عرض مشاركة واحدة
قديم 07-01-2014, 04:28 PM
المشاركة 1181
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن



-أفي رواية "اعترافات كاتم صوت سنجد أن مؤنس الرزاز يستخدم تقنية مألوفة في الرواية المعاصرة، أي تلك التقنية التي يوزع فيها المؤلف الكلام على المتكلمين بطريقة غير منظمة دون أن يعمد على إدارة الحوار بينهم.
- فعندما يتكلم الأب في الرواية يكتفي بالحوار مع نفسه، وكذلك تفعل الأم والابنة الصغيرة في الإقامة الجبرية حيث تعيد الشخصيات أنتاج إحساسها بالعزلة والصمت.
- ومن هنا يأخذ عنوان القسم الأول من الرواية "مدارات الصدى" دلالته المحورية، إذ أن الصدى يحل محل الصوت في غياب أي تبادل حواري بين الشخصيات.
- من جهة أخرى يمكن القول إن هذا القسم من الرواية مبني استنادا إلى أسلوب زوايا النظر، ولكنها هنا زوايا نظر تخص أحداثا متعددة لا حدثا أو موقفا روائيا بعينه.
- وهو أسلوب يفيد في تقليب معنى الفعل أو الحدث على وجوه متعددة بتمريرها في منشور تكون وجوهه شخصيات عديدة.
- وهكذا يتحلل الفعل إلى زوايا نظر تمثل الأب والأم والابنة الصغيرة والملازم والراوي.
- تقوم الابنة بتدشين النص إذ تصف مشهد العزلة.
- إن الأبطال التراجيديين الثلاثة (الأب والأم والابنة) يغرقون في العزلة والصمت رغم وجودهم معا في بيت الاقامة الجبرية.
- ولا تتواصل العائلة المسجونة مع العالم الخارجي إلا عندما يتصل الابن من الخارج في يوم محدد من أيام الأسبوع.
- ويشكل التواصل المتقطع مع العالم الخارجي تمهيدا لانتقال الرواية من الحديث عن شخصيات الاقامة الجبرية إلى الحديث عن اعترافات يوسف/ كاتم الصوت.
- وما كان ممكنا لولا حركة الانتقال الذكية (من بيت العزلة إلى العالم الخارجي) تشريح أعماق القاتل/ كاتم الصوت الذي يحتل بؤرة العمل الروائي.
- تبدأ "اعترافات كاتم صوت" بمونولوج الابن، ويلخص هذا المونولوج ظروف الاقامة الجبرية، ثم يقوم الأب والأم بجلاء شروط هذه الاقامة ويوضحان قسمات المكان المستباح بأعين الحرس.
- كما نتبين من سياق الحوارات الداخلية للشخصيات أن الأب كان مسؤولا كبيرا في السلطة التي اعتقلته.
- وتتوضح في هذه الحوارات بعض خيوط حياة هذه الشخصيات حيث يتعرف القارئ على تاريخ الأب المناضل الذي وصل حزبه إلى السلطة ثم اختلف معه فزج به في الاقامة الجبرية، وعلى تاريخ الأم التي أحبت الأب وتزوجته إعجابا به وبأفكاره السياسية.
- القسم الخاص بـ"اعترافات كاتم الصوت" يشكل المادة الأساسية في العمل، وليست الأقسام الأخرى سوى وسائل لايضاح الظروف المحيطة والانتقال إلى لحظة الاعتراف.
- ومن هنا يستخدم الكاتب في هذا القسم ضمير المتكلم موحيا بالبعد الحميم من أبعاد الاعتراف والبوح الداخلي.
- إن الصفحات (51-70) هي جملة اعتراف متصلة يقوم يوسف من خلالها بتحليل وظيفته ككاتم للأصوات شارحا لنا الأسباب التي جعلته يمتهن هذه الوظيفة.
- ويبدو المؤلف وكأنه يفرد الفضاء السردي لاعتراف كاتم الصوت عبر مونولوج طويل يتحدث فيه يوسف لسيلفيا التي استأجرها ليسرد لها اعترافاته. لكن سيلفيا لا تسمع بل تقرأ حركات الشفاه، وبما أن شارب يوسف عريض يغطي شفتيه فإنها لا تعرف عم يتحدث!
- نقبض في لحظة الاعتراف إذا على المفارقة الساخرة التي تغلف فضاء النص.
- ونحن في البداية نظن أن كاتم الصوت وحده هو الذي يجهر بصوته، وعندما نتقدم في النص نكتشف أن الطرف الذي يفترض أن يسمع الاعتراف يعاني من الصمم.
- لكن المفارقة الكبرى تتمثل في كون كاتم الصوت نفسه لا يدرك أن سيلفيا لا تسمعه.
- بهذا المعنى تطابق اللعبة السردية، التي يتوسلها الكاتب، بين صوت يوسف ومسدسه الكاتم للصوت.
- وهكذا فان الإيهام السردي، من خلال الإيحاء بالحميمية وتحقق لحظة الاعتراف وتحويل ما نسميه بالسامع الضمني إلى صورته المادية الملموسة في النص الروائي، هو وسيلة لتقليص الفعالية التي يحققها بروز ضمير المتكلم في النص لأن يوسف/ كاتم الصوت، مثله مثل العائلة المقيمة في الإقامة الجبرية، محكوم بالعزلة والصمت.
- ولعل اصطناع شخصية كاتم الصوت ووضعية الاعتراف كذلك تكشف عن نية الكاتب الاختفاء وراء الشخصية للتشديد على منظوره للعالم بأن يجعل كاتم الصوت يمارس اعترافا كاريكاتوريا أمام فتاة صماء دون أن يكتشف للحظة واحدة أنه يعري ذاته لذاته لا تسمعه الفتاة التي استأجرها لتحقيق فعل الاعتراف والتطهر من أدران ما فعله.

- إذا كانت "اعترافات كاتم صوت" تمثل في عمل الرزاز رواية الأصوات وزوايا النظر التي تجلو في حكاياتها وتأملاتها الشخصية فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها، فإن "متاهة الأعراف في ناطحات السراب"(3) هي رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر حيث يستخدم الكاتب نظرية كارل يونغ عن طبقات اللاوعي وأسلوب ألف ليلة وليلة السردي ليقيم معماره الروائي.
- إن الليل الذي تحكي فيه شهرزاد يقابل النهار الذي تتحقق فيه حكايات الليل حيث يدرك القارئ من سياق السرد أن الحاضر يكرر الماضي كما يكرر النهار الليل.

- إن بناء العمل شديد التركيب لكن ما يهمنا في هذا السياق هو أطروحة العمل الأساسية، أي كيف يصبح التراث وسيلة لتفسير ما يعرضه العمل الروائي، وكيف يصبح حكي شهرزاد رمزا للعلاقة بين الحاضر والماضي، بين الوعي الفردي والوعي الجمعي، الشعور واللاشعور، وبين طبقات اللاوعي المتراكمة الغائرة داخل الإنسان العربي المعاصر.
- ويعمل الرزاز في هذا الإطار على تقديم تصور مركب للواقع العربي المعاصر ملمحا إلى كون الراهن يتشكل من طبقات متراكمة من وعي العصور الماضية تؤثر لا شعوريا في استجابات الإنسان العربي المعاصر وتكبله وتكبح أفعاله ورغباته، ومن ثم يكون التراث لا قناعا يؤدي وظيفة شكلية في العمل بل جزءا من تكوين الوعي. إن استعارة صوت شهرزاد الحكي عن الماضي، والحديث عن طبقات اللاوعي الراسخة في وجدان الشخصية العربية، ما يجعلها تتصرف دون أن تعلم بوحي من رواسب هذا اللاوعي،
-كل ذلك يكشف اطروحة العمل وتفسيره اليونغي (نسبة إلى كارل يونغ) للعلاقة بين الفرد وتراثه الجمعي