5- اللطيف في كل معنى ظريف.
6- كنز اللغات.
7- غنية الطالب ومنية الراغب.
8- الباكورة الشهية في نحو اللغة الإنكليزية.
9- سند الراوي في الصرف الفرنساوي.
10- منتهى العجب في خصائص لغة العرب.
11- المرآة في عكس التوراة
المصادر