عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2011, 12:40 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها:

يبدأ القاص الفقرة الرابعة بذكر صراع آخر ثانوي هذه المرة، ويشير إلى ذلك في حديثه عن مشكلة بحاجة إلى حل وهي مشكلة اختفاء الظل بين أحشاء الغابة (لحل معضلة ذلك)، وهذا الصراع يضاف إلى الصراع الرئيسي بين البطل ونقيضه، وصراع أهل المدينة ككل مع الظل. والمعروف أن مثل هذه الصراعات الرئيسية والثانوية هي التي تصنع الحبكة، وتكون بمثابة الرابط بين الأحداث.

والفقرة غنية بالحركة وعناصر الجمال الأخرى، ولكن العنصر الأهم في هذه الفقرة هو شمولها على لحظة كشف وانقلاب حادة تقدم إضاءة مهمة لفهم القصة على مستوى آخر عميق وغير ذلك المستوى الظاهر الكلاسيكي الذي يتمثل في ملاحقة الفتى اليتيم للظل ليمسك به مقابل حصوله على مكافأة هي عبارة عن ثلاث أكياس طحين:

و لحل معضلة ذلك قرر الشاب مد خط طويل عريض من دهان أبيض على ما يستطيع علىطول الغابة من الجهة المقابلة لمدينتهم, وفعلا نجحت خطته فقد بدت خطوات الظلال مؤدية للغابة واضحة, رغم أنها تبدو متباعدة قليلا.. وصل فعلا لنهايتها, وقف عند شجرة عملاقة تبدو مخضرة الجوانب بشكل عجيب توجد فيها فتحة تكفي لدخوله, قد انتهت عندها الأقدام.. أدخل رأسه الخشنة الشعر, و إذا به أمام غابة أخرى, كأنه أخرج رأسه من الجهة الأخرى للشجرة لو لا أنه لاحظ الاختلاف بينها و بين ما ورائها, تجرأ رغم ارتعابه وخطا خطوات مترددة حتى لاحظ نورا شديدا يتفجر من بين الأحراش.. وقف على طرف مدينة تملؤها الأضواء الشديدة, حاول معها استكهان كنهها و لكنها كالحلم.. شعربالرهبة, وهو يراقب من بعيد أهل هذه المدينة.


فبالإضافة إلى تضمين النص مزيد من الصراع بين شخصيتين جعلهما القاص تبدوان متكافئتين في القوة على الرغم أن واحدة منهما عادية لكنها تمتلك شجاعة أسطورية وهي شخصية الفتى اليتيم، والأخرى فوق عادية لما تمتلك من ملامح أسطورية مخيفة لكنها تتألم ويبدو عليها الحزن كشخصية عادية، نجد أن القاص يحشد محسنات فنية ذات اثر بالغ مثل تسخير التضاد في أكثر من موقع في النص مثل (خططويل + عريض ، المدينة + والجهة المقابلة لها، ادخل رأسه الخشنة الشعر+ اخرج رأسه ، ظل + واضحة ، الاختلاف بينها وبين ما ورائها ، تجرأ + ارتعابه، خطى + وقف ).

وهو يذكر مزيد من الألوان (دهان ابيض + تبدو مخضرة بشكل عجيب + نورا شديدا+ الأضواء الشديدة)، فيجعل النص مزدهر بهذه الأنوار.

أما الكلمات التي توحي بالحركة والتي جعلت النص ممتلئ بالحيوية والنشاط فهي كثيرة أيضا مثل ( قرر الشاب مد خط طويل عريض+ بدت خطوات الظل المؤدية للغابة واضحة+ وصل فعلا لنهايتها+ تكفي لدخوله+ انتهت عندها الأقدام+ ادخل رأسه + أخرج + تجرأ وخطى خطوات مترددة ).

ولكن الأهم في هذه الفقرة، وكما قلت سابقا، هو ما يمثله ويرمز إليه إدخال الفتى اليتيم رأسه الخشنة في فتحة الشجرة التي تبدو مخضرة الجوانب بشكل عجيب، ليجد نفسه أمام غابة أخرى تشبه كثيرا الغابة التي كان يسير فيها متتبعا خطوات الظل، لذلك ظن وكأنه اخرج رأسه من الجهة الأخرى للشجرة (كأنه اخرج رأسه من الجهة الأخرى) ليرى الجزء الآخر للغابة التي كان فيها، لكنه لاحظ الاختلاف بينها وبين ما ورائها، وذلك الاختلاف يتمثل في تفاصيل ما شاهده في الغابة الجديدة والتي بدت مرعبة ولذلك خطى خطوات مترددة إذ لاحظ نورا شديدا يتفجر من بين الأحراش، ثم شاهد مدينة تملؤها الأضواء الشديدة، وهو أمر لم يشاهد مثله من قبل ولذلك حاول استكهان كنهها أي الغابة وما فيها ووجد أنها اقرب إلى الحلم...

وهذا الوصف وخاصة تشبيه ما شاهده في تلك الغابة بالحلم يشير إلى أن القاص لا يتحدث هنا عن غابة واقعية، وهو في الواقع لا يعبر عبر فتحة في شجرة في غابة، وإنما المقصود هو دخول من العقل الواعي إلى العقل الباطن... حيث يشبه القاص العقل الواعي بغابة تسكنها الأفكار الواعية والمواقف التي برزت نحو ( الظل ) منها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الشرطي ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الدكتور ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الشيخ ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الفتى اليتيم الذي قرر أن يلاحق الظل ليعرف من أين يأتي فوجد انه يأتي من أعماق العقل الباطن حيث شبهه القاص بغابة مرعبة وكل ما فيها كالحلم....

وفي ذلك إشارة تؤكد أن الرحلة هي إلى العقل الباطن. وكأن القاص أراد القول من خلال هذه اللغة السردية الجميلة والبليغة والتي يشخص فيها العقل الظاهر وكأنه غابة والعقل الباطن وكأنه غابة تشبه الأخرى في الظاهر لكنها في أعماقها عالم آخر أشبه بالحلم... يفصل بينهما برزخ لا يمكن العبور من خلاله إلا لمن امتلك جرأة زائدة أو تلقى مساعدة من طبيب نفسي كما هو الحال عند فرويد ... ونجده أيضا يشخصن الأفكار وما إلى ذلك من محتويات العقل الباطن في الفقرة التالية ويرسمها على شكل شخوص لكن دون ملامح واضحة...وهو ما يؤكد من جديد قصده بأن الرحلة هي عبور إلى عالم العقل الباطن الذي هو مكان سكن (الظل)... ومن هنا نفهم تفسير القاص في المقدمة بأن الظل هو عبارة عن تراكمات الماضي.

وكأن القاص أراد القول بأن الطريقة الوحيدة للتخلص مما تمثله تراكمات الماضي من مخاوف يمكن أن تتجسد على شكل ظل مخيف للكثير من الناس هو جلسة مصارحة فرويدة مع النفس وعبور إلى أعماق النفس للتصالح معها حيث يختفي ( الظل ) إذا ما حصل ذلك العبور وتم التعامل مع مكبوتات النفس. وهذا ما حصل مع الفتى اليتيم الذي تجرأ كونه يتيم وشاب في مقتبل العمر، وقرر أن يعبر إلى أعماق عقله الباطن الذي شبهه القاص بالغابة السحرية المخيفة، ومجرد أن فعل حصل التصالح مع النفس فلم يعد ماجد المازني يشاهد الظل بعد ذلك ويبدو ان القاص يرمز إلى فعل التصالح بتلك الأضواء التي تتفجر في ثنايا العقل الباطن. فهذه الاضواء هي التي تجعل الظل يختفي.

وهذا هو ملخص علم النفس التحليلي عند فرويد والذي يقوم على دفع المريض النفسي الذي تتملكه تصورات معينه ومخيفة أو جنونية قد يكون من بينها مشاهدة ظل أو ظلال، بأن يتحدث عن تجارب الماضي وتراكماته المكبوتة في عقله الباطن، حيث يقول فرويد بأن التجارب الأكثر مأساوية وألم هي التي نعمل لا إراديا على كبتها في عقلنا الباطن، وهي التي تكون مصدر للجنون أو المرض النفسي أو التخيلات الأسطورية حينما تتفلت تلك المكبوتات وتحاول الخروج لاحقا فتظهر على عدة أشكال منها شكل ( الظل ).

ومن هنا نفهم مواقف الفئات المختلفة من سكان المدينة تجاه الظل ومنهم الشرطي، والدكتور، والشيخ، واليتيم الذي وكنتيجة لحياته المأساوية كان الأكثر حاجة للتصالح مع ماضيه... ونجد أن اليتيم كان الأكثر جرأة في التصرف للتوصل إلى المكان الذي يأتي منه الظل ربما لأنه كان الأكثر تألما.

ولا شك أن القاص قد أجاد هنا حيث تمكن من تفسير نظرية التحليل النفسي من خلال هذا التصوير السردي القصصي الجميل والتشخيص التصويري الاستثنائي الذي بسط فيه فكرة علمية نفسية مهمة ومعقدة للغاية تعالج موضوع الصحة النفسية والعلاقة بين عالمي العقل الواعي والعقل الباطن... وقد تمكن في هذه الفقرة من إحداث نقله نوعية تتمثل في لحظة العبور عبر فتحة الشجرة فكانت هي لحظة الكشف والانقلاب الحادة التي قدمت الإضاءة المهمة لفهم القصة على هذا المستوى العميق... وهو ما يشير إلى أن القاص لديه دراية واسعة في علم النفس التحليلي وان لم يكن فلا شك أن عقله يعمل بطاقة بوزوترونية تجعله قادر على تصور وتخيل وتصوير مثل هذه العمليات النفسية وتبسيطها لتخرج بطريقة سردية جميلة على شاكلة ما حصل هنا.

يتبع،