الموضوع: سجين الماضي ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-28-2012, 05:33 PM
المشاركة 6
سناء محمد
كاتبــة الشمــس
  • غير موجود
افتراضي
أخذت حالة ليث تتراجع بعد أن بدأ يتماثل للشفاء , إذ لم تعد لديه رغبة في الكلام مع أحد أو التجاوب مع الأطباء , وأخذت حالته تسوء بعد أن تركته زوجته لين.
فقد شهيته في تناول الطعام رغم محاولات الطاقم الطبي في إقناعه , لكن الأمر كان خارجاً عن إرادته ,
أصبح كالظلال إثر فقدان الصحة والوزن , ولم يعد يربطه بالحياة إلا ذلك السيروم المعلق بجانبه , و أخذت
المواجع والأحزان تثقله يوماً بعد يوم , وفي كل ساعة من عمره يتمنى لو أنها تنقضي معها حياته , فقد سقط كل شيء من عينيه ولم يجد أي بارقة أمل يتعلق بها ... فقد كانت حياته مرهونة بنجاحه في العمل والوظيفة , لكنه ما أن وصل إلى القمة حتى هوى الى القاع الذي لم يعد يبصر فيه أي لمعان .... أخذ ليث يستعرض أمام عينيه شريط حياته , وبدأ يستعيد ذكرياته من البداية وقبل دخوله الجامعة بعد أن ودَع منزل والدته التي آثرت الزواج بعد وفاة أبيه لكي تجد ما تسد به جوع ولديها , تذكر قسوة زوج أمه عليه وعلى أخيه أيمن الذي كان مستسلماً لكيل الإهانات والشتائم دون أن يبدي أي اعتراض , إلا أن ليث كان بالمواجهة دوماً مع ذلك الرجل , فكان يتلقى النصيب الأكبر والأعنف في المعاملة , لقد كان يعتبر نفسه مسؤولاً عن أمه وأخيه وحمايتهما من الظلم الذي وقع عليهم جميعاً .

لم ينس ليث كيف كان يعاقب تحت المطر في أيام الشتاء الباردة لمجرد أنه تأخر في إحضار ما يلزم للبيت ,
وكيف كان يتلقى الشتائم أمام القريب والغريب , لقد كان مجبراً على العمل في نقل الطوب وأكياس الرمل التي أثرت بيديه بالرغم من هزاله وضعفه , فقد كان يتعفف عن الأكل من منزل زوج أمه حتى يتجنب المعايرة والذل .
لقد أدرك ليث أن أمه لا ذنب لها فيما حصل لكن الفقروضيق الحال كان مأساة عائلته ... قرر أن يتعلم ويجتهد حتى ينقذ أمه و أخاه من البؤس والشقاء , فكان يعمل نهاراً ويدرس ليلاً ليعوض ما فاته من دروس تلقاها أبناء الحيٍ على مقاعدهم الدراسية وبالرغم من كل المعوقات التي واجهته كان ليث من الناجحين على الدوام...

كانت سعادته كبيرة وهو يرى دموع الفرح تملأ عيني أمه في كل سنة ينجح فيها , لكن فرحته لم تكتمل رغم قبوله في الجامعة فقد فارق الحياة أمه الحبيبة .... فقد توقفت مشاعره عند تلك اللحظة ..

لم يشعر عندها أنه ثمة دافع للمواصلة , لكنه في كل مرة يشعر بتخاذله كان يتذكر أمه , وكيف
تمنت له النجاح وكسب المال ليستقل وينجو من الوقوع تحت رحمة أحد من الناس ... ثابر وتعب وسهر
الليالي ليتفوق ويحصل على أرقى الشهادات .

لم يتعدى طموح ليث النجاح في العمل و كسب المال , أما زواجه من لين فكان لمجرد أنه تقليد إجتماعي لا بد منه , ثم إنه لم يكن ليجد من هي خير من أمه فآثر الإرتباط بأول فتاة صادفها في حياته ..

أخذ ليث يفكر في لين كثيراً وكيف كانت بدايته معها ....

لماذا كنت قاسياً معها ؟؟ لقد كانت لطيفةً معي وبذلت كل ما تستطيع لإسعادي , لكني كنت أتجاهلها دوماً ... لطالما سكتت عن كلماتي الجارحة و قسوتي معها , ومع ذلك كانت تكمل حياتها معي وكأن شيئاً لم يحدث .. لماذا لم أكن اشعر بوجودها معي ؟ بل وكنت أسخر من أي بادرة حب منها , وأعتبرها إمرأة سخيفة ... ألهذه الدرجة كنت بلا قلب ؟ لكم أرهقت نفسها لإرضائي لكنني كنت متذمراً من كل شيء ... معقول أنَي خسرت لين الى الأبد ؟ كم أنا غبيِ .....

أخذت ذكريات ليث المريرة تصارعه على الدوام , وأصبح يعيش في دوامة لم يستطع الخلاص منها .....
وفي أحد الأيام تحامل على نفسه وجلس بجوار النافذة وأخذ يراقب الأطفال في الساحة , وكيف يمرحون ويلعبون تذكر عندها ذلك الطفل المسكين الذي دفعه بيده ووقع بعدها على الارض ... يالله لقد كنت قاسياً مع الجميع حتى مع الناس الذين لم أعرفهم , لماذا لم أشعر بأحد أو أغفر لأحد زلاته وأخطاءه ؟ لقد كانت الحياة جميلة من حولي وكنت أملك ما لم يحصل عليه الكثير من الناس لكنني تجاهلت كل شيء .. كل شيء ..

وفيما كان ليث غارقاً في تفكيره استرعى انتباهه نملة صغيرة تحاول جرَ قطعة صغيرة من الخبز كانت أضعاف حجمها , لكنها كانت تجاهد في سحبها ونقلها , وكلما وقعت عنها باشرت من جديد , أخذ ليث يراقبها باهتمام كبير لأكثر من ساعة وهو يستغرب إصرارها على المواصلة والعيش ...

سبحان الله حتى هذه النملة متشبثة بالحياة أكثر مني ألهذه الدرجة انا من العجز والتخاذل ؟ لكنني فقدت كل شيء ... هل بإمكاني ان أعوض ما فات ؟؟هل أستطيع استعادة ما فقدته , ولكن كيف ... كيف ؟؟

أخذ ليث يفكر في طريقة يتقرب من خلالها إلى زوجته و يعيد بها حياته , ولكنه هذه المرة أراد أن يجرب حياةً أخرى دون تذمر أو سخط , أراد أن يعيش بطريقة مختلفة وكأنه ولد من جديد ..

نعم لا بد أن أستعيد صحتي و حياتي أريد أن أرجع إلى أطفالي ومنزلي ... أريد البحث عن عمل جديد , لا يهمني أن أبدأ من الصفر المهم أن أرجع لعائلتي فليس لي عائلة تهتم بي غيرها ...

لأول مرة في حياته , يشعر ليث أنه رجل آخر , وكأن روحه انبعثت بداخله من جديد , فأخذ يستجيب رويداً رويداً للعلاج وتناول الغذاء , ثم أخذ يخضع للعلاج الطبيعي ليستعيد صحته , إلا أن الذي لم يعرفه أن لين كانت تتصل بالمشفى دائماً للإطمئنان عليه , وعندما علمت بتطور حالته للأفضل شعرت بسعادة كبيرة , وأخذت تتردد إلى المشفى وتراقبه من بعيد وهو يخضع للعلاج , لكنها آثرت التخفي عنه لدافعٍ لم تدركه .

وفي أحد الايام تلقت لين إتصالاً باكراً ...





يتبع ..