عرض مشاركة واحدة
قديم 01-24-2013, 05:26 PM
المشاركة 5
عبدالله باسودان
أديـب وشاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي حول الدرسة الرمزية
تابع - 2 - حول المدرسة الرمزية في الشعر المعاصر

آسف هذا البحث مكرر

.....لقد كانت البلاد الشامية هي الحاضنة الأولى في الوطن العربي لهذا التيار ، ومنها انتقل إلى مصر ، ومنها إلى البلاد العربية. إن الشاعر الرمزي يحاول أن يعبر عن أسرار الحياة النفسية السحيقة عن أعماقها اللاشعورية ، فإذا تمكن من إنتاج ذلك التعبير استطاع أن ينتج قصيدة رمزية حديثة ،: يقول الرمزيون أن القصيدة الحديثة تتصادم فيها التجارب النفسية معبرة عن الرؤية التي تتغلغل في أعماق الشاعر ، لكن كيف يستطيع هذا الشاعر أن ينتج هذا التعبير عن تلك الأعماق النفسية واللاشعورية ، إنه إذا أراد ذلك فلا بد أن تكون له أولاً ( رؤية ) أو ( رؤيا ) وكأنه يرى أن الأولى تستمد نفسها من العقل والأخيرة من الباطن ، كما أن للفظة ( الرؤيا ) مفهومًا دينيًا وصوفيًا ومن ثم فإن لها دلالة ميتافيزيقية غيبية ، وأول من تبناها في مجال النقد هم جماعة ( شعر ) ، وتحت تأثير هذه الجماعة يقول الرمزيون في تفسيرهم لتلك الرؤيا : " الرؤيا هي بمثابة اكتشاف وخلق جديد للأشياء أو بتعبير أوضح كسر جدران سجون الوعي الذي يلفنا قاسيًا بمنطقيته المحدودة ، إذن فالشاعر كي يكون حديثًا ، أو رمزيًا بالتحديد ، يجب عليه أن يتخلص من محدودية التفكير المنطقي ويتحرر من سجن الوعي ويقفز من أعلى جدرانه حتى يتسنى له أن يقبض على اللحظة الحضارية النفسية فيما هي تبرق وتخطف قبل أن يدركها الإدراك ويعيها الوعي ويجزئها إلى معانٍ وأفكار."

إن الشاعر الر مزي في سباق لاهث مع ( خصمه اللدود ) الوعي والمنطق على الإشارات التي تنبعث من أعماقه النفسية ليصورها في إبداعه كما هي حالمة قبل أن يدركها الوعي ويحيلها إلى العقل فيضع لها تفسيرًا قد لا يكون صحيحًا أو دقيقًا، إنه يفضل أن يلوذ الشاعر بحالة اللاوعي تلك الحالة التي تكون موجودة في النفس وهي الأشد تأثيرًا على مصيرها ومواقفها وعواطفها من الأفكار والأحوال التي تطرأ على الوعي فيعيها ويتمثلها وينتبه لها ، وتلك النظرة إلى دور اللاوعي يبدو فيها الشعراء الرمزيون متأثرون بمقولات علماء التحليل النفسي وعلى رأسهم فرويد ، ومن ثم نراهم يقولون بوضوح بأن الشاعر الرمزي " يجب أن يكون ذلك المثقف الحالم على حد تعبير سيجموند فرويد "، إنها ثقافة غير عادية ، بل هي ثقافة ينبغي أن تتسم بالاتساع والعمق حتى تكون وسيلة مثلى للشاعر تمكنه من تشكيل تلك الرؤيا وإنضاجها وتعميقها وتكثيفها لتترك في نفس المتلقي شعورًا بعدم الاكتفاء ، كما تساعده على إنجاز عملية تعطيل الوعي ، وهذا التعطيل يعد في حد ذاته عملاً إراديًا يحتاج إلى كثير من الرياضة و الدربة والمكابدة .

ثم إن الشاعر الرمزي يفترض فيه أن يكون ذا نظرة متميزة لمجريات واقعه ، ولتحقيق ذلك عليه أن يصاب بصورة مستمرة بالاندهاش من كل ما يمكن أن يدخل في حدود إبصاره ، ذلك لأن ( الدهشة ) هي كما يراها الشعراء الرمزيون " أعظم فلذة في الشعر الحديث "، فالشاعر الحقيقي لا ينظر إلى الأشياء إلا بدهشة " ، ولا شك أن الدهشة لا تعتري الإنسان إلا إذا رأى ما لم يألفه ، وهذا الأمر يجعل الشاعر مطالبًا بأن ينظر حتى إلى الأشياء المألوفة كأنها غير مألوفة ، أو بعبارة أخرى أن ينظر هو إليها نظرًا غير مألوف ، أو ينظر إليها نظرًا حالمًا كما ينظر الوسنان إلى الأشياء أو الوقائع التي تتراءى له في أحلامه وتمتلئ بها نفسه ارتياحًا أو انقباضًا لكنه في كلا الحالتين لا يدري لها تأويلاً ولا يدرك لها تعبيرًا .


يتبع