عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2018, 01:36 AM
المشاركة 278
أحمد صالح
ابن منابر الـبــار

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي الخامس من سبتمبر ... لذكرى روح أبي . عليه رحمة الله
الخامس من سبتمبر :












اليوم الإثنين ... تدق الساعة الثامنة والربع صباحا
.. دقات ربما لم أسمعها بأذني لم يسمع الكون بأكمله لم ترها سوى عيوني عندما رأيت هذا المشهد أمامي لأول مرة في حياتي الشبه طويلة مشهد لن يتكرر سوى مرة واحدة في الحياة . أبي أمامي مسجى على فراش خامد الروح . دقت ساعة رحلته الطويلة . تجمد الوقت عندي عند هذه اللحظة أمي تغطي وجهه تغمض عيونه المتجرة أمامي . ساكن... كان منذ دقائق يحدثني . صوته في أذني يوصيني بنفسي . بأمي . باخي الأصغر: أنت الكبير لا تترك أهلك و تنزوي في دنياك اشدد من أزرهم يساندوك . طلب كوب من الماء وقفت أمي لتأتي بالماء فأمسك بيدها .. هل كان يحس أنها اللحظة الأخيرة ؟؟ هل خاف عليّ من رهبة الموت ؟؟ اهتزت يدي ..فسقط الماء على ملابسي أردت أبكي لم أستطع نظرت للماء المنسكب أمامي فضحكت . تساءلت هل هذه هيستريا الموت ؟ أمي بجانبي فجأة دون أن أحس شدت على يدي بقوة هامسة : أنت كبير امسك نفسك اياك أن تبكي . سألتها بعيني هل هذا حلم أم حقيقة ؟ ازدادت حدة شدتها على يدي قوة عقلي يحاول أن يساعدني على الاستيقاظ من الحلم الأسود أحاول ان اتيقن مما أنا فيه ما زلت متأكد من أن ما يحدث حلم لا كابوس لالالالالا ليست حقيقة . عقلي رافض أرفع عيني أكاد أفقأها بأصابعي . أمي لا تبكي . أخي الأصغر يتحرك هنا و هناك يسأل عن الطبيب . أما أنا فما أزال متحجرا أمام الجسد المغطى أمامي ما زالت الساعة كما هي لم تتحرك ..





















تهت في دوامة ..و فجأة أستيقظ على ( البقاء لله ) سيتم نقل الجثمان للمنزل . هنا فقط تتسارع الدقائق ما بين المنزل و المستشفى مائة متر و لكن المستحيل أن يخرج الأب كما دخل أخي يوقظني بكلمة (تحرك) .. (ما هو آت أصعب مما مضى) .( استفق يا كبير)
























ما الذي يحدث ؟؟ هل أنا من يعيش الكابوس وحيداً و الكل يعيش الواقع؟؟ ( لاأعلم ) نحمله سويا كما أدخلناه نستقل السيارة كما أتينا ما هذا ؟؟؟ ماذا أحس هنا ؟؟؟ أنفاسه أحسها لمسات يده ليدي عندما يطلب مني شيء كل شيء كما هو أحدق انظر فيه لأتأكد أحاول أن أستدر عطف دموعي لأستفيق . نصل المنزل . تتسارع الأوقات أكثر و أكثر و الأحداث معها أسرع يسجى الجسد أمامي . يلف في البياض . ومضت ذكرى لبسه للجلباب الأبيض للمسجد ... تلاوة القرآن تملأ المكان على كل لسان . تهدأ الأنفس قليلا . نستعد يرفع آذان الظهر تأتي سيارة نقل الموتى تأتي للموكب الأخير . هنا أستجمع قوتي أحاول تذكر أواخر كلماته ما بين المسجد و البيت ليس بعيد لماذا لا نرد له الجميل لماذا لا نحمله على الأعناق فكم حملنا على كتفيه . إلى نفس المسجد كنا نخرج سويا أنا في يده اليمنى و أخي في اليد اليسرى . نخرج فرحين . للقاء الله . يوم الجمعة .






















لماذا لا نحمله نحن اليوم ؟؟ يٌطلب منا وضع الجثمان في نعشه . أتساءل لماذا لا نحمله أنا و اخي اليوم . يدخل الناس للمساعدة أشير لأخي بالرفض توافقني أمي فيستجيب أخي الأصغر ينقل رغبتنا للناس يدخل ثلاثة من المقربين يودون المساعدة يدخل السائق بالنعش الخشبي الفارغ يقف أخي أمام الأقارب رافضا دخولهم يأخذ من السائق ما أتى به . لن يحمله غيرنا حتى و إن ذهبنا زحفا و لكن لن يحمله غيرنا كانت تلك رغبته الأخيرة . دلفنا للجسد المكسو بالبياض . إنه ينتظرنا حتى نذهب سويا . كعادته . قرأنا الفاتحة تشابكت أيادينا سويا . أمي ، أخي و أنا تلونا " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضيه فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي "دعونا الله بما فاض علينا به . توكلنا على الله . طلبت إلى أخي أن يذهب عند رأسه و أنا من قدميه و أمي تسنده من وسطه لنضعه في نعشه رفعنا الجسد . سبحان الله . كأنه يساعدنا لا شعور بثقل كما كان من قبل إنه . إنه . إنه خفيف جدا . وضعناه أنظر لأمي . لأخي أتساءل في صمت عيناهما تنقل لي نفس إحساسي لقد كان يساعدنا . توكلنا على الله . رفعنا النعش سويا أنا و أخي خرجنا من الباب نفس المشهد . ذكريات تمر كشريط ..سريع .. هو وسطنا و نحن في يديه نمسك به نسير إلى المسجد نفس الطريقة . كأننا نجري مسرعين من حوله النعش يجري للمسجد و نحن من نلاحقه . كما كان بالفعل . ندخل المسجد يرفع الناس ايديهم بالشهادتين . نصلي الجنازة . أقف أمامه . أنظر لعمي . أعتصر رأسي يذكرني أخي . " أنت الكبير " قال لك أنت الكبير أتفهم . ؟؟ أصلي الجنازة بالناس ثم نحمله إلى مثواه الأخير . طريق لم نمشه من قبل سويا في يوم من الأيام . و لكن ما نحسه غير عادي . الطريق سهل . نسير بسرعة . يقترب العم . الخال . أبناء العمومة ليحملوا معنا . لا أستطيع الرفض هنا .نصل للمقبرة . ترتجف اوصالي . يستقر النعش الخشبي . أمام القبر . يدفن الجسد . يُهال التراب . تدق الساعة الواحدة و النصف ظهرا . تتشابك الأيدي بالدعاء . بالتثبيت عند السؤال . نقرأ الفاتحة . ما تيسر من القرآن . فجأة و لأول مرة يرتفع صوت أخي الكامن . " هنا مثوانا جميعا و نهايتنا و مآلنا إلى التراب " ............... ..... .. ينفض الموكب الجنائزي بعد انتهاء مراسمه أعود إلى القبر أرفع رأسي لأرى ... اسم والدي على قبره .. هنا فقط ينتفض عقلي و تخر قواي و أصحو من الكابوس بانهمار الدموع مني . كأنها لم تغادرها منذ مولدي .





















هذه كانت ساعات من صباح يوم الخامس من سبتمبر . عند أدركت أن كل الناس مجرد " أسماء محفورة على شواهد القبور " لا أكثر ..

ما أعظم أن تكون غائبًا حاضر ... على أن تكون حاضرًا غائب