عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
2

المشاهدات
1513
 
عبد الله بوامهيم
من آل منابر ثقافية

عبد الله بوامهيم is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
6

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Jun 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16153
06-19-2020, 11:13 PM
المشاركة 1
06-19-2020, 11:13 PM
المشاركة 1
افتراضي بعيدا عن صخب كورونا
بعيدا عن صخب كورونا
قبيل انفلاق الصبح، استفاق إبراهيم على صيحة الديك الذي ما فتئ يوقظه لصلاة الفجر، فهو يحافظ على إقامتها منذ نعومة أظافره. يغادر مضجعه بخطى متثاقلة صوب الرف المعهود حيث اعتاد أن يضع الشمعة البيضاء لونها، في ظلام دامس، وبالقرب من زاوية الباب، يتحسس وجود الولاعة والشمعة. تقع يده على الولاعة فيضغط على مقدمتها فينبعث منها نور خافت والظلام يهاجمها من كل حدب وصوب. تنطفئ الولاعة فيعيد الكرة وأخيرا يجد شمعة تآكل نصفها العلوي ولم يتبق منها سوى مقدار أصبعين أو ثلاثة، يتوسطها خيط أبيض مائل الرأس يبدو عليه أن حرارة اللهب أبت إلا أن تركعه. تحسسها في لين وعطف، أما الولاعة فقد ملت الانتظار على يده اليمنى فانطفأت، فضغط عليها مرة أخرى، فهبت مشتعلة وتطايرت شرارة من ثغرها وتسلقت بجدار الخيط. وضع إبراهيم الولاعة في مكانها وغادر الغرفة في صمت موحش لا يسمع فيه إلا قرع نعله الجلدي.
أعد فطوره في طمأنينة وتأن على نغمات صوت الحمام الذي ينقر على نافذته الخشبية نقرا خفيفا متواليا، فطوره المعتاد، كسرة من الخبز اليابس مع القليل من الشاي. بعد انفلاق الصبح انبعثت خيوط النور المشعة إلى الأرض معلنة بداية يوم جديد بعد أن مات الظلام في بطء شديد ساعتها حمل السيد إبراهيم من المؤونة ما يكفيه ليوم كامل؛ رغيف من الخبز اليابس وقارورة من الماء، فهناك على سفح الجبل ينتظره يوم طويل وشاق.
هاهو إبراهيم ينطلق بثيابه الرثة الممزقة وحذائه الجلدي المتآكل القديم يحمل على ظهره محفظة أكل الدهر عليها وشرب، وبيمينه عصا يهش بها على غنمه ويبعد بها الكلاب الضالة كلما باغتت رعيته.
يفتح باب الحضيرة فتزدحم قطعان الماعز على مدخل الباب الخشبي ازدحاما شديدا يتقدم قطيعه البالغ عدده ما يقرب المائة رأس هناك على الجبل يكتب ابراهيم أبجدية وجوده بجلبابه البني يقرأ لغة الأشجار ويتجسس على لغة العصافير وهو يتأمل التضاريس المحيطة به مناظر تبعث في الروح النشوة والحياة بعيدا عن صخب الكورونا وما يرافقها من حجر وحضر.
يموت ضوء النهار في بطء شديد ويهش ابراهيم على غنمه باتجاه البيت وقد خارت قواه. وقبل غروب الشمس بلحظات يوصل الراعي ابراهيم أغنامه جوار البيت وقد تورمت قدماه. يسقط قرص الشمس وراء الجبل في ذلك اللامتناهي فيحل الظلام على عجلة يغطي أهل الأرض.
في الداخل يشعل ابراهيم النار ليستدفئ بها وهو يتأمل سقف البيت المتآكلة أعمدته وطلاؤه الأسود الطبيعي...
يتجه صوب أغنامه يزيح بعض الأغصان اليابسة التي تعترض طريقه يستدير على حين غفلة فيمسك بواحدة من حديثي الولادة فيحلبها حتى يمتلئ الوعاء يضعه على النار ثم ينتظر لدقائق معدودة ليفرغه في كأس يملأ الحليب نصفه السفلي فيما يشغل الضوء الخافت المنبعث من النار نصفه الثاني ثم يحتسيه في صمت رهيب يجلس وحيدا يناجي الظلام ويتأمل النار وهي تلتهم الأغصان التهاما، فيما هو يتجرع مذاق الوحدة يتسلل إلى مخيلته جزء من التشاؤم بخصوص عزلته، فيحدث نفسه بصوت جهور أليست وحدتي هذه خير من عزلة كورونا، ودونما انتظار الجواب اتجه نحو فراشه تاركا النار وحيدة هناك تضيء طريق الحشرات فهذه نملة تحمل حبة شعير أثقلت كهلها متجهة نحو جحرها، وهذه عنكبوت تتسلق عرض الحائط تتجه نحو السقف حيث مقر سكنها .
اتجه إلى سرير خشبي وفراش الصوف الذي مازال يذكره بجدته المتوفية التي حاكته. هناك بالضبط يجالس ابراهيم الوحدة ويجاورها بعيدا عن الخلق وعن صفاتهم الذميمة، هناك تعلم الصمت ومناجاة الذات، فهو يؤمن تمام الإيمان بأن مهنته مهنة الأنبياء والعظماء فالأنبياء رعوا الغنم ثم قادوا الأمم فلعل هذه المهنة من حسناتها الواضحة للعيان حاليا أنها أبعدته عن كورونا وعن قبح أفعالها. استلقى على ظهره ومن شدة التعب ما لبث أن عفا ونام.