عرض مشاركة واحدة
قديم 03-06-2015, 07:15 PM
المشاركة 16
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثامن
_________

طرق أذنيه صوت همهمات تشبه التعويذات التي يحفظها عن ظهر قلب، والمذكورة في الكتاب الثاني لطرد الأرواح وتلبس الجان والمس الشيطاني. انسلت إلى أنفه رائحة بخور كبخور أمه، فاطمئنت نفسه لتلك الرائحة والهمهمات، فهو الآن بالتأكيد في حضن أمه ورعايتها..
انتفض واقفا في فزع، عندما علت صوت الهمهمات بصوت أجش، وفتح عينيه متنقلا ببصره في أرجاء المكان الغريب، فرأى رجلا تخطى الخمسين من عمره، أبيض الوجه، في لون لحيته، أمامه مبخرة يلقي بها البخور، ويتمتم بتعويذته..
سأل في ارتباك، وكأنه يناجي نفسه..
- أين أنا؟.. ومن أنت؟.. وما الذي آتى بي لهذا المكان..
صاح الرجل صيحة مدوية..
- حي.. اجلس يا عبد الباسط ولا تقاطعني..
في استسلام جلس محدقا في الرجل في خوف، حتى انتهى من تعويذاته، ثم ابتسم في بشاشة لعبد الباسط، وتكلم في ود..
- يمكنك الآن أن تسأل ما شئت يا شيخي..
- شيخك..
- نعم شيخي وتاج رأسي..
- كيف أكون شيخك؟..
- بهالتك ومواجهتك للملعون والقضاء عليه..
- هل مات؟..
- نعم يا شيخي وتاج رأسي.. وأحمد الله على إتمام مهمتك..
- ولكن كيف عرفت؟..ومن أنت؟.. وأين أنا؟..
- لا تسأل..واعلم أن الله راض عنك، ولك الحق الآن في أن تمارس حياتك الطبيعية، وتتزوج وتصبح لك ذرية من صلبك.
أما سؤالك عن كونيتي، فكان يجب أن تعرفني دون سؤال..
أنا دليلك.
أخذ عبد الباسط نفسا عميقا، وزفره بقوة في ارتياح. ثم في فضول
واستيحاء..
- ولكن قل لي يا سيدنا الشيخ بالله عليك.. كيف حضرت إلى هنا؟.. هل أمي من أحضرتني إليك؟
- لا يا مولانا..لم تحضرك أمك الفاضلة، بل أحضرتك سيدة كريمة طاهرة، بعد أصطدام سيارتك بسيارتها، وغيابك عن الوعي.
- لكن كيف عرفت ما حدث بيني وبين الملعون..
صاح صيحة انخلع لها قلب عبد الباسط..
- حي..قلت لك لا تسأل.. ليس مصرح لي بالرد عليك، فلا تسأل وتعرضني للحساب العسير. مصرح لي فقط أن أبلغك أن مهمتك قد تمت، وُرفعت عن كاهلك
قاطعهما مساعد الشيخ بدخوله، وهمس في أذن الشيخ. تهلل وجهه، وابتسم في وجة عبد الباسط قائلا..
- حظك في قدميك يا فتى.. ها هي قد حضرت منقذتك لتشكرها بنفسك..
خرج المساعد مسرعا، ثم عاد وهو يشيربيديه مرحبا..
- تفضلي يا سيدتي.
وقف الشيخ، واستقبلها استقبالا حارا..
- أهلا أهلا بسيدتنا الكريمة.. حللتِ أهلا ونزلتِ سهلا.. تفضلي..
امرأة جمعت مجامع الفتنة ووقارها.. أنوثة طاغية مع وجة ملائكي.. عيون ساحرة تسحر العقول قبل القلوب، ينطبق عليها قول الشاعر..
عيون إذا أبصرت قلبا خليا من الهوى..
تقول له كن مغرما فيكون..
خطف عبد الباسط لمحة خاطفة، ثم غض بصره مسرعا، عندما شعر
باندفاع الدم في رأسه، بل في جميع أجزاء جسده الفتي. استيقظ بداخله شباب جسده، الذي حرم من الاقتراب من النساء من أجل هالته.. في هذه اللمحة، فقد عبد الباسط عذرية مشاعره، فلكزه الشيخ في كتفه ضاحكا وهامسا في أذنه..
- تمالك نفسك يا شيخنا..وسيطر على نفسك ودع الأمر لي..
- أي أمر؟..
- لا تخف.. فسرك عندى في جب عميق.. فقد كافأك الله بعد أن
أنهيت مهمتك وقضيت على الملعون بهذه المرأة الصالحة
الطاهرة، فلا ترفض عطية الله لك، واطمئن، فقد كشفت على
طالعكما في النجوم، ونجماكما – حمد الله- متوافقان، وأبشرك بشرى سيسعد بها قلبك.. فهذه المرأة تملك من المال والجاه ما كان عند قارون وأكثر، أي جمال ومال وجاة وطهر؛ ماذا تطلب أكثر من ذلك؟..
في تردد..
- ولكن يا شيخنا..
في وعيد..
- ولكن ماذا؟ أتريد أن ترد عطية الله لك؟
- حاشا لله أن أفعل.. ولكن ألا نحصل على موافقتها أولا؟
- أبشر يا مولانا.. فهي من طلبت مني أن أخطبك.. ولكن لها شرط واحد وبسيط..
- وما هو؟
- ألا تعود للعمل بالجامعة، وتدير لها أموالها، وتصبح السيد
الآمر الناهي..
- قبلت شرطها..
- إذن..فلنُحضر المأذون ونعقد القران..
- الآن يا شيخنا!..لا أستطيع..
- وما المانع يا مولانا؟
- أمي.. يجب أن أبلغها، وأحصل على موافقتها، وتحضر القران..
- أذن هيا.. واذهب من فورك لتحضرها ونحن هنا في انتظارك.. هيا يا مولانا، أسرع وعجل..
مد عبد الباسط يده ليصافح الشيخ مودعا أياه، ففوجئ بالشيخ يتجاهل يده الممدودة، و يدير له ظهره، مغادرا الغرفة في ارتباك و عجالة، مصطحبا معه المرأة..