الموضوع: احترام الشعور
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2012, 03:21 AM
المشاركة 8
أحمد الورّاق
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[justify]الزميل أيوب صابر..

[/justify]
[justify] أشكرك لأنك تعاملت مع الموضوع بالطريقة المناسبة لي وللموضوع ولهذا الموقع كمنبر ثقافي ، وياليت أننا نتعامل مع كل ما يطرح بنفس هذه الطريقة التي تنصب على الفكرة وليس على الكاتب .

في الحقيقة طرحت أسئلة كثيرة ومثيرة ومهمة بنفس الوقت ، لكن يبدو لي أنها كلها تدور حول مشكلة التفريق بين الشعور الصافي والأفكار، وبين والمشاعر العليا والمشاعر الدنيا، وبالمناسبة لا أقصد بالمشاعر العليا ما يقصده فرويد بالأنا الأعلى ، فهو عند فرويد مكتسب من الدين والمجتمع وليس أصيلاً ، إنما الأصيل عنده هي الغرائز الحيوانية ، أنا أرى على العكس أن الدوائر العليا هي الأصل وأن الدوائر الدنيا تابعة لها ، لهذا ينبغي ألا تتقدم عليها ، فلا يتقدم الخادم على المخدوم .

جزء من المشكلة أيضاً هو معرفة من أين جاء العقل أصلاً، فيبدو أنك ترجع كل شيء إلى العقل، في حين أني أرى أن العقل نفسه نتيجة للشعور ، وأنه عبارة عن مشاعر ثبتت عند الجميع وأعطيت إطاراً لغوياً وصارت منطقاً يقاس عليه .

لو وضعنا ثلاثة أطفال مثلا في غابة بدون أن يكون حولهم أحد منذ ولادتهم فسوف نرى كيف يتشكل العقل عندهم من الشعور ، لأن الإنسان يملك شعوراً مميَّزاً للأشياء ، وسنجدهم يعطون الحيوانات اسماً واحداً في البداية ، ثم يقف إحساسهم وقد لاحظ اختلافات فيبحث عن تفريق بين ما يطير منها وما يمشي ويضع اسماً لما يطير واسماً لما يمشي ، ثم يرتاحون لهذا التفريق، لكن يبدأ الإحساس بالتشكي مرة أخرى لأنه يجد فروقاً، فيقول: هناك حيوانات صغيرة وهناك كبيرة ، ويجدون أيضاً أن هذا التفريق غير كاف، فهناك حيوانات يخافون منها وأخرى لا يخافون منها ، ثم يوجِدون كلمة حيوان "مفترس" وحيوان "غير مفترس"، وهكذا نعرف أنه قد تشكل العقل واللغة في وقت واحد، وما يزال العقل واللغة في توسع وامتداد وتفصيلات أكثر. وربما لهذا سمي العقل منطقاً لعلاقته بالنطق، لكن اللغة نفسها لا تسمى منطقاً، إذاً ما هو المنطق؟؟

إن المنطق يتشكل مع اللغة كمنتج شعوري أيضاً ، وهو ليس إلا أفكار قياسية مرنة تصلح لأشياء كثيرة ، أما أسماء اللغة فهي جامدة ، فكلمة " أسد" جامدة وتدل على حيوان معين ، لكن كلمة "فوق" تصلح لكل شيء ، فلما عرف الشعور معنى "فوق" ووضع له اسماً افتقر الإحساس إلى مقابل له ، فأحس بالمعنى ووضع له كلمة هي "تحت" ، وصارت كلمة فوق مقابلة لكلمة تحت ، وسُجِّلت في العقل العلاقة بينهما وهي الضدية، ثم وجد الجهات الأخرى ، فأحس الشعور أن هذا غير كاف وأن هناك فراغ يحتاج إلى توضيح، فاكتشف معنى يمين ووضع له كلمة ، وأحس بمعنى يسار بالضدية التي عرفها من قبل ووضع له كلمة يسار.

وهنا تخطر فكرة أن اللغات تكونت بهذا الشكل كنظرية يمكن أن تفسر أصل اللغة، إذاً اللغة والمنطق نتيجة لهذا الشعور المميز للأشياء والأمور دون أن يحددها، فيأتي العقل كمحدد للشعور ومثبت له ويمكن نقل الشعور للآخرين من خلال اللغة والمنطق ، إذاً القيمة هي هذا التمييز ، أما العقل واللغة فهي نواتج له ، عندما نلاحظ الحيوان لا نجده يمتلك هذا التمييز ، وعندما نبحث في أصل هذا التمييز فلا يمكن أن نعرفه ، إنه هبة من الله للإنسان دون بقية المخلوقات. بعبارة أخرى : التمييز الشعوري عند الإنسان عام، وعند الحيوان خاص, فالحيوان لا يندهش إلا مما يعنيه, الإنسان يندهش مما يعنيه ومما لا يعنيه, وكلما اندهش عقَل, والفيلسوف هو الذي يندهش مما اعتاد الناس على عدم الاندهاش منه, إضافة إلى انه يكون عقلا يختصر العمليات السابقة ولا يعيد بحثها.

وما مفردات العقل عندما نحللها إلا لغة + منطق, واللغة عندما نرجعها لأساسها نجدها أسماءً يحدد المنطق العلاقات بين هذه الأسماء, والكلام كله اسم أو فعل أو حرف, الفعل والحرف جاءت لأسباب منطقية لتنظم العلاقة بين الأسماء, والنحو يدرس تلك العلاقة المنطقية كما قالوا: "الإعراب ظل المعنى" أي ظل المنطق. واضطراب المنطق في اي لغة من أقوى الأسباب في صعوبة تعلمها, فانضباط الإملاء العربي مثلا بقواعد منطقية جعل الكتابة أسهل وتعلمها لغير العربي أسهل, أما عدم منطقية الإملاء في اللغة الإنجليزية مثلا اقتضى ان تحفظ كل كلمة تقريبا كما كتبوها. ونفهم بشكل عام من هذا: العلاقة بين عدم وضوح المنطق واضطرابه والحاجة إلى الحفظ كعلاقة طردية, فكلما اتضح المنطق عندك كلما قلت حاجتك للحفظ والاستشهاد.

ومما سبق نعرف كيف تكونت الأسماء والدافع الشعوري الذي ميزها, وهنا نتذكر قوله تعالى : {وعلم آدم الأسماء كلها} فلو لم يكن هناك أسماء لم يكن هناك عقل ولا لغة. إذا الاسماء هي موجودة في داخلنا, ليست كمعرفة منسية نتذكرها بالتعلم كما يقول سقراط, لكنها كشعور اودعه الله في الإنسان دون الحيوان. وهو شعور التمييز الغير مقتصر على الغرائز, فالحيوان يميز ما يتعلق بغرائزه فقط, لكنه لا يميز غير ما يتعلق بغرائزه, أما الإنسان فإنه يميز ما يعنيه وما لا يعنيه, بناء على ملاحظة الظواهر, والذي يبدأ بإحساس غامض يتضح ويتحدد مع التفكير والتأمل, إذا المعرفة تبدأ بشعور (قانون).

الحيوان لا يميز حياة الإنسان ولا يهتم بها لكن الإنسان يهتم بحياته وما يتعلق بها ويهتم بحياة الحيوان أيضا ويستطيع أن يميز مظاهرها, لهذا صار علم الإنسان ظاهري, لأنه يعتمد على حاسة التمييز, والتمييز يتم على رصد الاختلافات بين ظواهر الأشياء.

قال تعالى : {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا}, لماذا؟ لأنهم عُلِموا الاسماء, والأسماء مبنية على اختلاف الظواهر, فاللون الأحمر غير الأصفر وغير الأسود لاحَـظها الإنسان وميزها في كل لغة, بل لاحظ اختلاف في درجات اللون الواحد ووضع لها أسماء ايضا. رسم الفنان اللوحة لكنه يحس أن في نفسه شيء منها وأنها لم تكتمل بعد, ثم يبحث ويفكر ويضيف أويحذف او يغيّر, وقد يعيد العملية مرة أخرى في ديالكتيك بين الشعور والعالم الخارجي من خلال العقل, والعقل من خلال الحواس. أنت تشعر أنك نسيت شيئا لا تدري ما هو فتفكر أو تعود للمكان الذي كنت فيه فتجد انك نسيت مفتاح المنزل مثلا, لاحظ كيف تعمل الذاكرة, إحساس غامض تبذل مجهودا عقليا حتى يتضح, مثلما أحس الفنان بعد أن نظر إلى لوحته بشيء غامض تحتاجه اللوحة ومثلما يحس المخترع ومثلما تحس أنت وأنت تكتب وتعدل فيما كتبت, إذا الشعور هو الذي وراء كل شيء وليس العقل.

الشعور مرن ومتجدد والعقل ثابت, فالعقل خادم للشعور وليس الشعور خادما للعقل, لأنه وسيلة من وسائل الشعور, ورأينا في السابق كيف أن الشعور يبني عقله ولغته بنفسه من خلال التمييز الفطري الذي أودعه الله فيه دون أن يعرف البواطن, فنحن نعرف أن 1+1=2, هذه ظاهرة ميزناها لا يستطيع الحيوان أن يميزها ولا كل أنواع المخلوقات غير الإنسان بما فيها القرد, ولو كانت فكرة التطور صحيحة لوجدت هذه الخاصية (خاصية التمييز) بنسب متفاوتة بين الحيوانات, لكنها غير موجودة إلا في الإنسان, وهو المخلوق الوحيد الذي يتعب إذا لم يعرف, لأن تمييزه الشعوري يضغط على عقله ويطالبه. لكن لماذا تكون النتيجة =2؟ ولماذا لا تساوي 3؟ لا ندري, ولا يمكن ان ندري.

نحن نميز القوانين من خلال ظواهرها لكننا لا نعي القوانين في جوهرها, مثلما نعرف بعض ظواهر أنفسنا ولا نعرف جوهرها ومثلما نعرف ظواهر الحياة لكن لا نعرف ماهي الحياة, بمعنى آخر نحن نتعلم من خلال البديهيات لكننا لا نعرف ما هي البديهيات. على الإنسان ألا يغتر كثيرا بعلمه وعقله, فهو لا يعرف ولن يعرف إلا الظواهر في كل شيء ماديا أو معنويا, مثلما نعرف بعض ظواهر النفس لكننا لا نعرف ما هي النفس ولا ما هو العقل وأين موقعه, ولا أين موقع الإحساس, ولا أين يذهب كل هذا بعد أن نموت, أما الدماغ فيتحول إلى حفنة من التراب في مادته, لكن أحضر حفنة من التراب واطلب منها أفكارا ووعيا, لا يمكن, إذا نحن لسنا مادة بالكامل كما يريد علماء الفلسفة المادية.



وهكذا كلما بانت ظواهر شيء وتميزت عن غيرها صارت هناك حاجة لتسميتها. والبشر عُلموا الأسماء من خلال الشعور المميِّز, ولهذا يظل علم الإنسان مرتبط بالظواهر ولا يصل للبواطن أبدا ولهذا يظل علم الإنسان قليلا, وصدق الله العظيم:{ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}, إذا عقل الإنسان مبني على الظواهر وليس على البواطن, لأنه يبدأ من الظواهر ولو كان يعرف البواطن لبدأ منها. وهذا يُخرِج كلام من يزعمون أن العلم البشري قادر على أن يعرف كل شيء, نعم هو قادر على معرفة ماله ظواهر يستطيع الشعور أن يرصدها ويعمل العقل في توضيحها وتسميتها, ألا يكفي هؤلاء أنهم لا يعرفون حتى أنفسهم وهي أقرب شيء لهم معرفة كاملة ووافية؟ وأمر طريف أن تجد عالما يزعم أن العلم سيصل يوما من الأيام إلى معرفة لكل شيء في الكون ثم تسأله سؤالا شخصيا فيقول أنا لا أفهم نفسي ولا أستطيع أن أعرف نفسي! بل لا أدري أين عقلي الذي أعرف به! فكيف يكون علما أكيدا وكاملا ووسيلته مجهولة؟



- إذا كان الشعور يعطي أوامر عقليه فما هو مصدر الشعور؟ أم أن هناك جهاز آخر فوق العقل يولد الشعور؟ أليس العقل مصدر الشعور؟ فكيف أذا يأخذ تعليمات من الشعور؟

قبل أن تسأل أين الشعور اسأل أين العقل, وأصاب من قال: أيها العقل من رآك؟
كل هذه غيبيات ولا وجود مادي لها, ونحن نعرفها من ظواهرها أيضا مثلما عرف العلم الإنسان من ظواهره. ومن هذه الظواهر نعرف أن الشعور هو الأصل والأساس وأن العقل فرع منه, أو بتعبير آخر إن جاز العقل هو ثلاجة الشعور يجمد بها طبخاته ويبقيها ويثبتها ويستطيع أن ينقلها إلى غيره من خلال اللغة التي بناها هو أيضا. لهذا نجد القرآن لم يذكر العقل بحد ذاته بل ذكر الفعل المضارع: يعقلون, فالعقل هو تقييد الشعور بعد اتضاحه. مثلا كثيرا ما نجد اناس يحبون أشياء أو اشخاص ويتضح لنا ذلك من سلوكهم وإذا سألتهم ادعوا غير ذلك بل عكسه, هم في هذه الحالة لم يعقلوا شعورهم. وعقل الشعور تقييده واحترامه والاعتراف به, ومن يفعل ذلك فهو يعرف نفسه أكثر من البقية. وكلمة عقل مأخوذة من عقال البعير حتى لا تفلت. إذا العقل هو استجابة للشعور, وأهل العقول الكبيرة هم الأكثر استجابة وعقلا لشعورهم, لأننا نعرف الأشياء كما هي المعرفة من خلال شعورنا وليس من خلال الآخرين.


- هل الشعور انعكاس لحاجة جسدية؟ وهل يسبق اختيار نوع الأكل؟ أم أن الشعور يتولد كنتيجة للمشاهدة ( الطعام مثلا )؟إلا تُحرك فينا البضاعة المعروضة بجانب الكاشير في السوبرماركت شعورا نحوها؟ ألا تقوم فكرة السوبرماركت الضخم على إغراء المتسوق لشراء كميات هائلة من الأغراض لا يكون بحاجة لها لكنه يشعر برغبة في اقتنائها خلال جولته في السوبرماركت؟

كلا الأمرين قد يكون , فهناك شعور منبعث من نفسه وهناك شعور يُستثار, مثلما وضحت في أمثلتك, ومثال السوبرماركت من النوع الثاني.


- هل الإنسان بطبيعة نشيط ام ميال الى الكسل والنوم؟ أم أن عليه شحذ الهمة وتقوية الإرادة وايجاد المبررات ليستمر في العيش؟


الشعور نشيط ولا ينام أًصلا, وهو مصدر الأحلام ولا يتأثر بالمرض ولا بمؤثرات الدماغ كالمخدرات والمسكرات, وهو هو في الطفولة أو الشيخوخة.


هل السلامة في العجلة أم في التأني؟ إلا تؤدي سرعة الاستجابة للشعور للخطأ؟


العقل الطبيعي هو ممر الشعور, وأي شعور يخرج من دون أن يمر بقناة العقل سوف يكون عائده سلبي, والعقل الطبيعي مبني على احترام الدوائر العليا أصلا بالدرجة الأولى, الحيوان يستجيب لغرائزه بدون عقل لهذا يضر نفسه في أحيان كثيرة مثل أن يقفز من السيارة. إذا قلنا احترام الشعور فنقصد احتراما بكل ما تعنيه الكلمة ومنه احترام العقل المنتَج من الشعور, أما من يتصرف من شعور اللحظة فقط فسيكون مجنونا, والسبب العميق هنا هو أن الشعور لا يعرف الواقع.

أذكرك بقصة المفتاح السابقة, عندما قلت أنك نسيت شيئا لكنك لم تحدد ماهو إلا بعد وقت من التفكير يطول أو يقصر, هذا الذي نبهك هو الشعور, فهو لا يعرف العالم الخارجي ولكنه يميِّز ويلاحظ, إذا لا بد من العقل الطبيعي مع الشعور, فالشعور أعمى عن الواقع, لكنه مبصر في الحقائق, الشعور هو الطبيعة فينا ويحتاج إلى عقل من نسجه ومبني على تمييزه, وأكثر ما في عقولنا مع الأسف لا تنطبق عليه هذه الشروط, ويمكن أن نسميه عقلا صناعيا أي غير طبيعي, وبالتالي سيكون هناك شخص طبيعي وشخص صناعي, إذا نحن بحاجة إلى تطبيع عقولنا.


لاحظ عندما نتأمل أحاسيسنا أننا لا نستعمل اللغة لكن عندما نفكر في معاملة في إحدى الدوائر الحكومية أو في مسالة رياضية سوف نستعمل اللغة ونحن نفكر إلى حد كبير. ماهي أعمالك غدا ؟ هنا سوف تفكر بلغة, ستقول في الصباح سوف أذهب إلى ذلك المكان وأقابل ذلك الشخص ثم أعود...إلخ, لكن عندما تشاهد منظرا جميلا وتتفكر فيه لا تستعمل اللغة, أو بعبارة أدق كلما لامست العالم الخارجي وأنت تفكر احتجت اللغة واهتزت حبالك الصوتية حتى لو لم تتكلم, حتى أنك تحس بألم الحنجرة أحيانا من كثرة التفكير, ويتضح هذا عند من يعاني احتقان في الحلق واللوزتين.

إذاً القاعدة التي يجب أن نسير عليها في حياتنا وكل قرارتنا هي اتباع الشعور بعد أن يتفق العقل والشعور وليس أحدهما, فيكون الأمر متفقا عليه, فمن تبع الشعور والعقل يعارض سيكون قد أضر بنفسه وخرج عن دائرة العقلاء, ومن تبع العقل والشعور يعارض سيكون هذا العقل غير طبيعي أي ليس مبنيا من الشعور, ومن يتلكأ بعد اتفاق العقل والشعور فهو من نسميه غير محترم للشعور ويؤخره عن وقته والله يقول: {وإذا عزمت فتوكل على الله} فسيكون ذلك تبلدا. لاحظ وأنت تعبر الشارع ماشيا سوف تنتظر فرصة عدم مرور سيارات في الوقت الذي ستعبر فيه وتنظر إلى سيارة مقبلة وتقدر المسافة وقدرتك على عبورها, ان تباطأت في اتخاذ القرار سوف تظل باقي يومك على الرصيف, وإن تباطأت أثناء تنفيذ القرار فستعطي السيارة القادمة فرصة أكبر لتقترب منك. العقل يوازن بين الشعورات ويحدد لها المكان والزمان المناسبين, العقل مثل العين بالنسبة للرؤية, كأن الشعور هو الرؤية والعقل هو العين المادية, لأن الحالم يرى مع أن عينيه مقفلة.

إذا كلمة الاستعجال المذمومة هي الاستعجال قبل نضج الرؤية, لأنها تكون تهورا, وما الشجاعة إلا تعبير عن سرعة احترام الشعور بعد دراسة الامكانية عقليا. ألا تمر بك لحظات تندم فيها أنك لم تقل فيها كلاما معينا وفي وقت معين وتباطأت مع أن إحساسك وعقلك كانا متفقين عليه؟

الله يقول: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ولم يقل لا تستعجلوا, فقد يكون الموت أعجل, إذا المقصود بالعجلة العجلة المعنوية أما المادية فأحيانا يقتضي المنطق السرعة وأحيانا يقتضي التمهل, فسيارة تسير في الطريق السرعة ليست في صالحها ولكن سيارة تتباطأ وهي تسير في تقاطع مزدحم ليس البطء في صالحها, إذا هذه الحكمة :
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل. لا تنطبق على كل الظروف.

- أليس الشعور من النفس ؟ أليست النفس أمارة بالسوء؟

الشعور غير النفس, النفس في منطقة أسميها بالعقل الوسيط, وهي عبارة عن أساس شعوري + أفكار أخذت صفة الاعتياد والآلية, فصارت كأنها جزء من الشخص, بدليل قوله تعالى :{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وهذا يكسر فكرة أن الطبع لا يتغير وأن العادات لا تُستأصل, بل يجب أن نغير عاداتنا السيئة حتى لو صارت جزءا منا وصرنا نعملها بطريقة آلية سواء كانت أفكار أو أعمال, والتغيير لا يتم بسهولة إلا إن قدمنا البديل الأفضل الذي يتفق عليه العقل والشعور.
أي شيء نفعله بالبداهة دون تركيز نسميه من إيحاء العقل الوسيط, والذي يكون فيه أشياء حسنة او سيئة نتيجة افكار مكتسبة منذ القدم. الشعور هو فطرة الله, والنفس يؤثر فيها الشيطان, لاحظ أننا نتضايق من أنفسنا ونحن نفعل أشياء معتادة, الذي تضايق هو الشعور والذي يصر على الاستمرار هو النفس. ويوضح هذا صورة المدخن, كل مدخن يكره أنه يدخن ولكنه لا يستطيع الفكاك لأنه عود العقل الوسيط (أو نفسه) على هذه العادة وصارت جزءا منه وارتبط بها مزاجه.

لاحظ أننا ننسى أحيانا كثيرة فيعمل العقل الوسيط إذا غاب التركيز, بل هو النسيان نفسه, فلا يوجد شيء اسمه نسيان كامل لشيء رصده الشعور ووافقه العقل (أي فُهِم) بل هنالك تناوب بين العقل الوسيط وبين العقل المركِّز (الذي يمكن أن نسميه بالعقل (أ) ونسمي الشعور بالعقل (ب) ), مثل سائق السيارة الذي يتكلم مع راكب آخر وهو متحمس للموضوع, نجده يقود السيارة بطريقة آلية بدون تركيز وربما تغير مسكنه أو مقر عمله فنجد أنه إذا لم يركز يذهب إلى مكان المقر القديم, هذا هو العقل الوسيط, وهو نعمة إلهية تريحنا من التركيز وتفرغه للجديد. لكنه يكون ضارا وأمارا بالسوء إذا سمحنا أن يدخل فيه افكارا سيئة أو سمح المربون بذلك, وهنا تتبين أمانة المربي.

ماذا يحصل إذا حدث خلل هرموني أو كيماوي في الدماغ وهو كثيرا ما يحدث؟ إلا يؤدي مثل ذلك الخلل إلى رغبة في الانتحار مثلا؟ هل ننفذ رغبتنا في الانتحار؟ ثم هناك نسبة من الناس يصابون بمرض الذُهان فيكون ما يدور في عقلهم هذيان واوهام فيتصور مثلا انه ملاحق من قبل كائنات فضائية او اعداء خياليين...ولا بد أن شعورهم أيضا يتأثر بهذه الحالة فهل يتصرف بناء على هذا الشعور؟


إذا بناء على ماذا بما أن عقله مريض؟
.................................................. ............


أعتقد أن التفريقات السابقة كافية لبيان بقية التساؤلات, وشكرا على تساؤلك وارجو أن أكون وضحت وجهة نظري والتي تبقى على كل حال وجهة نظر غير ملزمة لأحد إلا لي.


وتقبلوا تحياتي..أنت والأعضاء والقراء..[/justify]