عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2022, 11:33 AM
المشاركة 17
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
>>>>>

أبي القاسم وحمزَةَ بن الحسن الأصبهانيّ وأبي فتح المراغي وأبي بكر
الخوارزمي والقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجُرجاني وأبي
الحُسَين أحمد بن فارس بن زكريا القَزْويني، وأجْتلي من أنوارهم،
وأجْتني من ثِمارِهم، وأقتفي آثارَ قومٍ قد أقْفَرَتْ منهم البقاعُ وأجمع
في التآليف بين أبكارِ الأبوابِ والأوضاعِ، وعُونِ اللغاتِ والألفاظِ كما
قال أبو تمّام:

أمّا المعانِي فهي أبكارٌ إذا افـ
ـتُضَّتْ ولكنَّ القوافِيَ عُونُ*


ثم اعترضَتْني أسباب وعَرَضتْ لي أحوالٌ أدَّت إلى إطالة عِنانِ الغَيبة
عن تلك الحضرة المسعودة، والمُقامِ تحت جَناحِ الضَّرورةِ مِنَ الضَّيعة
المذكورة بِمَدْرَجَةٍ من النوائب تَصُكُّني فيها سفاتِجُ الأحْزانِ، وتُرسلُ
عليَّ شُواظًا من نارِ القُفْص الذين طَغَوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد:

ولا ثَبَاتَ على سمِّ الأساوِدِ لي
ولا قَرَارَ على زَأْرٍ مِنَ الأسدِ

إلّا أن ذِكرَ الأميرِ السيد الأوحد -أدام الله تأييده- كان هِجِّيرَايَ** في تلك
الأحوالِ، والاستظهارَ بِتَمَيُّز الاعتزَاءِ إلى خدمتِهِ شِعَارِي في تلك الأهوال،
فلم تَبْسُط النكبةُ إليَّ يَدَها إلا وقد قَبَضتَها عنّي سعادَتُه، ولم تمتدَّ بي
أيام المِحْنَة إلا وقد قصَّرَتْها عني بَرَكتُه، وكانت كُتُبُهُ الكريمةُ الواردةُ
عليَّ تكتبُ لي أمَانًا من دَهْرِي، وتُهْدِي الهدوء إلى قلبي، وإن كانت
تَسْحرُ عقلي، وتُثْقِلُ بالمِننِ ظهري، إلى أن وافق ما تفضَّل اللهُ بهِ منْ
كشفِ الغُمَّةِ، وحلِّ العقدةِ وتيسيرِ المسيرِ ورفْعِ عوائق التّعسير،
اشتمال النظامِ على ما دبَّرتُهُ من تأليف الكتاب باسمِهِ، ومشارفَة
الفَرَاغ من تشيّيد ما أسَّسته بِرَسمه، راجيًا أن يُعِيْرَهُ نَظَرَ التهذيبِ،
ويأمرَ بإجَالةِ قلمِ الإصلاحِ فيهِ، وإلحاقِ ما يَرْقَعُ خَرْقَه، ويجبرُ كَسْرَه
بحواشِيهِ، ولمّا عاودتُ رُواقَ العِزِّ واليُمن من حضرتِهِ، وراجعتُ رُوحَ
الحياة ونسيمَ العيشِ بخدمتِهِ، وجاوزتُ بحر الشَّرفِ والأدب من
عالي مجلسه - أدام الله أنْسَ الفضل به - فتح لي إقبالُهُ رِتاجَ*** التّخَيُّر،
وأزهرَ لي قربُهُ سِراجَ التَّبَصُّر في استتمام الكتاب، وتقريرِ الأبوابِ،
فبلغت بها الثلاثين على مَهَلٍ ورَويَّةٍ، وضمَّنْتُها من الفصولِ ما يُناهِزُ
ستَّمئة فصل. وهذا ثَبَتُ الأبواب:

*العون: جمع عوان، وهي المتوسطة في السن، وهي التي ولدت مرة بعد
مرة، أي أن القوافي يشترك فيها الشعراء، أو أن الشعر قد قيل في السالف
من الآباد، والناس في قوله مشتركون، فأبياته عون لذلك، ديوان أبي تمام
3/330-331.
**هجيراي: عادتي ودأبي.
***الرتاج: الباب المغلق، وفي فقه اللغة: الرتاج: الباب العظيم ص 50.

>>>>>