عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-2022, 05:18 PM
المشاركة 12
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
>>>>>


من مُلَحٍ* تَمْتَزِجُ بأجْزاءِ النُّفُوس لِنَفاستها وتَشرَبُ القلوب لِسَلَاسَتها:

قَوافٍ إذا مَا رَوَاها المَشُو
قُ هزّتْ لها الغانياتُ القُدُودَا

كَسَونَ عبيدًا ثيابَ العَبيدِ
وأضْحَى لبيدٌ لَدَيْها بَلِيدَا

وأيْمُ اللهِ ما مِنْ يومٍ أسعفني فيه الزمانُ بمواجهةِ وجهِهِ، وأسعدني
بالاقتباسِ مِن نُورِهِ، والاغْتِرافِ من بَحرِهِ، فشاهدتُ ثمارَ المجدِ والسؤدُدِ
تَنْتَثِرُ مِنْ شَمَائِلِهِ، ورأيتُ فضائِلَ أفراد الدَّهرِ عِيالًا على فضائِلِهِ، وقرأت
نُسخَةَ الكَرَمِ والفَضْلِ من ألحاظهِ، وانتَبَهْتُ فرائِدَ الفوائِدِ من ألفاظِهِ
إلا تذكّرتُ ما أنْشَدَنِيهِ أدام اللهُ تأييدَهُ، لعلي بن الرومي:

لولا عجائبُ صُنْعِ اللهِ ما نَبَتَتْ
تلكَ الفَضائِلُ في لحمٍ ولا عَصَبِ


وأنشَدتُ فيما بَيني وبين نفسي وردَّدتُ قولَ الطائِيّ:


فلوْ صَوَّرتَ نَفسكَ لمْ تَزِدْها
على ما فِيكَ مِنْ كَرَمِ الطِّباعِ


وثَلَّثتُ بقول كُشَاجِم:

ما كانَ أَحْوَجَ ذَا الكَمال إلَى
عَيْبٍ يُوَقِّيهِ مِنَ العَيْنِ

وربَّعْتُ بقول المتنبي:

فإن تَفُقِ الأنامَ وأنتَ منهمْ
فإنَّ المِسْكَ بعضُ دَمِ الغَزَالِ

ثمَّ اسْتَعَرْتُ فيه لسانَ أبي إسحاقَ الصَّابي حيثُ قالَ للصَّاحِبِ، ورَّثه
اللهُ أعمارَهُما كما وَرَّثَه في البلاغةِ أقدارَهُما:

اللهُ حسبي فيكَ مِنْ كلِّ مَا
يُعَوِّذُ العبدُ بِهِ المَولَى**

ولا تَزَلْ تَرفُلُ في نِعْمَةٍ
أنتَ بِها من غيركَ الأَوْلَى


وما أنسَ لا أنسَ أيامي عنده بفيروزأباد إحدى قراه برُسْتَاق جُوَين
سقاها الله ما يَحْكي أخلاقَ صاحِبِها من سَيل القَطرِ فإنها كانت
بطلعته البدريَّة، وعشرته العِطريَّة، وآدابِه العلْويَّة، وألفاظه اللؤلؤيةِ،
مع جلائلِ إنعامه المذكورة، ودقائق إكرامِهِ المشكورَةِ، وفوائد مجالسه
المعمورةِ، ومحاسن أقوالِهِ وأفعالِهِ التي يَعيا بها الواصفون أُنْمُوذَجاتٍ***
من الجنّة التي وُعِدَ المتّقُون، فإذا تذكرتُها في تلك المرابعِ التي هي
مراتعُ النواظِرِ والمصانِعِ التي هي مطالعُ العَيشِ النَّاضِرِ، والبَساتينِ التي
إذا أُخِذَتْ بَدائعُ زَخَارِفِهَا، ونُشِرَتْ طرائفُ مَطارِفِها، طُوِيَ لها الديباجُ
الخُسرَواني**** ونُفيَ معها


*الملح: الطرف والفكاهات.
**يعوذ الخ: التعويذ التحصين، وعوذه الله حصنه به، وتعوذ بالله
طلب منه الوقاية.
***الأنموذج ونموذج ونماذج وأنموذجات: المثل من الشيء، والكلمة
ليست عربية بل فارسية معربة.
****الديباج: الحرير، والخسواني نسبة إلى بلد فارسي اشتهر بحريره.


>>>>>