عرض مشاركة واحدة
قديم 07-18-2016, 01:23 PM
المشاركة 9
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الحدث الأبرز منذ الربيع العربي هو هذا الانقلاب الفاشل الناجح

منذ أحداث الربيع العربي انهارت مجوعة غير يسيرة من الدول في الشرق الأوسط و تضررت دول و دخلت في حروب و تجاذبات عصيبة ، تتغير فيها التحالفات بشكل درامتيكي بين الفينة والأخرى ممّا يؤشر على الاستماتة و المقاومة الشديدة للحفاظ على مواقعها أو الفوز ببعض الغنائم بعد هزّة الربيع ، إذا كانت مصر لحد الآن تعتبر البلد الأقل تضرّرا من بلدان الربيع ، بغض النظر عمّا حدث فيها من أحداث فاستمرارية الدولة في بلاد كمصر التي فيها من أسباب التمزق الشيء الهائل بداية بالفقر و الإثنيات و المذهبيات المختلفة ، يعد مكسبا حقيقيا و هذا ما لا تستوعبه فئات عريضة من المصريين أنفسهم ، فدول كالسعودية والإمارات كانت كلفة الربيع لها جدّ مرتفعة و تقاوم في جبهات متعددة حفاظا على ريادتها للمنطقة العربية و إن كانت قطر بين الفينة والأخرى تسبح ضد الرغبة الخليجية ، إيران ربما تكون واحدا من الارقام الصعبة جدّا ، فهي الفائز الأول لحد اللآن سياسيا و خاصة عقب نيلها مباركة غربية دون التخلص من مشروعها النووي وأيضا لنجاحها في خوض المعارك مع القوى الإقليمية بعيدا عن أراضيها و بأقل تكلفة .
تركيا أردغان نموذج للديوقراطية الانتقالية في ظل العلمانية الأتاتوركية و الإرث العثماني ، اردغان الحامل لمشعل الأصالة و المعاصرة نجح إلى حد بعيد في احداث نقلة نوعية في الاقتصاد التركي و استغل ببرغماتية ضعف الدول الإقليمية لاختراق الكثير من الأسواق و أيضا جلب العديد من الاستمارات لبلده فاصبح القوة الإقتصادية الأولى بالمنطقة ، لكن الأحاث التي رافقت الربيع جعلته ينجرف إلى الكثير من ردود الفعل غير السليمة و التي جعلت الدولة التركية تدفع أثمانا باهضة جدّا ، أولاها الميل المفرط لصالح الثورات التي تشهدها الدول العربية ، سعيا لضمان أسواق أخرى للاقتصاد التركي و حدائق خلفية للاديولوجيا العثمانية . أردغان ما لبث أن أصبح ديكاتاتورا في ثوب ديموقراطي ، فأصبح الرجل يريد الخلود في السلطة بكل الطّرق و هذا في حد ذاته جعل شعبيته تنتكس في لحظة من اللحظات ، باستثناء مورديه من ثورات الربيع أمّا الشعب التركي فكاد يسحب البساط من تحت أقدامه كم من مرة رغم وجود بذور المآمرة التي لا تخلو منها أية سياسية ، و هي من العوامل التي وجب دائما التعامل معها كمعطى بين المعطيات و لا يجب تحميلها أكثر من دورها.
أردغان وعند إيمانه القوي بمشروعه الشخصي أكثر ممّا هو مشروع أمّة تركيا ، جعل الأمر شخصيا أكثر و عمق الشرخ بين أفراد الأمّة التركية نفسها ، سواء في أحدات تقسيم أو في المحاكمات التي نالت جماعة قولون التي كانت بالأمس مطيته إلى السلطة ، هذا اللعب على الحبال جعل إردوغان يتصرف بردات فعل غير مدروسة و كان أهم منزلق قام به هو اسقاطه للطائرة الروسية التي كانت ستفجر المنطقة كلها و ليس تركيا وحدها وهو خطأ استراتيجي ضخم جدّا ، لأنه يقلب كلّ المعادلات ، تناسى أن دخول روسيا إلى سوريا لن يتم دون وضع احتمال جر تركيا إلى حرب حقيقة ربما ساهمت في منح نقاط لروسيا في معرض تدافعها مع حلف الشمال الأطلسي ، الذي لن يحارب روسيا عسكريا رغم كل ما يمكن أن يصدر منها لأنها تملك من القوة العسكرية والجغرافية و الثقافية والبشرية ما يجعلها قادرة على البقاء ولو بعد حرب نووية أكثر من كلّ الدول الأوربية .
اردغان رغم نجاحه تكتيكيا في دحر الانقلاب ، لكنه لن يستطيع معالجة أضراره الكثيرة ، رغم الضجّة الكبرى و جعل الحدث ذريعة لتصفية خصومه السياسيين و غلق الدولة أكثر و محاولة تصويير الانقلاب على أن فئة قليلة هي من قامت به و هذا كلّّه ابعاد التهمة عن الذات و رميها على الخصم ، فانقلاب مخطط له بتك الدّقة و أيضا المشاركة الواسعة لقطاعات الجيش المختلفة والقضاء والسياسيين بعبر عن أزمة عميقة في الدولة التركية ، قد ينجح أردغان في لملمة بعض الجراح بقبضة حديدية ، لكن سياساته جعلت تركيا بدون مؤسسة عسكرية وأصبحت دولة بوليسية ، فالمؤسسة العسكرية الآن فقدت أغلب أطرها و قادتها الحقيقيين و العارفين بخبايا التكتيكات العسكرية للنظام الدولي و أيضا للمقاربات السياسية مادامت المؤسسة العسكرية حاضرة وبقوة في رسم السياسات الخارجية لأغلب الدول ، خلاصة القول تركيا الآن دولة بدون خبرة عسكرية ، و هذه ضربة قاصمة لدولة تريد أن تكون لاعبا إقليميا .

سوف يستمر أردغان في سياسته نحو بناء مشروعه الشخصي ولن ينصت إلى بعض عقلاء العدالة و التنمية ، الذي سيكون وبالا على تركيا المستقبل و خاصّة أن الأمر يتعلق بفترة حرجة جدّا في تاريخ المنطقة ، شبيهة إلى حدّ كبير بنهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر .