عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
1710
 
آدم داودي
من آل منابر ثقافية

آدم داودي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Jun 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16155
06-22-2020, 07:18 PM
المشاركة 1
06-22-2020, 07:18 PM
المشاركة 1
افتراضي الأسدان أسامة وحمزة
الأسدان أسامة وحمزة
سقطت من عينيه قطرات الدموع تحمل بين طياتها مشاعر الأسى والحزن والكآبة والتذمر والاستسلام. جلس أسامة تحت ضوء القمر في ليلة باردة غائمة, كأن الدنيا حزنت لحزنه. راح يفكر، عفوا, فهو لا يستطيع التفكير الآن.. هو في حالة تجعل من الإنسان يقدم على الانتحار إن كان ضعيف الإيمان, فروحه سجينة في قفص من الأفكار السلبية, وقلبه المنفطر يحس وكأنه توقف عن النبض.أحس أسامة وكأن ثقل الدنيا على رأسه، أحس وكأنه في فراغ موحش، في زاوية من زوايا العدم, اسودت الدنيا في عينيه كمن يرقد في قبر ينتظر المجهول... نعم فَقْدُ الأب مصيبة كبرى لكن هذا قدر الله من الواجب تحمله... لكن ياحبذا لو توقف الأمر عند هذا الحد، فالأب قد ترك دينا مستحقا ينبغي سداده وإخوة صغارا يحتاجون للرعاية، وأما مصدومة لا تعرف من أمور الدنيا إلا شغل البيت... وكل تركة الأب دكان تملأه بعض المعدات المتواضعة لصناعة وتصليح الأحذية، وأسامة مازال تلميذا يخطو خطوته الأخيرة نحو الجامعة.
كان الوالد قيد حياته إسكافيا عاملا قانعا بما رزقه الله، يعيش يومه ويحرص على تربية أبنائه ودائم التحدث عن الرزق الحلال. كان غرسه مثمرا في أسامة فهو تلميذ مجتهد يحلم بحيازة العلم بين يديه حتى يفرح والديه.
استفاق أسامة من غيبوبتك الفكرية وهو لا يستطيع أن يحدد ملامح مستقبل أسرته التي أصبحت بلا عائل يعولها. وهو على هذه الحالة لم يتوقف رنين آية قرآنية في أذنه كان يرددها الوالد قيد حياته "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ". فالوالد كان يحمل في صدره القرآن الكريم كاملا وكان يُحفِّظه للطلبة الصغار حينما كان إماما بأحد مساجد الجبل قبل أن يستقر به الحال في هذه المدينة الصغيرة فاشترى دكانا وعمل فيه طيلة حياته إسكافيا.
أسئلة كثيرة تتزاحم في ذهن أسامة هل يترك دراسته ليعول أسرته التي تقطعت بها السبل؟ خصوصا وأنه يجيد صناعة الأحذية فلقد كان يصاحب أباه ويتعلم عنه مذ أن كان صغيرا. لكن أين أحلام الدراسة؟ أيحق له بعد كل هذا المسار المتميز أن يستسلم بهذه السهولة؟ وما عساه يفعل والبيت لا يحوي كسرة خبر.
تضاربت الأفكار في ذهن الأسد حتى استسلم في خضوع تام لفكرة الانقطاع وقلبه يتقطع أسى وحزنا على عدم إكمال دراسته.
التحق أسامة بالدكان ففتحه على بركة الله فوجد تعاطفا كبيرا من أهل الحي يسندونه ويثنون عليه، إذ استطاع أن يتحمل مسؤولية أسرته في سن مبكرة، وقاد السفينة بعزم وحزم واقتدار، فقضى دين أبيه، ولم يترك أسرته عرضة للجوع والتسول والضياع، وأمضى سنة كاملة في دوام تام من قبل طلوع الشمس إلى غروبها، ونسي شبابه وأحلامه، وتحمل المسؤولية قبل أوانها حتى طرق البيت ذات مساء طارق خير، فتح أسامة الباب وإذا برجل يعانقه معزيا ومترحما على والده. من هذا الذي يعزيني في والدي بعد مرور سنة كاملة هكذا تساءل أسامة في نفسه. ينظر إليه فإذا به رجل تبدو عليه علامات الترف من خلال لباسه وسيارته، وأمام ذهول أسامة، وقد لاحظ عليه الرجل ذلك، فقال له لا بأس أقدر شعورك فأنت لا تعرفني أنا حمزة، فرحب به أسامة وأدخله إلى البيت. ما إن جلس الرجل حتى أخذ في تعداد مناقب الشيخ عبد الباقي رضا قائلا لأسامة اعلم يا ولدي أن أباك ليس لك وحدك، صحيح أني تأخرت كثيرا، ولكن بحكم عملي وظروف السفر لم أسمع بالخبر إلا مؤخرا، والآن ينبغي أن تعلم أن الشيخ عبد الباقي رضا رحمه الله كان والدي بكل ما للكلمة من معنى. أنظر إلى ذلك الجبل أو تراه، فهناك علمني والدك ورباني أطعمني وسقاني وآواني إذ كنت يتيما تتقاذفه الأيدي من كفيل إلى كفيل حتى استقر بي المقام في بيتكم، ساعتها كنت أنت وإخوتك في عالم الغيب، والآن ها قد منّ الله علي بخيره وفضله، وبسطت الدنيا خيرها في يدي، فلا تحملن همّا ماديا بعد اليوم. فقال أسامة لا ياعمي فالحال مستورة والحمد لله. فوقف الرجل غاضبا ومقاطعا أين دراستك؟ أين أحلامك؟ أين مستقبلك الذي كنت تحلم به؟ اسمع، هذا أمر ، من الآن عد إلى دراستك، وفكر في مستقبلك، وارجع إلى شبابك الذي اغتصبه منك القدر قبل الأوان. ورجاء لا تناقشني في هذا ولا تحمل همّ تكاليف هذه الحياة الرخيصة، ولا تخجل من هذا فما تراني أفعله الآن هو دين في رقبتي لأبيك وليس تفضلا ومنّة.
لحظتها تبسمت أسارير وجه أسامة ضاحكة، وعاد إليه شبابه، وقفرت الفرحة من عينيه رغم امتلائهما بالدموع. وهنالك تذكر الآية القرآنية التي كان يرددها الشيخ عبد الباقي رضا رحمه الله "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ".