عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2022, 11:47 AM
المشاركة 104
موسى المحمود
كاتب فلسطيني مميز

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حينما كنتُ طفلة
إذا أردت الرجوع لإحساس السلام فخالط الأطفال الذين يحملون قلوباً ناصعة البياض، حاول أن تجاريهم في لعبة ابتدعوها لأنفسهم، أو في تمثيلية طاهرة تفوح من مشاهدها رائحة الحب الصّافي الذي لم تعكّر صفوهُ مصالح الكبار، الصغار يكبرون، لكن الذكريات التي هي جزءٌ من حياتهم لا تكبر، لا تشيخ ولا تموت. ولكنّ الصغائر التي تُسمّى بأسماءٍ كثيرة اليوم، أفسدت نقاء تلك القلوب الصغيرة. عندما زرت بلادي قبل أكثر من عشرين عامٍ كنت أجوب شوارع بلدتي الصغيرة من أعلى التلّ إلى جامع البلد قرب المقبرة، وكنت في كل خطوة أحب أهلها أكثر، أشعرُ بدفء قلوبهم، وأستشْعِرُ صدق محبتهم، بيوتهم كانت بيوتي، ألعب أقفز أضحك أبكي أركض أركض أركض…أقطفُ عنباً من حاكورة أبو فلان وتيناً من بستان أبو علّان، وأقشّرُ صبراً من أية خلّة تعجبني، وأحتضن الأرض أمّي، ولا أخافُ أين ومتى أنام. كنت فخوراً بهم فهؤلاء هم الصابرون الثابتون رغم ظلم الإحتلال وغطرسته، وكان لي أصدقاءٌ جمعتُ قلوبهم من أزقة البلدة، ومن وديانها وتلالها ومن قطوف دواليها المتمدّدةِ على وجه الأرض، جمعت قلوبهم من ظلال كروم الزيتون ومن مرتفعات اللوز الشامخ، أصدقاء بلا أسماء، بلا حمائل وعشائر، فقط أصدقاء.
وبعد أن كبرت، تعثرت روحي بقلوبٍ قد تيبست من جفاء وعيونٍ قد فقدت بريقها جرّاء العصبية وحبُّ الذّات، أيها الزمن لو تعيدها لي لحظة، تلك الطفولة، لو تصبّ لنا كأس شاي لنشربها في ظل خرّوبتنا الكبيرة، وخذ ما شئت من التين والزيتون واحمل ما شئت معك من الكواشين وأوراق الطابو، أو إن شئتَ خُذ روحي بعدها..ولا تسترجع طفولتنا..