الموضوع: لماذا نكتب؟
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
4701
 
محمود عبدي
من آل منابر ثقافية

محمود عبدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
5

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Jun 2012

الاقامة
UAE

رقم العضوية
11242
06-16-2012, 05:02 AM
المشاركة 1
06-16-2012, 05:02 AM
المشاركة 1
افتراضي لماذا نكتب؟


لماذا نكتب؟ سؤال يتكرر كلما شعرنا بإحساس غامر تجاه أمر ما، لماذا نكتب؟ سؤال يقف كشرطي المرور يستوقفنا، ليفحص إن كنا لازلنا نمتلك النية الصحيحة، تجاه ما ندعيه من رغبة في رؤية تصحيح للوضع، وتطوير أسلوبنا في مقاربة الأمور، وتوضيح ما نحمله من مشاعر، وانطباعات وأفكار ورؤى، نحو كل ما نفعله ونعيشه، متأثرين ومؤثرين بالفعل ورد الفعل، تعبيرًا عن وجودنا وإثباته.
إنه مما لا شك في أن تأثير أحداث معينة تدور في وطننا، تهدد ـ بشكل جدي ـ الحق في التعبير وحريته، ليبقى ذلك التأثير، الهاجس المقيم في العقل الباطن، لكل كاتب صومالي، ليتعامل كلٌّ معه حسب تكوينه، سلبًا أو إيجابًا، حذرًا وتعقلًا أو مغامرة واندفاعًا، في حالة لابد أنها مميزة وفريدة، لا يحياها إلّا الصومالي، الذي لازال يجد اللذة في الإجابة على السؤال القائم، كمراقب إمتحان تلهب أنفاسه مؤخرة رأسنا: لماذا نكتب؟
ولن أكون بعيدًا عن الواقع، إن وضعت إصبعي على ألمٍ يلازم الكاتب، منذ لحظة بدئه بالكتابة، حتى لحظة وصول أصداء ردود الفعل حول ما كتب، بين مخاوفه التي يحاول كبتها، ومشاعره السلبية ـ المعتادة ـ التي يستقيها من محيطه، وهو يسعى جاهدًا أن يفتح صفحة جديدة، بينه وبين نفسه ـ على الأقل ـ، لتجاوز السلبية التي يتألم منها، أو الحد منها، أو حتى مجرد اعتبارها مرحلة ستمر وتنقضي، منذ لحظة رده عليها، فيتحرر منها لأنه أصبح خارج ظلها الثقيل، حين أعلن ـ صراحة ـ أنه ليس قابلًا بها، مع أنه مدرك في توجهه ذاك، قد وضع نفسه في ميدان واسع، يكون فيه وحيدًا ـ على الأغلب ـ ومكشوفًا، ليكون بذلك عرضة للأذى، حارمًا نفسه مما تنعم به القطعان والأسراب، من شعور بالأمان الآني، والذي تضمنه الكثرة والرفقة.
ولأكون صادقًا فإن تلك الصورة، وإن بدت للوهلة الأولى قاتمة، فإنها تنضح بمشاعر المكافئة والرضى، فالتفاعل بحد ذاته ـ أيًا كانت درجته ـ، وقود حقيقي للكاتب ودافع كبير له،ليستمر فيما يقوم به من عرض لما يكتب، لكن ذلك رهن بمقدار ما في قلمه من روح، نعم روح إنسانية تستطيع التجدد بشكل مستمر، وليس أضر على الكاتب من شيء، قدر ما يفعله التيبس والامتلاء بالذات.
فالاعتراف ببشريته في حد ذاته، أداة جبارة تمنحه الفرصة تلو الفرصة للتجدد، إذ ليس أجمل من أن يمارس الكاتب لعبة الأدوار ـ بشكل مستمر ـ، وهي لعبة مسلية للغاية، لكن أهم ما تقدمه هو أنها تعطي ـ الواحد منا ـ، قدرة هائلة على التعاطف مع المخالف في الفكرة، وتسمح له إلى حد كبير بتفهم دوافع الجميع، نعم الجميع دون استثناء، خاصة أولئك الذين أصبح بقاؤهم، ووجودهم يعتمد ـ بشكل أو آخرـ على مسلك نراه خاطئًا، أو يقومون بأعمال مخالفة للشرع والإنسانية والقانون.
وليس ذلك التعاطف والتفهم شرعنة، لما قد يقومون به من أفعال سيئة بنظرنا، بقدر ما هي خطوة أخرى إلى الأمام، وتوغل أكبر في مغامرة الكتابة، ونقل الكاتب تحديه لنفسه، وصدقه مع نفسه في رعاية مبادئه، من مرحلة التمكن المجرد من اللغة والفكرة، إلى العمل على أرض الواقع، يعرض ما لديه دون تردد، ويدفع الآخر للخروج من حالة تمترسه، ليطرح ما لديه من بضاعة فكرية، أودفاعٍ عن واقعٍ صلبٍ يحياه، ليصبح بالإمكان الوصول إلى حالة وسط، تسمح عبر الألفة، بتحسين الأوضاع بصورة تدريجية، انطلاًقًا من وضع نقطة بداية لذلك، تداركًا لما كان حاصلًا من تأخر في تحديدها، لانعدام الألفة، وحالة عدم الثقة المعتادة، والمتوقعة بين طرفين مختلفين.
والمدهش حقًا ما يجده المتأمل في أمر الكتابه، في ضوء لغة بلادنا الجميلة، فحين نمعن النظر بروح حرة، وسكينة لا يحظى بها إلا طالبها المخلص، نرى دون كثير عناء أن كلمة "كتَبَ"، لا تبتعد كثيرًا عن كلمة "اعترَفَ"، فكأنما كلم ما نكتبه اعتراف موثق، بما نحن عليه من سمو إنساني وعقدي، كما هو اعتراف من قبل الواحد، بضعفه وقصوره البشري، وآماله ورجائه، كما مخاوفه ومصادر قلقه، سعادته ورضاه، وعدم شعوره بالأمان أحيانًا كذلك.
فيلجأ الكاتب للحرف والخط ، ليكتب بأصابع كفه، التي كانت ميزة أخرى تميز بها الإنسان، عن أقرب الكائنات شبهًا به، ليخط بها ما يريد أن يوصله لمن حوله، من رؤية و ما استطاع تحصيله، من حكمة وبصيرة لحظات إخلاصه، ليكون ما كتبه، واعترف به وصية أوصى بها من يحبهم، والاتين ـ كذلك ـ من بعده.

محمود محمد حسن عبدي
كاتب وباحث من الصومال