عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-2017, 12:47 AM
المشاركة 105
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
زبيدة




رغم أنّني على عجلة من أمري فلا أملك من الحلول غير الانتظار، الموعد محدّد في الخامسة مساء، أمامي وقت طويل، فالحادية عشر هي ملتقى عقارب الساعة اللحظة، أحيانا يمعن الزّمن في البطء فيكون خير معبر عن تعلقنا بتمديد عمر المعاناة، سادية غريبة تلك التي تحملها الشاشات، رغم أنّني فضّلت المكوث في الفراش حتى وقت متأخر هذا الصباح ليقيني أن الشّاشة ستعكر مزاجي في يوم أرجو فيه صحوا كاملا، لذلك اكتفيت بمجرد إطلالة فيسبوكية، الوضع محتقن كالعادة، كلّ زرع همّه في مخيلتي، ألا تعلمون أنّني قرّرت منذ اليوم تغيير حياتي والاكتفاء بهمومي، حتّى همومي أنا في شوق لتطليقها، ألا تجد هذه الهموم أضحية تنحرها غير راحة بالي؟ قديما قال أحدهم، إن كان مآل الصداقات الخصام بعد تضّحيات متلاحقة فلم لا يكون خير الشّر عاجله؟ سيكون حلاّ مناسبا شطب تلك الصّداقات التي تجتهد في إثقال حمولتي من الهموم، وتفرغ خزائن وقودي المنعش للآمال.
امتدت يدي إلى العود، انطلقت أنغام طالما جعلتها خير مهدّئ لرغبة تدمير ما يطوّقني، أجد في تموجات الألحان مسارح ممتدّة تسرح عبرها نفسي التواقة لأمكنة رحبة خالية من حمّالات السأم.
ركبت موجة نغمة فطافت بي ربوع الجمال، كانت تسابق طيات الماء بمحاذاة الشاطئ و تجاري حلم النوارس المحلقة ، الرّحلة ممتعة سقطت فيها فرامل الزمن، حطت بي على رمال ذهبية تؤثثها صدفات زمرّدية، هناك وجدت زبيدة في ثوب جديد، قلت في دهشة: "أين خبأت هذا الحسن كلّه؟" وضعت أصبعها على شفتيها في إشارة أن الكلام زائد عن الحاجة، هنا الأرواح وحدها تتواصل، ليست بحاجة للبيان، كانت الرقصة رقصة حقيقية أحسست أنّني أفقد سمنتي، وبالي خيف خفّة النواس التي ارتقينا إلى علوها تداعب أجسادنا أطياف نسائم آتية من عمق المحيط، سمعت زغاريد الأسماك تبارك هذه الاحتفالية غمزت الشمس غمزة لطيفة في عين زبيدة بعدها توقفت ذاكرتي و ما عدت أذكر تفاصيل الرّحلة.
دقت الخامسة تماما، حين دخلت المقهى المطلّ على الشاطئ، زبيدة تحتسي قهوة سوداء قالت وسحنة داكنة تعتري وجهها:
ـ تأخرت، حتى ظننت أنك لن تأتي، أم أنك لن تغير هذه السّاعة البطيئة.
ـ سأفعل وسيكون اليوم هو آخر عهدي بها، أريدك أن تختاري لي ساعة تكون على قدر ذوقك الجميل.
ـ إن كنت تثق بذوقي فلماذا مسحت صداقتي على صفحتك، في يوم مصيري كهذا.
ـ معذرة، ما انتبهت إلى الأسماء، جاءني خاطر فمسحت المشاركات التي تثقل كاهلي، هل حظرتك فعلا؟
ـ وقبل أن تفعل أرسلت رسالة تؤكد فيها عدم رغبتك في زيارتي لصفحتك.
ـ ألم أقل لك أنّني ما انتبهت للأسماء.
ـ هل أسأت إليك في شيء؟
ـ لا، أنت حياتي ومناي، وتعرفين إصراري منذ مدّة على التعجيل بزواجنا.
ـ ما فعلته اليوم مؤذ جدّا. حسبتك جئت لوضع نهاية لعلاقتنا. ما الذي أزعجك في مواضيعي؟
ـ لا شيء ربما هناك خطأ ما.
ـ أنت بحاجة إلى طبيب.
التحق النّادل بالطّاولة "أظنك تفضّل عصيرا كما العادة"، قامت زبيدة، وضعت ورقة نقدية في يده، حقيبتها تتأرجح مع يدها وهي تغادر المقهى. رجعت عيناي إلى النادل: " قهوة سوداء".