عرض مشاركة واحدة
قديم 10-17-2022, 11:22 AM
المشاركة 15
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
>>>>>

وأعود -أدام اللهُ تأييدَ الأميرِ السَّيّدِ الأوحدِ- لِما افتتحت لهُ
رسالتي هذه فأقولُ: إنّي ما عَدَلْتُ بمؤلّفاتي إلى هذه الغاية
عن اسمِهِ ورسمِهِ، إخْلالًا بما يلزَمُني مِنْ حَقِّ سُؤْدَدِهِ، بل إجلالًا
له عمّا لا أرضاه للمرور بسمعِهِ ولحظه، وتَحَامِيًا لِعَرضِ بضاعتي
المُزْجَاةِ على قوة نَقدِهِ، وَذَهَابًا بنفسي عنْ أن أهدِي للشمسِ
ضوءًا أو أن أزيدَ في القمرِ نورًا، فأكونَ كجَالِبِ المِسكِ إلى أرْضِ
التُّركِ، أو العُود إلى بلاد الهنود، أو العَنْبر إلى البحر الأخضر.
وقد كانت تجري في مجلسِهِ -آنسه الله- نُكَتٌ من أقاويل أئمَّة
الأدب في أسرار اللغة وجَوَامِعِها ولطائِفِها وخصائِصها، مما لم
يتنبَّهوا لجمع شمله ولم يتوصَّلوا إلى نظمِ عِقْدِهِ، وإنّما اتَّجهتْ
لهم في أثناءِ التأليفاتِ، وتَضَاعيف التصنيفات لُمَعٌ يسيرة
كالتوقيعاتِ، وفِقَرٌ خفيفة كالإشارات، فيُلَوِّح لي -أدام الله دولته-
بالبحث عن أمثالِهَا وتحصيل أخواتِها وتَذْييلِ ما يتّصلُ بها
ويَنْخَرِطُ في سِلكها وكسر دَفترٍ جامعٍ عليها وإعطائِها من النِّيقة*
حَقَّها. وأنا ألوذُ بأكنافِ المُحُاجَزَةِ وأحُومُ حولَ المدافعةِ، وأرْعَى
رَوْضَ المُماطلة! لا تهاوُنًا بأمره الذي أراهُ كالمكتوبات، ولا أُميّزه
عن المفروضاتِ، ولكِنْ تَفَادِيًا من قُصُور سَهمي عن هَدَفِ إرادَتِهِ
وانْحرافًا عن الثّقة بنفسي في عملِ ما يَصْلُحُ لِخِدمتِهِ، إلى أن
اتَّفَقَتْ لي في بعضِ الأيامِ التي هِيَ أعيادُ دهري وأعيانُ عُمْرِي
مُوَاكَبَة القمرين بمُسَايَرَة رِكابِهِ، ومُوَاصَلَةِ السعدَيْن بصلة جنابِهِ
في مُتَوجَّههِ إلى فَيْروزأبادِ إحدى قُراهُ من الشاميات ومنها إلى
(خُذاي داذ) عَمَّرها الله بدوامِ عمره، فلمّا:

أخذْنا بأطْرافِ الأحاديثِ بَيْنَنا
وسَالتْ بأعناقِ الجيادِ الأباطحُ**


وعُدنا للعادةِ عند الإلتقاء في تَجاذُب أهدابِ الآدابِ، وفَتْقِ نوافجِ***
الأخبار والأشعار، أفْضَتْ بنا شجونُ**** الحديثِ إلى هذا الكتابِ
المذكورِ، وكونِه شريفَ الموضوعِ أنِيقَ المسموعِ، إذا خرج من العَدَمِ
إلى الوجودِ، فأَحَلتُ في تأليفِهِ على بعضِ حاشِيتِهِ من أهلِ الأدبِ،
إذا أعاره -أدام الله قُدرتَهُ- لمحةً من هدايتِهِ وأمدَّهُ بشُعبةٍ من
عنايتِهِ، فقال لي، صدّقَ اللهُ قولَهُ، ولا أعدمَ الدنيا جماله وطَوْلَه
كما أذاقَ العِدا بأسَهُ وصَولَهُ: إنك إن أخَذْتَ فيه أجدتَ وأحسنتَ،
وليس له إلا أنتَ، فقلت له: سَمْعًا سَمعًا، ولم أسْتَجِزْ لأمره دَفعًا، بل
تَلَقّيْتُهُ باليدين، ووضعتُهُ على الرأسِ والعين. وعاد -أدام الله تمكينه-
إلى البلدة عَوْدَ الحُليِّ إلى العاطلِ***** والغيثِ إلى الرَّوض

*وفي لسان العرب: النّيقة: من النّيوق. تنوق فلانٌ في مطعمه
وملبسه وأموره، إذا تجوّد وبالغَ.
**الرواية الموثوق بها بأعناق المطي بدل الجياد.
***النوافج: أوعية المسك، وقيل النوافج السُّحب الغزيرة، والأول المراد هنا.
****الشجون: جمع شجن بسكون الجيم الطريق وبفتحة الحزن.
*****العاطل: المرأة غير المتزينة.

>>>>>