عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2011, 11:10 PM
المشاركة 592
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد الله المنوفي

الولي الكبير رضي الله عنه

أعددت هذه المادة نقلاً عن طبقات الإمام المناوي
سيدي الشيخ عبد الله المنوفي ( من أهل القرن الثامن الهجري) رضي الله عنه صوفي ماهر، نجم عرفانه زاهر، كان حليفاً للورع والزهد كثير الأمانة والديانة والتعبد متحلياً بدين الديانة وفياً بعهد العفة والصيانة مُفَرَداً عن القوم هاجراً في المجاهدة لذة النوم

أصل أبويه من المغرب فقدما إلى مصر ونزلا بشابور من أعمال البحيرة فولد بها صاحب الترجمة سنة ست وثمانين وستمائة فمات أبوه وعمره سبع سنوات وعند موته أوصى أمه أن لا تدع تعليمه القراءة والخط فرحلت به إلى منوف وسلمته إلى العارف سليمان المغربي الشاذلي، فرباه وأدبه وعلمه، وظهرت له منه مخايل الولاية منذ صغره فشرع فى تسليكه، فنظر الشيخ سليمان يوماً إلى مفتاح أبيض وضع في طاقة الفرن، فاسْودَّ، فقال انظر يا عبد الله! من يجالس المتلوثين يتلوث! فأثر كلامه في قلبه، وأفاض على جوارحه، ولم يزل يخدم الشيخ حتى مرِضَ مرض الموت، فأحسن خدمته فكان ولد الشيخ سليمان غائبا فحضر ووالده محتضَر، فقال له الذي كان في الجراب أخذه عبد الله لكن لك الله

وقال للحاضرين: قد جاوز عبد الله مقامي!

وأذن له في الإقامة بمصر فأقام بالصالحية (بين القصرين) وأخذ مذهب المالكية والعربية والأصول والتصوف واللغة عن الشمس التونسي والمجد الأقفهسي وغيرهم. وقال كان مشايخي يحثونني على مطالعة كتب التصوف لاسيما الإحياء للغزالي قائلين: لا يكمل الفقيه حتى يتصوف!

وكان كثيراً ما يقرأ شرح رسالة القشيري للشيخ عبدالمعطي السكندري والشفاء للقاضي عياض والمدخل لابن الحاج وقمع الحرص في الزهد والقناعة للإمام القرطبي

وكان أكثر قراءته وإقرائه للفقه ويقول هو أهم العلوم! وكان يحسن تقريره أكثر من مشايخه ومعاصريه.

ولما بلغ الأربعين، اشتغل بالتجرد والتعبد. وكان ظاهره مع الطلبة، وباطنه مع الله.

يتبع
ولما بلغ الأربعين، اشتغل بالتجرد والتعبد، وكان ظاهره مع الطلبة وباطنه مع الله.
دعاه رجل إلى وليمة، فأجلسه وجماعته عند النعال وقال أمسكوا عن الأكل حتى يفرغ الناس ثم قدم لهم فضلة العبيد والأطفال، فصار الشيخ عبد الله يلحس الآنية، ويقول لصحبه اغتنموا ربكة الآكلين وتعلموا حسن الظن بالناس . ثم قال لهم لو أن هؤلاء أحسنوا الظن بنا واعتقدوا أننا من الصالحين الذين ماتت نفوسهم ما أجلسونا خلف النعال ولا أطعمونا الفضلة.

وكان متزوجاً أمة مسنة شوهاء سائلة المخاط فكان يقدم لها نعلها ويقول
اجعليني في حل فإنني ما كنت أصلح لك! فقال بعضهم إننا نتكلف لرؤيتها فكيف تعاشرها! فقال أهوال القيامة ما تركت في بقية لشيء من الشهوات.
ودعاه ناظر خانقاه سعيد السعداء (أقامها أحد سلاطين الأيوبيين وأوقفها على المتعبدين من الصوفية) للإقامة بها فأبى وقال إن واقفها أي صاحب الوقف الذي أنشأها-- شَرَطَ خبزها وحلاوتها للصوفية وأنا لست بصوفي!! ويقول استأذنت المصطفى صلى الله عليه وسلم في الانقطاع عن الناس فلم يأذن لي!
وكان قليل المنام والكلام ويمكث أياماً لا يأكل ولا يشرب
وكان يتكلم في علوم المعارف بأحسن كلام كأنه قطب دجاها وشمس ضحاها
وسمع كتب السنة الستة وأسمعها أي البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي وأبو داوود
وكان دائم الاشتغال بأنواع الطاعات لا يفترّ (أي لا يصيبه الفتور)

وكان صائم الدهر . وكان يقرأ الكتب الصعبة كابن الحاجب الفرعي والأصلى وهما
كتابان في النحو لابن الحاجب
وإذا درس كان يخرج من فمه النور
وإذا حسر عن ساعديه يظهر عليهما النور
وكان مع ذلك كله لا يرى نفسه أهلا لإقراء العلم ويقول للطلبة إنما نحن إخوان نتذاكر

وكان مع ذلك كله لا يرى نفسه أهلاً للإقراء، ويقول للطلبة إنما نحن إخوان نتذاكر!

و استوى عنده الأمير والوزير والفقير والذم والمدح بل الذم والفقر كانا أحب إليه

وكان كثير الورع جداً قولاً وفعلاً وشرباً وأكلاً ولبساً

فكان لا يكتسي إلا من غزل أخته دون زوجته لشدة وثوقه بورع أخته، ويقتصر على ثوب خام غليظ وعمامة دون عشرة أذرع يرخي لها عذبة (وهي الطرف المتدلي خلف الظهر من العمامة) ويقعد في بيته على برش أو فروة ويتغطى بعباءة لا تساوي أربعة دراهم

وبالجملة كان يرى الدنيا كالميتة لا يتناول منها إلا بقدر الضرورة

وعرض عليه القيام على مدارس العلم فامتنع وخرج من الدنيا و لم يضع حجراً على حجر ولم يصنف ورقة ولا كتب على فتوى

وكان لا يقوم لأحد من العلماء إلا إن عرف عن حاله العمل بعلمه

وكان يخفف صلاة الفرض ويقول هي صلاة الأبدال، ومثلنا لا يقدر على طول الوقوف بين يدي الله تعالى بغير خروج قلبه إلى أمور الدنيا.

وكان حمولاً للأذى وكان يحمل أفعال الناس على أحسن المحامل

أشاعوا عنه أنه يعمل الكيمياء (تحويل المعادن الخسيسة إلى نفيسة) فقال: مرادهم التقوى فإنها كيمياء الفقراء (أي الصوفية)

فقيل له: قالوا إن زوج أختك يبيعها لك؟ فقال: مرادهم يتعلم مني التقوى

وكان سيره سير الفقراء وانفاقه انفاق الأمراء محبوباً للسلطان فمن دونه ,وتزوج عدة زوجات

وكان طلق الوجه يتلطف بأصحابه ويؤنسهم وينفق عليهم

وكان دعاؤه للناس بحسب أحوالهم ويأتي من الشعر بما يناسب الحال من وعظ ومنه

أوليتني نعماً أبوح بشكرها
وكفيتني كل الأمر بأسرها

فلأشكرنك ما حييت وإن أمت
فلتشكرنك أعظمي في قبرها

وكذا

النفـس تكــرهُ أن تـكـون فـقـيرة
والفـقـر خير من الغنى يطغيها

فغنى النفــوس هـو العفـاف فإن أبت
فجـميع ما في الأرض لا يكــفيها

وكان لا يلتفت لأبناء الدنيا ويقول: ذلك إنما يكون لطلب العلم أو الرزق أو دفع ظلم عنهم أو عن نفسك

والرزق الذي لك لابد منه وما ليس لك لو ركبت الريح خلفه ما وصلت إليه

وذكر أصحابه يوما بعض الامراء فأعرض وقال: هل هؤلاء يعرفون حالكم أو مقامكم؟ فقالوا لا

فقال فاذكروا من هو أعلم بحالكم

وزاره بعض الأمراء يوماً فسألوه هل لك حاجة فقال نعم ! ألا تأتيني بعد ذلك

وكان يذهب إلى الأماكن البعيدة ماشياً فيقول له ولده محمد نأتيك بحمار تركبه فيقول حمار لا يركب حماراً!

وكان ينظف المراحيض بنفسه ويملأ الماء من الصهاريج للأرامل والعاجزين
وكما قام بحق الله سبحانه فقد رزقه الله من علو المقامات وخوارق العادات، وقد قيل خرق العادة للاولياء عادة

ومن كراماته

ما حكاه الشيخ خليل في كتابه عنه أنه كان قد شرع في قراءة أحد كتب الخرافات وهو صغير ثم دخل على الشيخ فكاشفه وقال يا خليل! من أعظم الآفات السهر في الخرافات!

وأرسل إليه الأمير شيخو من المماليك يستأذنه لزيارته فقال للرسول قل له ما يحتاج! التولية حصلت. فولي شيخو المنصب الذي كان يطلب من الشيخ الدعاء له به

بات بعض تلاميذه بغير عشاء لفقد ما يأكله فجاء إليه وطرق الباب وأعطاه طعامه

وجاء يوماً إلى دكان شوَّاء (كبابجي) فاشترى منه خروفاً مشوياً وخرج إلى الكيمان ( جمع كوم وهو مثل المكان المهجور غير المُسَوَّى) فأطعمه للكلاب. فظهر بعد مدة أن الخروف كان ميتة

وكان بعض مريديه ذا صورة جميلة فعشقته امرأة وما زالت به حتى اختليا، فهمَّ بها، فانشق الحائط، وخرج منه الشيخ رضي الله عنه فغشي على التلميذ وترك المرأة

وفي طبقات الإمام المناوي كرامات أخرى ولدى الفقير مخطوط فيه ترجمته للشيخ خليل الإسحاقي
وذكر البعض مثل الإمام المناوي إلى أن الشيخ خليل هذا هو صاحب مختصر خليل في فقه المالكية وأنكره كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي، وقال الشيخ خليل الفقيه هو خليل الجندي أما الشيخ المذكور هنا فهو خليل الإسحاقي

ولما احتُضر، ألح عليه بعض المغاربة يقول: يا سيدي اذكر الله فنظر إليه كالمنكر وقال: كيف أنسى من لا أعرف الخير إلا منه

وفاحت منه حين طلوع الروح روائح كالمسك

ووقع عند موته خوارق

ودفن بالصحراء وأغلقت البلد لجنازته

يقول أفقر الفقراء كاتب هذه الترجمة

وهو رضي الله عنه من أهل الخفاء وهذه الكرامات ليست بالشيء الكثير وظاهر حاله أنه لم يكن مكثراً لعدم حبه الظهور رضي الله عنه.
توفي رضي الله عنه في رمضان سنة 749 عن ثلاثة وستين عاماً.

وقد من الله عليه بالمنة بعد وفاته فقال فيه قطب الأقطاب سيدنا ومولانا أبو اسحق إبراهيم المتبولي الأنصاري: إذا كانت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالمنوفي، فإن لم تقض فالبكردي (يقصد سيدي شرف الدين الكردي الكائن مسجده وضريحه بأول الحسينية من ميدان الجيش)

فإن لم تقض فبالإمام الشافعي، فإن لم تقض فعليكم بالسيدة نفيسة الطاهرة رضي الله عنهم أجمعين

أقول وقد ذكر الإمام المناوي في طبقاته الصغرى عن ابنه المتوفى في حياته العرف بالله سيدي زين العابدين المناوي أنه كان إذا زار ضريح القطب المنوفي ترتج جنبات المقام

أقول أيضاً وبعد طول شوق وبحث مكنني الله من زيارة قبته المباركة بمنطقة قايتباي وتعرف أيضاً بقبة المالكية ففيها عدد من علمائهم ومنهم الشيخ عليش المالكي وابنه الشيخ عبدالرحمن الذي أسلم على يديه الشيخ عبدالواحد يحي الفيلسوف الفرنسى الأصل وهو مدفون بالقرب منهم

وأقول أيضاً وقد صارت هذه المنطقة تعرف فيما بعد بمنطقة المجاورين وكانت قديماً تعرف بالصحراء لا غير

وفيها من الأولياء بعدد شعر الرأس وفيها من الأعلام مشايخ الأزهر الإمام محمد بن سالم الحفني وسيدي عبدالله الشرقاوي والشيخ الخراشي والشيخ المهدي العباسي الحنفي والسيد عمر مكرم والقطب الكبير سيدي مصطفى البكري وسيدي محمود الكردي
والشيخ الولي سيدي عبدالوهاب العفيفي

وبمسجد قايتباي أثر قدم سيد الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وضريح قايتباي، السلطان المملوكي العظيم وزوجته كما بها بستان العلماء الذي يضم مالا يحصر من العلماء العاملين نخص منهم العلامة حسن بن عمار الشرنبلالي صاحب نور الإيضاح المتن المشهور في مذهب الإمام العظيم سيدنا أبي حنيفة النعمان والعلامة علي الشبراملسي صاحب الحاشية المعروفة في فقه الشافعية وكثير منهم مذكورون في خلاصة الأثر للمحبي.