عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2012, 11:09 PM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الخراط: نصوصي ليست نسيجا معنوياً لغوياً
صاحب «رامة والتنين» لـ«الشرق الأوسط»: نريد الحرية غير منقوصة وبلا حدود
الشرق الاوسط 6 ابريل 2003

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
القاهرة: عبد النبي فرج
احتفلت الاوساط الأدبية في مصر منذ أيام بعيد ميلاد الروائي ادوار الخراط السابع والسبعين، الذي مازال، كما يرى البعض،
- كاتباً إشكاليا.
هنا حوار معه حول رؤيته الجمالية للعمل الفني، وتقنيات السرد القصصي والروائي، ومقاربته للموضوع الديني في مصر.

* تبدو المرأة في بعض اعمالك وكأنها متخيل عقلي ذكوري اكثر من كونها واقعا فعليا معاشا؟
ـ هذا الكلام بالنسبة لي لا يستند الى قراءة متبصرة، فالمرأة خاصة في رامة والتنين، والزمن الآخر، ويقين العطش، واقعة حسية مباشرة مجردة عن كل تصور مضاف أو مقحم، فهي كيان ارضي يومي حي منسجم، فضلا عن البعد الاسطوري. وربما كانت النظرة إليها في هذه النصوص نظرة ذكورية ولكن الصحيح ايضا انها تكثيف وتجسيم الانثوية الواقعية والاسطورية المتخيلة في وقت واحد.

* يقول سارا ماجو «ان كل ما نفعله في الروايات هو قص الحكايات»، هل تتفق مع هذا المفهوم للرواية؟
ـ طبعا اننا بلا شك نقص الحكايات. ومن غير سردية واضحة أو خفية لا تقوم للرواية أو القصة القصيرة قائمة، ولكن آمل ان يكون الأمر غير مقصور على مجرد سرد حكاية
- بل ان تندرج في طوايا الرواية شرايين الشعرية
- أو اضاءات المشهدية
- أو لمحات واستلهامات من الفن التشكيلي والموسيقى،
- فضلا عن البعد الفكري اي الموقف الفلسفي بالمعنى العريض المتضمن في سرد الحكاية.

* القناع يحل محل الاصل ويقوم بدوره او يؤدي فعله، هل ميخائيل ، بطل «رامة و التنين» هو قناع ادوار الخراط؟
ـ نعم ولا، اظنه يتشابه مع كاتبه في نواح محدودة ويختلف معه ان لم يتناقض في نواح عديدة، ليس ادوار الخراط مستعدا ان يوقع من دون تحفظ بامضائه على ما يقوله ميخائيل أو ما يفعله.

* دعني استعير تحليل عبد الفتاح كيليطو لمغامرات السندباد، إذ قد يكون السندباد رجلا كسولا يعيش في أزقة بغداد له خيال نشط وان مغامراته ورحلاته محض خيال، هل من الممكن ان ينطبق هذا التحليل على ميخائيل وعلاقته؟
ـ الرد في كلمة واحدة ممكن، ولكن دعنا نتعمق قليلا في تحليل عبد الفتاح كيليطو الشائق، ان مغامرات السندباد أو أي سندباد آخر وهو قابع في عقر داره، لا يمكن ان تكون خيالا محضا فما دامت قد حكيت أو سردت أو قيلت شفاهة، فقد اكتسبت بعدا معينا مما نسميه الحقيقة، ذلك ان
- الخيال فيه غير منفصل تماما عن الواقع بل لعل فيه واقعا أعمق واقعية مما نسميه الواقع.

* ألا ترى أن صناعة نسيج لغوي اسطوري في عالم تسوده الحروب والفوضى نوع من الترف العقلي؟
ـ لا أتفق معك على الاطلاق، أولا:
- أعوذ بالله ان تكون نصوصي نسيجا لغويا.
- وآمل أن تكون فيها خبرة من الحياة والحرارة مما يتجاوز مجرد الوصف بالنسيج اللغوي.
ثانيا:
- والأهم ليس هناك ترف عقلي في الخبرة الفنية بشكل عام فهي ضرورة روحية وحياتية لا يستقيم الوجود الانساني بغيرها،
- العالم الذي يموج بالعنف والقسوة والشر هو الذي تواجهه الخبرة الفنية لكي تعمق الوعي به أولا ويأتي السعي نحو تغييره عن طريق الفن وعن طريق العمل المباشر.

* تقول «اسكندريتي كولاج قصصي تم خلالها تقطيع اوصال نصوص في غاية الفنية في سياقها»، هل يعني هذا انك مريد في حضرة الاسكندرية؟ وهل ستكرر التجربة؟
ـ أما وأنا مريد في حضرة المعشوقة فهو ماثل ولا يحتاج الى بيان، لكن الكولاج القصصي فيما ارجو قد اكسب النص دلالات لعلها كانت كامنة في الاصل فأوضحها وأظهرها للعيان.
وأما تكرار التجربة فلم لا، قد يكون هذا واردا في غير نص كما هو وارد في ما نسميه واقع الحياة نفسها الذي يتكون من كولاج نمزقه ونصله بعضا ببعض في تصوراتنا وأفعالنا كما في أحلامنا أو أوهامنا.

* هناك ازدواجية في النظرة الى المكان، مرة باعتباره رحما ومرة باعتباره ذا سطوة وجبروت، كيف ترى؟
ـ لست اظن ان هناك ازدواجية في ذلك فيمكن ان تكون للمكان ابعاد كثيرة في وقت واحد قد يكون رحما او ملاذا أو قوة طاردة، ليس للمكان في ذاته حتى لو صح هذا التعبير وجود نهائي مغلق، انه يتمروح تحت تأثير الزمن ويتقيد تحت وقع النظرة إليه أو تحت وطأة الخبرة به، المكان اذاً ليس ظاهرة نهائية مصمتة مغلقة على ذاتها، أظنه تجربة حميمة متغيرة المواقع في النص وفي الروح.

* يبدو الراوي في قص ادوار الخراط مهيمنا أبويا يخضع شخوصه لنوع من التشريح وكأنهم تحت المجهر؟
ـ يحق لك ان تراه على هذا النحو بطبيعة الحال كما يحق لي ان اراه على نحو مختلف تمام الاختلاف.
صحيح ان شخوصي تأتي من خلال نظرة الراوي إليها، ولكنها حتى في هذه النظرة لها وجود موضوعي مغاير لنظرة الراوي إليها، ذلك واضح من استقصاء الخطوط الواقعية التي ترسم بها الشخوص وبها تحيا خارج نظرة الراوي إليها. انني أكره بل امقت النظرة الابوية السلطوية وما الى ذلك، أرجو ان أكون متواضعا أشد التواضع امام حقائق الآخرين ووجودهم المائز.

* لماذا لجأت الى التوثيق في رصد الحالة الدينية في مصر؟
ـ الحقيقة ان لجوئي الى التوثيق ليس في رواية «يقين العطش» فحسب بل من فترة مبكرة من حياتي.

* أعلم، غير انك كنت تستخدم التوثيق باختصار شديد، ولكن التوثيق في «يقين العطش» أثقل على العمل رغم لغتك الشاعرية التي حاولت بها ان تخفف هذا الثقل؟
ـ عموما،
-التوثيق تقنية هامة من تقنيات السرد القصصي والروائي على شرط ان يتسق مع المتخيل لكي يخلق واقعا سرديا يختلف عما نسميه الواقع اليومي في الوقت الذي ينبع منه ويصب اليه.
ليس ما نسميه الواقع شيئا كريها في ذاته، ففيه من أهوال الجمال ما يروع القلب. الكريه في الواقع قبحه وشره وهو ما يجهر الفن في تعريته ومن ثم فضحه. ان الذي يزيل عن التوثيق جفافه او صلابته، ادراجه في سياق يتجاوز هذا الجفاف وتلك الصلابة الى شيء آخر اسميه واقعية السرد، التي لا تختلف في نهاية الأمر عن شاعرية السرد، لان الفن هو سيد المتناقضات، به الواقع والخيال بين الجسم والروح بين الصحو البارد والفانتازيا الحارة.

* رفض ميخائيل الحوار مع المتشددين في صعيد مصر.. كيف ترى هذا الأمر؟
ـ بؤرة العنف الارهابية الاساسية هي العطب الاجتماعي الذي يصيب، بل يتفشى في الوطن من جراء غياب الحرية الكاملة.
- نحن لا نريد هامشا للحرية، لماذا الهامش؟ نريد الحرية غير منقوصة بلا حدود، هذا هو السبيل الوحيد لمعالجة البطالة، قصور أو فساد نظم التعليم أو الاعلام، تفشي الفهم الضيق المتعصب للمبادئ الدينية السمحة بطبيعتها، افتقاد الأمل في المستقبل امام الشباب، الحس بأن الفرد الانساني في أوطاننا ممنوع من تقرير مصيره بنفسه، ومقموع تحت وطأة آليات كثيرة عليه ان يجالدها في لحظة، بدءا من الجوع الى لقمة العيش حتى الجوع الى فسحة الأمل،
تلك هي الارض التي ينبثق منها العنف الديني أو ما نسميه الإرهاب ولا علاج له أبدا لا عن طريق العنف المضاد ولا عن طريق الوسائل الأمنية، وإنما صلاح أو تنوير المجتمع يكون بالديمقراطية الكاملة، وهو الحل.
أما بخصوص الحوار في النهاية فلا بد ان يتم في مناخ الحرية، لا معنى للحوار مع من يرفض الحوار أصلا، ويقطع السبيل أمام كل نقاش، لا معنى للحوار في ما اظن لمن يتصور انه يملك الحقيقة المطلقة ملكية تامة وان كل خلاف معه يعد من قبيل الكفر. قيل قديما انه لا حرية لأعداء الحرية، الوضع هنا مختلف فلا علاج لانتقاص الحرية إلا بمزيد من الحرية. الحوار مفتوح وضروري لمن يقف على أرضية الحوار «وجادلهم بالتي هي أحسن».

* كثيرا ما تسرف في استخدام عبارات مثل التجريب، المغامرة، عدم اليقين، مع ان جوهر العمل الروائي لادوار الخراط هو مع المستقر في الرواية الكلاسيكية بتنوعه مثل البناء الصارم، الشخصية المركزية، الراوي المهيمن وهكذا؟
ـ بالعكس انا لا أرى في ما تسميه جوهر الروائي عندي على السائد والمكرس والمألوف، ولعلك ترجع في ذلك الى كل نقادي الذين اجمعوا على ذلك، لا، لا، لا
- أظن ان العمل الروائي هو مغامرة مستمرة وتجريب متصل، وذلك لا يتنافى مع بناء قد يكون محكما أو به صرامة في الصدق لعلها تكون ذاهبة الى غايتها،
- ولكن اللب أو المحور الاساسي هو ان العمل الفني سؤال وليس اجابة،
- اقتحام وليس انصياعا.
- العمل الفني اختراق وليس امتثالا.