عرض مشاركة واحدة
قديم 08-16-2011, 04:19 PM
المشاركة 1041
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سامي قفطان

صفته: اسطورة الكفاح والالم
يتمه: الاب -صغيرا
مجاله: فنان

العراق
عبدالجبار حسن*
يجمع في عمله بين الرقة والعنف والجدية الزائدة عن حدودها ويخلق دائما مع خياله واحلامه الوردية الواقع الذي يبدع فيه ومن اجله فيؤطره باطر مطرزة بالوان الابداع الممزوج بالفرح وبالحزن والالم والامل والبهجة معا.
لا يستسلم للياس مهما اوصدت ابواب الامل بوجهه فباصراره وبقوة ايمانه سيفتح اكثر من باب من حوله ومنذ نعومة اظفاره ذاقته دنياه مر الهوان بنسب لا يستطيع غيره تحملها او تقبلها عاش اليتم بالمه وفقره وحرمانه وعندما صلب عودة عمل في كل مجالات الحياة هنا وهناك لكسب لقمة العيش الشريفة حتى استقر به المقام (صانعا) في دكان الخياطة التي يمتكلها خاله في الديوانية فتعلم الكثير من تلك المهنة ولم يستقر به الحال عند واقع محدد او مشهد مرسوم فقد برع دون سابق معرفة بولوج عوالم المسرح ومدارسه القديمة والحديثة من خلال المهن المختلفة التي مارسها فهو الممثل البارع في المسرح البريشني المكشوف في اسواق باعة البسطيات والسلع القديمة .. مروجا لها بالوان مؤثرا صوته الجهوري المدرب على سرعة الايقاع والتلوين كما استطاع ان يرتقي المسرح – الاليزابيثي من اوسع ابوابه عندما راح يمرن صوته لوحده في غرف الفرق الاهلية المكشوفة والمغلقة استعدادا للمنازلات القادمة التي نجح فيها ايما نجاح وهو عند بدايات خطواته الاولى في ستينيات القرن الماضي.
وتامل الطبيعة وتعلم منها بفلسفته المتواضعة الكثير الكثير فحركت حواسه بالاتجاهات الصحيحة فركب الموجات العاتية متحديا نفسه اولا ومحيطه الذي يعيشه ثانيا.
ادرك هنريك ابن – امام الواقعية دون سابق معرفة بينها فخلط الفنان قفطان في اعماله الرمز بالواقع واطلع من خلال اساتذته الرواد في المسرح العراقي على الكثير من الاساليب والمذاهب المسرحية المختلفة دون ان يطيل الجلوس على مقاعد الدراسة فكانت الحياة هي بيته ومدرسته واصدقاؤه .. فاوفى لها وأوفت له.
انتقل الى بغداد في بدايات شبابه فابهرته بكل تفاصيلها وجمالياتها وفنونها وحفرياتها .. عشق السينما وكان زبونا وفيا وملازما لكثير من دور العرض انذاك .. فتاثر بالكثير من نجوم العرب والعالم وتمنى لو يكون واحدا منهم..
يخزن في ذاكرته حكايات وذكريات ومواقف لا تقدر بازمته معينة بل يحلق معها على الدوام وينتقي افضلها فيحوله الى فعل واقع وملموس فهو مؤدي بارع اتقن حرفة التمثيل فتجاوز حدودها بذلك الاتقان الجميل واحاط علما باغلب نظريات المسرح العالمي بكل مذاهبه واصوله دون ان يضمه معهد فني مختص او كلية.وكان الفضل الكبير في تميزه وتقدمه لاولئك الاوائل والرواد من اساتذة المسرح ومخرجيه وكتابة فهو بالاضافة الى ثقافته الشخصية وبراعته في التمثيل فقد اكتسب خبرات متراكمة على ايدي كل المبدعين من حوله امثال الفنانين ابراهيم جلال وجاسم العبودي ومحسن العزاوي وقاسم محمد وفخري العقيدي وسليم الجزائري وفي السينما تعلم الكثير من مبدعيها امثال الفنان فيصل الياسري ومحمد شكري جميل حيث عمل معهم في افلام مهمة وشبه عالمية كفيلم (النهر) و(المسالة الكبرى) و(الملك غازي) و(الراس) وغيرها من الافلام العراقية الجادة.
بدا ممثلا من مرحلة – الكومبارس – حتى وقف نجما لاحقا وممثلا عملاقا لاصعب الادوار الانسانية المركبة وفي مسرحيات عالمية وعربية ومحلية .. وبرز نجمه في مهرجانات عراقية وعربية في كل من دمشق ومصر وتونس والكويت.الفنان قفطان استطاع بصبره واصراره ان يجتاز عقبات بدايات مسيرته الصعبة وكسب رضا من حوله والتزم بكل قواعد العمل الفني الرصين كما اعتاد وعلى لسانه ذات يوم : انه كان يحضر تمارين الفرق الاهلية التي يعمل فيها لينظف المكان ويرتبه ويعد الشاي والاجواء المساعدة لاداء التمارين المسرحية اليومية.
وكان نعم الابن البار لبيته المسرحي الكبير فنال بذلك شهادة الاستاذية لبراعته ووفائه والتزامه وحضوره المميز بين اقرانه من ممثلي تلك المرحلة الابتدائية الاولى.
انضم للفرقة القومية للتمثيل واستحوذ حضوره المتميز على اغلب الادوار الرئيسة في العديد من المسرحيات المهمة والمؤثرة ذات الحضور المحلي والعربي انذاك.استوقفتني شخصيته وشكله المختلف عام 1977 وانا ازور دائرة السينما والمسرح في كرادة مريم – المسرح القومي انذاك وقد اطلق العنان للحيته فسلمنا على بعضنا سريعا ومشينا وهي المرة الاولى التي اراه حيا ومباشرا بشحمه ولحمه فاعجبت بشخصيته وعلمت بعدها ان سبب هذا التغيير هو مشاركة في فيلم (راس الملك سنطروق) لفيصل الياسري وكان اول فيلم مشترك مع ممثلين لبنانيين. تصفحت سجله المسرحي وذكرياته التي قصها علي في بعقوبة ابان (حرب الخليج الثانية 1991) ونحن نسكن معا كعائلة واحدة في مقر نقابة الفنانين فحكا لي سيرته الذاتية منذ طفولته وكان بسيطا يسهم في تفاصيل الحياة اليومية من تنظيم المكان الى طبخ الطعام بيده وكانت اروع اكلة يتقنها برايه هي (طابخ نفسه) الطبقة السهلة السلسة اللذيذة لعموم خضروات السوق الرخيصة.
وعلى صعيد المسرح المحترف فان له اعمالا لا تزال محفورة في الذاكرة ومنها مسرحيات (دون جوان) و(الطوفان) لعادل كاظم ومن اخراج الراحل ابراهيم جلال عام 1972 و (باب الفتوح) و ( شخوص واحداث من مجالس التراث وندبكم هذا المساء) ، والثلاثة من اخراج الفنان محسن العزاوي اضافة الى (مقامات ابي الورد) و(حكايات الارض والعطش والناس) لقاسم محمد كما شارك في مسرحية (الغرباء لا يشربون القهوة) و (خادم سيدين) لفخري العقيدي و(نبوخذ نصر) عام 1987 لمحسن العزاوي والسيف والطبل) لوجدي العاني.
دخل الاذاعة العراقية جنديا مكلفا وانضم الى فريق اذاعة الجيش التي اصبحت فيما بعد – اذاعة القوات المسلحة – وباشراف الفنان الراحل راسم الجميلي امر تلك المجموعة من الفنانين العراقيين البارزين وكان كما قال عنه الفنان قفطان امرا وقائدا وفنانا جادا وصادقا تعلمنا منه الكثير خاصة الجدية والالتزام رغم ان الجميلي كان بخفة دمه ومرحه يضفي نكهة على العمل الفني.
اما على صعيد السينما العراقية فان له اسهامات في افلام قديمة تعتبر بدايات لها لكن حظه كان اوفر في الفرصة الذهبية التي سنحت له في فيلم (الظامئون) مع المخرج محمد شكري جميل وعمالقة التمثيل العراقي الفنانين خليل شوقي وسلمان الجوهر وناهدة الرماح والقصة لعبد الرزاق المطلبي.
شكل ثلاثيا جميلا في تجربته المسرحية عام 1988 مع الفنانين راسم الجميلي ومحمد حسين عبدالرحيم في مسرحية (الف عافية) للكاتب عباس عبداللطيف ومن اخراجه وقدمت لعامين متواصلين على مسرح دار السلام في الاعظمية.
كما اعيدت التجربة معا في مسرحية – فلوس وعروس- عام 1991 – 1992 وعلى ذات المسرح وهي من تاليف محمد حسين عبدالرحيم وقد شاركت فيها ممثلا رئيسا ومديرا للمسرح مع سهام السبتي وانعام الربيعي والفنان مجيد فليح وجواد مطشر وزهير محمد رشيد ومنير العبيدي وكليهما الآن في استراليا.
كما كانت لي تجربة ثانية معه في مسرحية (بيت ابو هيله) لمسرح الشرطة عام 1991 كتبها جواد مطشر واخرجها سامي قفطان شاركت فيها ايضا الفنانتان سهام السبتي وانعام الربيعي والملفت للنظر في هذا العمل هو مشاركة اطفالنا جميعا نحن الفنانين المشاركين في المسرحية وكانوا بارعين ومؤدين جيدين.
ما تخزنه ذاكرتي عن هذا الفنان المبدع الكثير وما خطه قلمي هو غيض ومن فيض في صلب كالحجر الذي ينحت عليه افكاره واحلامه ومشاريعه عنيد ومثابر لا يغلق باب بوجهه حتى تراه وقد امسك بيده اكثر من مفتاح لابواب تشرع بوجهه قبل ان يقدم عليها.
يعزف على الة العود ويؤلف مفردات اغانيه بنفسه ويؤديها باتقان متى يشاء فهو يحمل عودا قديما في صندوق سيارته يحن اليه ويشكي له همومه وعتبه على زمان وظروف قاسية مر بها الوطن فلحن وكتب اغنية عن معاناة اطفال العراق ابان الحصار التسعيني الجائر وكان عنوانها (ليش) حفظها لولدي عطيل وطار سريعا الى الفنان طالب القره غولي ليساعد في تسجيلها للاذاعة لكن عمر عطيل وصغر سنه حال دون تحقيق حلمه (ليش .. مايردونا انعيش).
فهل يا ترى ما زال الفنان قفطان يتذكرها وهو على سرير الشفاء في الغربة المرة يعاني من (جلطة دماغية) خرج منها سالما والحمدالله فهل يرددها الان وعيناه تسكب الدموع حسرة على وطنه واهله واصدقائه في زمن الغربة.
وهل سيسعى المسؤولون عن حال واحوال الرعية خاصة منهم المبدعين امثال قفطان وسليمه خضير وطه علوان ومئات غيرهم من الفنانين الرواد والاوائل والشباب – للاهتمام بهم ورعايتهم قبل فوات الاوان وقبل ان تاتي اللحظة التي سنشهد فيها جميعنا وبصوت جهوري صدام انشودة الالم والغربة والمعاناة (ليش ما يردونا انعيش)؟ ام ستظل قامات المبدعين شامخة ما عاش الفنان وما وهب تذكروه انه الفنان والانسان سامي محمد قفطان.
*فنان وكاتب عراقي