عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-2013, 03:03 PM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
،،تابع

اقتباس " أنفي تتحسسني ،،، لن أطاوع شيطان القرف ،، لن أضع أصبعي في فتحة أنفي ،،، أمي علمتني أن أكون نظيفا ،،، نسيت كثيرا من نصائحها ،، بين شرور التنافس وضرورات العمل،،، وقوانين الغابة . فكثيرا ما غافلتها وفعلت فعلتي التي فعلت".

طبعا مدخل القصة يوحي بأن بطل القصة عائد إلى المكان كان فيما مضى عامر بالحياة، لكنه أصبح خاوي لأسباب لا نعرفها ولا يصرح بها الكاتب صراحة، ولكننا نستطيع أن نستنتج من الفقرة الثانية ما يرمي إليه القاص. ذلك من خلال حديثه عن والدته التي ذكّره المكان فيها والتي كانت تمنعه من مطاوعة شيطان القرف.

من هنا يمكننا أن نستشف بأن غياب الأم هو سر ذلك الجو الكئيب الذي أتقن القاص رسمه ووصفه.

وفي مطلع الفقرة الثانية نجده يستثير فينا حاسة الشم، بذكره للأنف والتحسس، ويستثير فينا مشاعر القرف، وهو يكرر كلمة الأنف في هذه الفقرة ثلاث مرات، وهو أيضا يسخر النقائض بذكره للقرف والنظافة، وذكره للنصائح والشرور.

وما يعزز الاحتمال بأن الأم غابت منذ زمن بعيد بسبب الموت هو نسيان بطل القصة للكثير من نصائحها، كما يقول القاص، بسبب انشغاله كما يقول بالأمور الدنيوية التنافس وضرورات العمل وقوانين الغابة، وفي نفس الوقت بسبب الحالة التي وجد عليها المكان الذي كان يسكن فيه معها.

وفي عبارة " وفعلت فعلتي التي فعلت" تسخير ذكي للنص الديني بكل ما يحمله ذلك النص ويرتبط به من معنى وإيحاء، حيث يوقظ في المتلقي فجأة كل ما يرتبط بالذهن من أمور دينية حول الأم والحياة والموت والمعصية والعقاب والغفران والشيطان.

وفي هذه الفقرة ينجح القاص في رسم ملامح لشخصية بطل القصة بكلمات قليلة ومكثفه، فهو شخص عائد إلى مكان ولادته أو المكان الذي كان يسكن فيه مع أمه، تلك الأم التي عملت على تربيته لكنه غادر المكان منذ زمان لينشغل بأمور الدنيا وهو يزوره بعد انقطاع طويل ليجده اقرب إلى ألخرابه.

والمهم أن زيارة المكان تشعره بالذنب كنتيجة لانشغاله بأمور الدنيا. فهو شخص يحاسب نفسه، وعلى الرغم من انشغاله فيما مضى في خضم الصراع على لقمة العيش، يجد نفسه يقاوم شيطان القرف، وفي ذلك ما يشير إلى حالة الصراع الداخلي الذي يعاني منه بطل القصة، وهو ما يزيد من حدة التأثير.

ونجد القاص يمحور نصه حول صراعات متعددة في آن واحد وبطريقة ذكية للغاية، الأول ربما بين الحياة والموت من خلال وصف المشهد، والثاني بين النفس الإمارة بالسوء والانا العليا مخزن التعليمات والنصائح، والثالث بين النفس والشيطان،فالقاص يجعل للقرف شيطان وهو يقاومه الآن، ولا ننسى الصراعات المتعددة التي توحي بها قوانين الغابة والتنافس.

ووجود الاقتباس الموحي بالارتباطات الدينية يبرز هذه الصراعات بشكل حاد مما يجعل النص بالغ التأثير .

يتبع،،،