عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
2750
 
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي


محمد فتحي المقداد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
650

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7788
03-03-2020, 02:06 AM
المشاركة 1
03-03-2020, 02:06 AM
المشاركة 1
افتراضي فيروس كورونا (قصة قصيرة)
فيروس كورونا
(قصة قصيرة)

بقلم- الروائي محمد فتحي المقداد

وصلت الأمور إلى النهاية، ولا مجال للتراجع عمّا كنتُ أفكّر به.
اتّخذ الطبيب قراره الأخير، بعد احتجازي في الحجر الصّحّي بالمستشفى المركزي الحكومي. لعدّة أيام كنتُ معزولًا فيها عن البشر جميعًا، نعمتُ فيها بالخلوة، فسحة أتاحتني لنفسي. جاءت في لحظة كنت فيها بأمسّ الحاجة للابتعاد عن البشر جميعًا، فقد تمنّيتُ الحصول على مثل هذه الفرصة الثمينة، والقيّمة فلم تُتَح لي أبدًا، والظروف المحيطة غالبًا ما تتكاتف مُعلنة تآمرها عليّ.
على غير العادة، وبشكل مفاجئ داهمتني نوبة عُطاس أتعبت أعصابي، ترافقت مع سيلان أنفي. اضطررتُ لتناول حبّات (البندول) من العيار الثقيل، خفّفت حدّة الحرارة التي تناوبتني على دفعات، على مدار يومين، وأنا في معاناة لا يعلم مداها إلّا الله.
***
نصائح مُتعاقبة بالذّهاب إلى طبيب عام عيادته في طرف الحارة المقابل لنا. رغم الاحتياطات المُعتادة من شرب اللّيمون، والثّوم مع اللّبن. في هذه الوقعة كلّ ذلك لم يكن له نتائج ملموسة إلّا آنيّة، وما هي نصف ساعة إلا واشتدّت وطأة الحُمّى أكثر من سابقتها.
***
افتقدني جارنا، وما فطنتُ إلّا بالباب يُقرع، فتحوا له، ورأى ما رأى من حالي، جاءته النّخوة، فقال:
- "جهّز نفسك حتى أحضر السيّارة، سآخذك إلى الطبيب القريب منّا".
- "لا أحبّ الذّهاب أبدًا، أنا بخير..!!".
- "حالتك غير مطمئنة، أفزعني شُحوب وجهك مثل حبّة اللّيمون الذّابلة".
رجَحَت كفّه اقتراحه تضامنًا مع أمنيات زوجتي وأولادي، فتعاضدوا ضدّ عزيمتي الخائرة، وهمّتي الواهنة. لم يكن بُدًا من الاستجابة لهم.
الطبيب منتصب أمامي سرير الفحص بحذر، لبس قفّازات مطاطيّة في يديْه، وكمّامة على أنفه، أعادني منظره، إلى بكيّن وشوارعها المزدحمة بالنّاس، ونصف وجوههم مغطّاة ككائنات فضائيّة غزت كوكبنا مؤخّرًا. سمّاعتة تتحرّك على صدري، وميزان الحرارة في فمي، وجهاز قياس الضّغط على ساعدي. جبينه مُقطّب، وخطوط جبهته كأنّما هي أقنية حفرتها مياه السّيول. حاجباه معقودان متلاصقان، هزّ رأسه، وقال:
- "إلى المشفى فورًا".
صرخت زوجتي:
- "لشو المشفى؟".
- الطبيب: "اشتباه بأعراض الفيروس كورونا".
***
الأوامر صارمة في قسم الحجر، الأطباء والممرّضون يتعاملون معي بحذر شديد. تعقيم، لباس خاصّ يغطّيهم بشكل كامل.
حمدتُ الله على الفرصة المُتاحة، جاءتني على طبق من ذهب. فأكملتُ مما كان مكسورًا عليّ من قراءات في رواية (طواحين بيروت)، ومسرحيّة (مغامرة المملوك جابر)، ومسرحيّة (ليل العبيد).
صباح اليوم الثاني كنتُ على أحرّ من الجمر؛ بانتظار جولة الأطبّاء الاستشاريٍّين.
قرؤوا ملفّي المُحتوي على تحاليل الدمّ والبول، وصور الأشّعة، وقياس معدّلات السّكر والضغط. قلّبوا أوراقه مرّتيْن، تشاورا فيما باللّغة الإنكليزيّة، واتّخذوا قرارهم. فهمتُ القليل مما قالوا.
أشاروا للطبيب المقيم بعزلي في الدرجة الثانية. لخطورة حالتي، وخوفًا من انتشار العدوى.
أيقنتُ أنّني على وشك الهلاك؛ استدعيتُ فكرة خطيرة من مجاهل النسيان كنت مُعرضًا عنها، لخوفي الشديد من أحد علم أنّني أفكّر بها، وهي مشروع كتاب لم أكتب فيه سطرًا واحدًا، رغم أن جميع فصوله، وحيثيّاته ماثلة في ذهني؛ فقلت لنفسي:
- "مادامت حالتي ميؤوس منها، ونهايتي قريبة في أية ساعة يأخذونني إلى قبري، سأكتبها في الحال، ونشرتها على الفيسبوك: قريبًا في المكتبات طالعوا كتابي الجديد بعنوان (الإنسان في فكر السلطان الذي لايعترف بحقوق الإنسان)".
استفقتُ بعد منتصف اللّيل مرعوبًا، طلبتُ من زوجتي كأس ماء بلّلتُ به جفاف حلقي.

الأردنّ - عمّان
ظ£ / ظ£ / ظ¢ظ*ظ¢ظ*