الموضوع: المركا
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-07-2017, 04:28 PM
المشاركة 13
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قراءة معمقة في قصة " المركا " :

" لقد حدث ذلك, في يوم مغبر اختفت كلها, كل المراكي من جميع أرجاء القبيلة, لم يستطع الشيخ فادي تصديق ذلك, وشعر بسبب ذلك بالعار حينما أتاه ضيوف من قبيلة أخرى.. قرر مؤقتا إحضار كراسٍ بدلا من ذلك, ولكنه شعر بإهانة شديدة حينما زاره شيخ قبيلة أخرى, فلقد أصيب الضيف بموجة ضحك مستمرة حتى ذهابه, وبقيت أصداء ضحكاته تتردد لعدة أيام من خلف الكثبان. ".

- لا شك ان القاص مبارك الحمود اختار على ما يبدو في كتابة هذا النص اسلوب تقليدي يعالج حدث واقعي ولو بادوات سحرية. فلا نجد هنا عملاق للنسمات ولا بوابة سماوية ولا سكة قطار، ولا احداث من ذلك القبيل الخيالي الواسع التي ضمنها قصته " التهويدة" مثلا.
وانما نجده يتحدث عن شيخ قبيله اسمه فادي، يتعرض لموقف جلب له ولقبيلته العار ، خاصة حينما زاره شيخ قبيلة اخرى.
وهذا الموقف يتمثل في فقدان احد طقوس الضيافة التقليدية لدى القبيلة، وحلول طقس حداثي محله، رغما عن إرادة شيخ القبيلة.
وذلك يتمثل في اختفاء "المراكي" دون معرفة كيف ولماذا والي اين ؟ مما اضطر شيخ القبيلة الى استخدام الكراسي بدل المراكي مما جلب له العار عند شيوخ القبائل الاخرى. وكان ذلك مصدر تندر عند الاخرين ؟

وعلى الرغم ان القاص قد اختار بيئة مألوفة للأحداث وهي مضارب قبيلة مألوفة أيضاً، عرفنا ان شيخها اسمه فادي، نجده قد ضمن عتبة النص جرعة هائلة من التشويق والإثارة والغموض وكأننا بصدد مسلسل بوليسي.

وياتي كل ذلك من تسلسل الاحداث وغموضها وما تسببت به من تبعات . فهو يتحدث عن حدث درامي حاد القوة ، يوحي بصراع غامض، لكنه مهول في طبيعته ، أدى الى اختفاء جميع المراكي من كل أنحاء القبيلة، فجأة ودون مقدمات وفي يوم مغبر، ودون توضيح من وكيف ولماذا والي اين اختفت تلك المراكي؟

حتى ان شيخ القبيلة فادي نفسه لم يصدق كيف حدث ذلك واشعره بالعار والدهشة. لكن ذلك لم يكن اخر المطاف ، فقد تسبب ذلك الحدث له بإهانة شديدة حينما زاره شيخ قبيلة اخرى، فكان حدث اختفاء المراكي من تلك القبيلة سببا لتندر الشيخ الضيف على شيخ القبيلة فادي ، لانه استبدل المراكي، بالكراسي، فكانت ضحكته مزلزلة ظل لها صدى لمدة زمنية طويلة من خلف الكثبان الرملية .

وواضح ان القاص لم يختر ان يكون اليوم مغبرا، الا لرفع درجة التشويق الى اقصى حد ، وحتى يضفي على الحدث مزيدا من الغموض والإثارة، حيث ان مثل ذلك المشهد الذي أجاد القاص في رسمة يوحي باحتمالات كثيرة لم يصرح بها القاص لكن المتلقي يستشفها من ذلك الجو المغبر. وهذه تحسب للقاص حيث انه يورط المتلقي في النص بقوة ويجعل له دورا خفيا في استنباط مجريات الاحداث، ويؤشر انه يختار كلماته بعناية فائقة كالرسام الذي يتحكم في درجة اللون.

ولا شك ان استخدام مفردات مثل ( مغبر ، اختفت، كل المراكي، من جميع أرجاء، حدث صعب التصديق، الشعور بالعار، الشعور بإهانة شديدة ، موجة ضحك مستمرة، أصداء ضحكاته، تتردد، الكثبان ) كل هذه المعاني اعطت عتبة النص اعلى حد ممكن من الإثارة والتشويق والدرامية ، وبالتالي الشد والجذب عند المتلقي، الذي يجد نفسه وقد تورط في الحدث بقوة، ويريد ان يعرف بنفسه الاجابة على كل تلك الأسئلة حول ما جرى للمراكي وكيف وأين الخ ؟!

ويلاحظ ان القاص قد ضمن هذه الفقرة بعض عناصر التأثير البلاغي. فالحدث يعني الحركة ، والاختفاء يوحي ايضاء بالحركة. والمعروف ان الحركة هي احد العناصر التي تجعل النص حيا وبالغ التأثير.

واستخدام كلمة (يوم ) يعني تضمين النص رقم والأرقام لغة الكون ولها اثر كبير على المتلقي.
كما ان كلمة ( أتاه ) تعني مزيد من الحركة.
أيضاً شعور شيخ القبيلة ( بالعار، والإهانة ) يحرك مشاعر المتلقي تجاه الحدث.
اماا كلمات ( زاره ، وذهابه ) فتوحي بمزيد من الحركة. وهنا يسخر القاص أيضاً احد اهم عناصر التأثير على الدماغ وهو التضاد، خاصة انه يضيف كلمة بقيت والبقاء ضد الذهاب أيضاً.
وفي كلمتي ( الضحك ، والصدى ) تسخير اخر للتضاد.
وكلمات ( عدة ايام ) يعني ذكر مزيد من الأرقام التي هي لغة الكون.
وذكر من ( خلف الكثبان ) مشهد تصويري لمقطع من مكان وقوع الحدث وهو الصحراء، يفتح الباب لخيال المتلقي الواسع.
وفي استخدام كلمة ( الضحك ) استثارة لحاسة الذوق عند المتلقي.

وكل هذه العناصر تجعل لعتبة النص وقع شديد على المتلقي. وحتما نجح القاص في جعل عتبة النص نقطة جذب هائلة للمتلقي لكي يكمل قراءته وهو يأمل ان يتعرف على سر اختفاء المراكي.
يتبع ..