عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2014, 02:11 PM
المشاركة 1089
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع... العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم-43- الحي اللاتيني سهيل ادريس لبنان

-نقصد بالفضاء الروائي المكان وزمانالقصة في ترابطهما الجدلي والفني والسردي. فأحداث الرواية تقترن بفضاءين متناقضين: فرنسا ولبنان، وهما يشيران إلى التفاوت الحضاري بين فضاء روحاني وفضاء مادي. فلبنانبالنسبة لبطل الحي اللاتيني فضاء الحرمان والكبت والقهر والعادات المحافظة أمافرنسا فهو فضاء التحرر والانعتاق الوجودي.

-ويبقى الحي اللاتيني هو الفضاء الأساسيفي الرواية لأبعاده التربوية والإنسانية كما أنه ملاذ للمحرومين جنسيا وعاطفيا.

-وتتقابل كذلك باريس الحرية مع بيروت التقاليد والمحافظة لتشكل شخصية البطل فيصراعها الذاتي والموضوعي.

-أما زمان القصة، فإنكان غير محدد بشكل جلي ولكن يمكن أن نموقع القصة في فترة ما بين الأربعينيات والخمسينيات لانتشار الفكر الوجودي وإقبال الشباب على كهوف سان جيرمان لإثبات وجودهمالجنسي والمصيري والتحرر من قيود العقل وأنظمة المنطق، والإشارة إلى خضوع الوطنالعربي للاستعمار.

- يتسم الوصف عند سهيل إدريس بالإيجاز والاختصار؛ والسبب في ذلك أنالرواية تنبني على الأحداث ووظائف الشخصيات مما أثر علىالوصف.

-ولقد اهتم سهيل إدريس بوصف الشخصياتفوصفها وصفا بيانيا رائعا فيه سحر أخاذ كوصفه لفتاة السينما:" واسترخى في مقعدهسعيدا كالطفل، فرحا بقرب هذه الفتاة التي يشعر بنكهة الفتوة تفيض من أردانها. كانتترتدي بنطلونا طويلا مرسلا في وحشية لذيذة، دون ما تفنن. أما وجهها، فلم ير إلاالجانب الأيمن منه: وجه طفل تبرق فيه عين زرقاء، وشفتان تلتمعان بحمرة شفافة تحييهابسمة ساذجة".

-إن هذا الوصف يعتمد فيه الكاتب على الأوصاف والنعوت والتشبيهوالاستعارات المجازية لتزيين الموصوف وتجميله.

-وقد يركز الكاتب على الوصف الخارجيالفيزيائي بطريقة موجزة ومختصرةتخالف طريقة المدرسة الواقعية التي تعتمد على التفصيل والإسهاب والإستقصاء كما عندنجيب محفوظ وعبد الكريم غلاب ومبارك ربيع:" فلم يقتنع عدنان ولم يشأ أن يمضي فيالنقاش. وما لبثوا أن طرقوا باب منزل في ضاحية " فانسين" أخذوا عنوانه من أحدالمكاتب، ففتحت لهم سيدة لا يبدو أنها تتعدى الثلاثين من عمرها، ممشوقة الجسم،سمراء الوجه، ذات سحر وإغراء. وقد استقبلتهم باسمة مرحبة وأدخلتهم غرفة مؤثثة نظيفةطلبت ثمانية آلاف فرنك أجرا شهريا لها.".

-كما وصف الكاتب الفضاء بأشيائه كوصفهلغرفة جانين بعد سأمها الوجودي وضياعها النهائي: "ويدخل، فيغلق الباب، ويراها تخلعسترتها وترمي بها على سرير منخفض صغير قائم في الزاوية. وإذ ذاك رأى ثيابها. كانتترتدي مثل اللباس الذي رآه في " برغولا". وأجال بصره في الغرفة. إنها نصف غرفتي،نصف غرفتها في " ليغران زوم". وبالقرب من السرير، كانت تقوم طاولة قصيرة القوائم. وفي الزاوية المقابلة أريكة ذات مرفقين، أتجه إليها متمهلا، فانخسفت به حيناقتعدها" .

-ويلاحظ على وصف الأشياء الإيجاز بالمقارنة مع روايات بلزاك أو فلوبير؛والسبب في ذلك يعود إلى افتقار غرفة جانين إلى الأثاث لفقرها وعوزها.

-ووصف الكاتببعض الأمكنة إيجازا واختصارا:"على أنه ما عتم أن ضاق بغرفته نفسها، فغادرها عندالغروب إلى ساحة الأوبرا وفي نيته أن يشاهد واجهات المخازن المزدانة لمناسبةالميلاد، بكل رائع فتان من المعروضات. وقد ظل ساعة ينتقل أمام الحوانيت المضاءة،حتى أسلمته قدماه إلى جادة " الشانزليزيه"، وكان قد اجتازها مرة من أدناها إلىأقصاها، فاستشعر لذلك لذة غريبة.".

-يستند الكاتب فيتقديمه للحبكة السردية إلى الرؤية من الخلف أو التبئير الصفري لاعتماد الكاتب علىضمير الغياب والراوي الواحد الموضوعي الذي تنازل إلى درجة الصفر لكسب الحياد وعدمالتدخل في الأحداث.

-وتتسم معرفة الراوي بكونها معرفة شاملة ومطلقة تتعدى ما هو خارجيعلى ما هو داخلي كأنه الإله الخفي، ويعني هذا أن السارد يتوارى وراء ضمير الغائبليقدم وجهة نظره ورؤيته للعالم والكون والإنسان.

-وإليكم مقطعا سرديا يحدد لنا هذهالرؤية المطلقة التي تدخل الرواية ضمن زمرة الروايات الكلاسيكية التقليدية:"وأغضتجانين مونترو، فأدرك هو أن نظرته المحددة قد آذتها. والحق أنه لم تكن له في ذلكحيلة، فقد كان في عينيها الزرقاوان صفاء لم يعهده في عينين قبلهما. وكان يحس، وهوينظر فيهما، أن نظراته تستحم في مياهها الدافئة، بالرغم من أنها نظرات خاطفة هاربة،بل من أجل ذلك بالذات. وقد شعر بهذا منذ التقت عيناه بعيني جانين للمرة الأولى،فكان كل همه بعد هذا النظر الهارب، ويثبته في نظره، حتى يتاح له أن يسبر أغواره. وكان الفتاة إذ أغضت، قد أدركت ذلك، فصرفت عنه هذا النظر الذي يود أن يحتفظبأسراره".

- وللسارد وظائف يقوم بها في هذا النص كوظيفة السرد والتعليق وتقديمالأحداث والتنسيق بين الشخصيات والتأثير في المتلقي من خلال الوظيفة الانفعالية،بالإضافة إلى الوظيقة الإيديولوجية التي تكمن في تقديم الفلسفة الوجودية والدفاععنها في هذا النص الروائي كأطروحة فكرية للاختبار والتمحيص.

-وظف الكاتبنسقا زمنيا كلاسيكيا متناميا ومتسلسلا في تطوره السردي والكرونولوجي المتعاقب، إذانطلق من الحاضر إلى المستقبل أو من لحظة الوصول إلى باريس إلى لحظة العودة إلىبيروت بعد حصوله على شهادة الدكتوراه كأن الزمن السردي في النص زمن دائري: بيروت- باريس- بيروت. وعلى الرغم من تسلسل الأحداث منطقيا وسببيا وكرونولوجيا فهناكانحرافات زمنية إما: إلى الماضي لاسترجاعه" فلاش باك"أثناء تذكره للبنان وناهدةوأسرته وأصدقائه وإما في استشراف للمستقبل لما ينتظره من طموح وتطلع علمي ونضالي أولقاء غرامي ورومانسي.