عرض مشاركة واحدة
قديم 12-28-2011, 01:23 PM
المشاركة 352
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سيبالد .. تأخُّر النضج وسرعة الرحيل ...
أحمد أبو العلايوسف
الاثنين 10 -11-2008
كان العام 1996 م . . نقطة تحوّل وانطلاقة جديدة ،في حياة الكاتب الألماني و . ج . سيبالد ، حين قام بنشر كتابه ( المهاجرون ) ، بعدترجمته إلى اللغة الإنكليزية . وقد لوحظ على هذا الكتاب أنه مزيجٌ من السيرةالذاتية ، والكتابة التخييلية ، والمذكرات ،
و الكتابةالسياحية ، والمقالة الأثرية ، (بورتريهات) لأربعة أوربيين يُقيمون في لندنوالولايات المتحدة الأمريكية . وقد رافق ذلك العمل مجموعة من الصور الفوتوغرافية ،باللونين الأبيض والأسود ، والتي لايمكن الجزم بأصولها ، وهي على الأغلب كانت ترتبطبالنص بعلاقة ما ..‏
وقتها فقط تمالاحتفاء بكاتبه المجهول آنذاك ، بوصفه كاتباً ينتمي لكتاب الطراز الأول‏
من أمثال : كافكا وبورخس وبروست ، فيما وُصفَ الكتاب على أنه من تلك الفئة من الكتب التي يصعبتجنيسها، فقد لوحظ انتماء الكتابة لديه إلى ذلك الطابع الخاص والآسر ، الذي ارتبطبإلحاح وهشاشة الذاكرة ، والطبيعة العشوائية المرعبة للتاريخ ، كما تمثلت من خلالأكثر فصولها حلكة ً في القرن العشرين .‏
في منتصفالتسعينات برز أسلوب سيبالد المألوف ، في تلك المقالات المتأخرة ، والتي لا يقومبتحليل موضوعاته فيها – كافكا وناباكوف و بروس تشاتوين – بقدر ما يقوم بعقد نوع ٍمن الرفقة معهم ، محولاً إياهم إلى شخصيات ٍ تنتمي إلى عالمه ( رجال كئيبون ،يعيشون في منفى حقيقي أو متخيّل ، مسكونون بالماضي ، وبحتمية الفناء ... ) .‏
عمل سيبالد فيالتدريس ، في الجامعات البريطانية ، إلى أن أدركته المنية في كانون الأول من عام 2001 م ، في حادث سير ، و له من العمر 57 عاماً ، وكان ذلك بعد أن نشر روايته‏
( أوسترليتز ) بالإنكليزية .‏
وقد كان من شأنذلك الحادث ، أن يضع حداً لمسيرة ٍ كتابية تأخر نضجها ، وكان آخرها كتاب ( كامبوسانتو) الذي ترجمته آنثيا بيل ، وهو عبارة عن ست عشرة مقالة أدبية و نقدية ، نشرتفي الصحف والمجلات بين عامي 1975 و 2003 م ، ولكن بخلاف هذه المؤلفات‏
( بعد الطبيعة ) و ( عن التاريخ الطبيعي للدمار ) ، فإن هذا الكتاب يحتوي على موضوعات ٍ متنوعة،ومحبطة في أغلب الأحيان ، المقالات المبكرة حول بيتر هاندكه وغونتر غراس وآخرين ،مكتوبة بإسلوب ٍ أكاديمي رزين ، وسيبدو صعباً لأولئك الذين ليسوا على دراية ٍ كافية، بأعمال المؤلفين ذوي الصلة، فَهْمَ حقيقة وماهية هذه الكتابة ..‏
غير أنّ لبالكتاب هو المقطوعات الأربع حول كورسيكا التي تمّ تجميعها في البداية .‏
( أحد تلكالمقطوعات التي يتأمل فيها طقوس الدفن الكورسيكية ،أعطت للمجموعة عنوانها )‏
في مقدمةتوضيحية ، يقدم سفين ماير مُحرر الكتاب هذه الشذرات التي تتراوح ما بين صفحتين إلىتسع عشرة صفحة ، باعتبارها آخر الأعمال غير المكتملة لكاتبٍ انتهت حياته قـُبيلأوانها ، لكن من غير الواضح ما إذا كان لدى سيبالد أي نية ٍ للعودة إلى هذا المشروع، الذي وضعه جانباً في منتصف التسعينات ليبدأ عمله على ( أوسترليتز ) ، و حين تتمّمقارنة هذا العمل برائعته تلك فستكون المقارنة حتماً في غير صالحه . صحيحٌ أنه يمكنالعثور على الصوت الغامض الحميم ، إضافة ً إلى التوصيفات المشحونة بالغرابة للمشاهدالطبيعية ، وكتالوجات الأعمال الفنية ، وبقايا الآثار ، وقوائم النباتات ،والتفسيرات الساخرة للنظريات التاريخية الغريبة ( إنّ اجتياح نابليون لأوربا علىسبيل المثال كان بسبب عمى الألوان الذي كان يشتكي منه نابليون بحيث لم يكن بوسعه أنيميز بين الدم الأحمر والعشب الأخضر ) والإحالات الارتجالية إلى ( تعاسة الحياةالمتعذر فهمها ) ولكن ما يجعل من أعمال سيبالد المكتملة كُلا ً مترابطاً يبدومفقوداً هنا ، ونعني به الشبكة الأكبر المكونة من المصادفة والتماثل ، التي تفترضأن العالم مترابط ومنعدم الهيئة في آن ٍ معاً .‏
معظم كتب سيبالدتدور أحداثها في شمال أوربا ، حيث يبدو أن الأجواء المناخية الكئيبة تعكس المناخالداخلي لشخصياته ، ولكن وعلى الرغم من الجو المشمس في كورسيكا ، إلا أنه يشعر بنوعٍ من الألفة مع الكورسيكيين ، و مع ما يراه من إخلاص ٍ لإمبراطور ٍ منتم ٍ إلىالماضي ، وما يلمسه من رهبة ٍ وتقدير ٍ للموتى الذين يعتقد أنهم يجوبون الريف فيهيئة أفواج ٍ ، ويُعرفون من خلال هيئاتهم المضمحلة ، ووجوههم الضبابية ، وأصواتهمالمزمارية الغريبة . في أحد المقاطع المخيفة يتساءل سيبالد إن كان قد صادف أحدأولئك المهاجرين من الضفة الأخرى في أحد المتاجر في إنكلترا ، ولكنه ينتهي إلىالقول : إن العالم الذي تتضاعف وتيرة ازدحامه بشكل ٍ مستمر ، ليس لديه مايكفي منالمساحة أو الصبر لمثل هؤلاء الزوار الشبحيين ( حين نغادر الحاضر بدون ذاكرة ،ونواجه مستقبلا ً لا يستطيع عقل فرد ٍ أن يتصوّره ، في نهاية المطاف سيتوجب عليناأن نتخلى عن الحياة ، دون أن نحس بأدنى حاجة ٍ للبقاء حتى ولو لوهلةٍ قصيرة ، وسوفلن نكون مضطرين لأن نقوم بزيارات عودة من حين ٍ لآخر ) . . .‏
ربما يكون هذاالكاتب الرائع ، قد غادرنا مبكراً ، ولكن ظله سيظل مرافقاً لنا ، إلى أمد ٍ بعيد