الموضوع
:
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية
عرض مشاركة واحدة
12-28-2011, 01:23 PM
المشاركة
352
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,766
سيبالد .. تأخُّر النضج وسرعة الرحيل ...
أحمد أبو العلا
يوسف
الاثنين 10 -11-2008
كان العام 1996 م . . نقطة تحوّل وانطلاقة جديدة ،
في حياة الكاتب الألماني و . ج . سيبالد ، حين قام بنشر كتابه ( المهاجرون ) ، بعد
ترجمته إلى اللغة الإنكليزية . وقد لوحظ على هذا الكتاب أنه مزيجٌ من السيرة
الذاتية ، والكتابة التخييلية ، والمذكرات ،
و الكتابة
السياحية ، والمقالة الأثرية ، (بورتريهات) لأربعة أوربيين يُقيمون في لندن
والولايات المتحدة الأمريكية . وقد رافق ذلك العمل مجموعة من الصور الفوتوغرافية ،
باللونين الأبيض والأسود ، والتي لايمكن الجزم بأصولها ، وهي على الأغلب كانت ترتبط
بالنص بعلاقة ما ..
وقتها فقط تم
الاحتفاء بكاتبه المجهول آنذاك ، بوصفه كاتباً ينتمي لكتاب الطراز الأول
من أمثال
:
كافكا وبورخس وبروست ، فيما وُصفَ الكتاب على أنه من تلك الفئة من الكتب التي يصعب
تجنيسها، فقد لوحظ انتماء الكتابة لديه إلى ذلك الطابع الخاص والآسر ، الذي ارتبط
بإلحاح وهشاشة الذاكرة ، والطبيعة العشوائية المرعبة للتاريخ ، كما تمثلت من خلال
أكثر فصولها حلكة ً في القرن العشرين .
في منتصف
التسعينات برز أسلوب سيبالد المألوف ، في تلك المقالات المتأخرة ، والتي لا يقوم
بتحليل موضوعاته فيها – كافكا وناباكوف و بروس تشاتوين – بقدر ما يقوم بعقد نوع ٍ
من الرفقة معهم ، محولاً إياهم إلى شخصيات ٍ تنتمي إلى عالمه ( رجال كئيبون ،
يعيشون في منفى حقيقي أو متخيّل ، مسكونون بالماضي ، وبحتمية الفناء ... ) .
عمل سيبالد في
التدريس ، في الجامعات البريطانية ، إلى أن أدركته المنية في كانون الأول من عام
2001
م ، في حادث سير ، و له من العمر 57 عاماً ، وكان ذلك بعد أن نشر روايته
(
أوسترليتز
)
بالإنكليزية .
وقد كان من شأن
ذلك الحادث ، أن يضع حداً لمسيرة ٍ كتابية تأخر نضجها ، وكان آخرها كتاب ( كامبو
سانتو) الذي ترجمته آنثيا بيل ، وهو عبارة عن ست عشرة مقالة أدبية و نقدية ، نشرت
في الصحف والمجلات بين عامي 1975 و 2003 م ، ولكن بخلاف هذه المؤلفات
(
بعد الطبيعة
)
و ( عن التاريخ الطبيعي للدمار ) ، فإن هذا الكتاب يحتوي على موضوعات ٍ متنوعة،
ومحبطة في أغلب الأحيان ، المقالات المبكرة حول بيتر هاندكه وغونتر غراس وآخرين ،
مكتوبة بإسلوب ٍ أكاديمي رزين ، وسيبدو صعباً لأولئك الذين ليسوا على دراية ٍ كافية
، بأعمال المؤلفين ذوي الصلة، فَهْمَ حقيقة وماهية هذه الكتابة ..
غير أنّ لب
الكتاب هو المقطوعات الأربع حول كورسيكا التي تمّ تجميعها في البداية .
(
أحد تلك
المقطوعات التي يتأمل فيها طقوس الدفن الكورسيكية ،أعطت للمجموعة عنوانها )
في مقدمة
توضيحية ، يقدم سفين ماير مُحرر الكتاب هذه الشذرات التي تتراوح ما بين صفحتين إلى
تسع عشرة صفحة ، باعتبارها آخر الأعمال غير المكتملة لكاتبٍ انتهت حياته قـُبيل
أوانها ، لكن من غير الواضح ما إذا كان لدى سيبالد أي نية ٍ للعودة إلى هذا المشروع
، الذي وضعه جانباً في منتصف التسعينات ليبدأ عمله على ( أوسترليتز ) ، و حين تتمّ
مقارنة هذا العمل برائعته تلك فستكون المقارنة حتماً في غير صالحه . صحيحٌ أنه يمكن
العثور على الصوت الغامض الحميم ، إضافة ً إلى التوصيفات المشحونة بالغرابة للمشاهد
الطبيعية ، وكتالوجات الأعمال الفنية ، وبقايا الآثار ، وقوائم النباتات ،
والتفسيرات الساخرة للنظريات التاريخية الغريبة ( إنّ اجتياح نابليون لأوربا على
سبيل المثال كان بسبب عمى الألوان الذي كان يشتكي منه نابليون بحيث لم يكن بوسعه أن
يميز بين الدم الأحمر والعشب الأخضر ) والإحالات الارتجالية إلى ( تعاسة الحياة
المتعذر فهمها ) ولكن ما يجعل من أعمال سيبالد المكتملة كُلا ً مترابطاً يبدو
مفقوداً هنا ، ونعني به الشبكة الأكبر المكونة من المصادفة والتماثل ، التي تفترض
أن العالم مترابط ومنعدم الهيئة في آن ٍ معاً .
معظم كتب سيبالد
تدور أحداثها في شمال أوربا ، حيث يبدو أن الأجواء المناخية الكئيبة تعكس المناخ
الداخلي لشخصياته ، ولكن وعلى الرغم من الجو المشمس في كورسيكا ، إلا أنه يشعر بنوع
ٍ من الألفة مع الكورسيكيين ، و مع ما يراه من إخلاص ٍ لإمبراطور ٍ منتم ٍ إلى
الماضي ، وما يلمسه من رهبة ٍ وتقدير ٍ للموتى الذين يعتقد أنهم يجوبون الريف في
هيئة أفواج ٍ ، ويُعرفون من خلال هيئاتهم المضمحلة ، ووجوههم الضبابية ، وأصواتهم
المزمارية الغريبة . في أحد المقاطع المخيفة يتساءل سيبالد إن كان قد صادف أحد
أولئك المهاجرين من الضفة الأخرى في أحد المتاجر في إنكلترا ، ولكنه ينتهي إلى
القول : إن العالم الذي تتضاعف وتيرة ازدحامه بشكل ٍ مستمر ، ليس لديه مايكفي من
المساحة أو الصبر لمثل هؤلاء الزوار الشبحيين ( حين نغادر الحاضر بدون ذاكرة ،
ونواجه مستقبلا ً لا يستطيع عقل فرد ٍ أن يتصوّره ، في نهاية المطاف سيتوجب علينا
أن نتخلى عن الحياة ، دون أن نحس بأدنى حاجة ٍ للبقاء حتى ولو لوهلةٍ قصيرة ، وسوف
لن نكون مضطرين لأن نقوم بزيارات عودة من حين ٍ لآخر ) . . .
ربما يكون هذا
الكاتب الرائع ، قد غادرنا مبكراً ، ولكن ظله سيظل مرافقاً لنا ، إلى أمد ٍ بعيد
رد مع الإقتباس