عرض مشاركة واحدة
قديم 03-25-2011, 01:08 AM
المشاركة 6
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي




النثر الجاهلي:

بنى العرب مجدهم الأدبي، في العصر الجاهلي، على الشعر. ومع أن الكتابة كانت معروفة لهم - فإن ما وصل إلينا من نثرهم قليل جداً. وكانت الكتابة تقتصر على جوانب تتصل بحياتهم السياسية والاجتماعية والتجارية، من رسائل، وعقود ووصايا ومواثيق. وفي القرآن الكريم إشارات إلى كتابة الديون، وحديث عن رحلتي قريش.. ومثل هذه الرحلات التجارية تستدعي الكتابة والتسجيل.


وليس المراد بالنثر الجاهلي هنا ذلك النثر العادي الذي يتخاطب به الناس، وإنما المراد به النثر الأدبي أو الفني الذي يعنى صاحبه بتجويده، وإتقانه لينال إعجاب القارئ، من حكمة تقال، أو قصة تروى، أو مثل يضرب، أو خطبة تلقى، أو رسالة تدبَّج، أو وصية بليغة تنقل.


مثل هذا النثر الفني قليل الوجود بين أيدينا بلفظه الأصلي الذي صدر عن أصحابه لأن حفظ النثر أصعب من حفظ الشعر، لكن الذاكرة الأدبية للرواة اكتسبت على مر العصور أصالة ومراناً، مما أتاح لهم أن يحتفظوا بنصوص من ذلك النثر، في صورتها الأصلية، وبأخرى ليست موافقة لأصلها كل الموافقة، ولكنها صورة قريبة منه، يمكن من خلالها تحديد خصائصه الفكرية والفنية. وهذه النصوص النثرية الجاهلية، الأصلية والقريبة من الأصل، وردت في طائفة من المصادر الأدبية والتاريخية القديمة. وكان في تلك النصوص فنون أدبية نثرية، تأتي في مقدمتها: الخطابة - ويلحق بها المنافرات، وسجع الكهان - ثم الحكم والأمثال - ويلحق بها الوصايا والنصائح - ثم القصص، فالرسائل.



فنون النثر الجاهلي وأغراضه:

الخطابة: ازدهرت الخطابة عند العرب متأخرة في الزمن، لأن الشعر كان متفوقاً عليها، فلما أصبح الشعر مطية للتكسب صارت منزلة الخطيب هي المقدَّمة. واشتهر في العصر الجاهلي خطباء كثيرون، مثل: قس بن ساعدة الإيادي، وهانئ بن قبيصة الشيباني وعامر بن الظَّرب العدواني، وعمرو بن كلثوم التغلبي، وأكثم بن صيفي وعمرو بن الأهتم التميميان، وهاشم بن عبد مناف القرشي.



وقد تعددت أغراض الخطابة وأنواعها، إزاء هذا الازدهار، فكانت وسيلة للتحريض على القتال، أو للأخذ بالثأر، وربما كانت في الوقت نفسه سبيلاً إلى إصلاح ذات البين أو إرساء قواعد السلم. وقد تكون في إشاعة المفاخر، والإشادة بالأنساب أمام الملوك وزعماء القبائل، والأمراء.


وقد تلقى الخطب في مناسبات الزواج، والمصاهرات بين ذوي الأحساب والأنساب، فيتكلم خطيب من كل جانب. قال الجاحظ: «كانت خطبة قريش في الجاهلية، يعني خطبة النساء: باسمك اللهم ذكرت فلانة، وفلان بها مشغوف. باسمك اللهم، لك ما سألت، ولنا ما أعطيت».


وكانت للخطباء سنن وتقاليد يتبعونها عند إلقاء خطبهم، كأن يقف الخطيب على مرتفع من الأرض، معتمداً على قوسه، أو ممسكاً بعصا يشير بها، وقد يخطب راكباً على ناقته، وبيده الرمح، وقد لاث العمامة على رأسه.



ومما يمدح به الخطيب عندهم: حضور البديهة، وقلة التلفت، وقوة الجنان، وظهور الحجة، مع جهارة الصوت. وفي مقابل ذلك كانوا يعيبون على الخطيب التنحنح، والانقطاع، والاضطراب، والتعثر في الكلام. وقد استقرت للخطابة في العصر الجاهلي مجموعة من الخصائص الفنية، كان الخطباء يحرصون عليها في خطبهم، منها: مراعاة السجع في مقامات الفخر خاصة.


أما في خطب المحافل وإصلاح ذات البين، مثلاً، فكانوا يستخدمون الأسلوب المرسل الذي لا يغفل صاحبه - في الوقت نفسه - تجويده وتنقيحه، والتروي فيه، سعياً إلى إثارة السامعين واستمالتهم. وهذا ما جعلهم يؤثرون قصر العبارة في خطبهم، وتوشيحها ببعض الحكم والأمثال، أما الخطبة نفسها فقد تطول، وقد تقصر، ولكل منهما مقام وموضع وقدر من العناية.



المنافرات: وهي مفاخرات كانت تحدث بين اثنين أو أكثر من سادة العرب وأشرافهم، وفيها يشيد كل من المتفاخرين بحسبه ونسبه ومجده وسجاياه، أمام حكم من أشراف العرب أو كهانهم، ليكون له القول الفصل في تفضيل أحد الطرفين على الآخر. ولكن الحكم يسعى في كثير من الأحيان إلى الصلح بين المتنافرين، تفادياً للشر، ويتحاشى الحكم لأحدهما على الآخر، ويلقي عليهم كلاماً بليغاً يدعوهما فيه إلى السلام والصفاء.


ومن ذلك ما كان من هرم ابن قطبة الفزاري، حين تنافر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة بعد أن اشتد النزاع بينهما، فجعل هرم يطاولهما، ويمهد للصلح بينهما، حتى قال لهما أخيراً: «أنتما كركبتي البعير، تقعان إلى الأرض معاً وتقومان معاً». فرضيا بقوله وانصرف كل منهما إلى قومه. واشتهر من هؤلاء الحكام أيضاً: ربيعة بن حذار، والأقرع ابن حابس، ونفيل بن عبد العزى، وهاشم بن عبد مناف.


وربما جرت المنافرة بين قبيلتين: كربيعة ومضر، أو قيس وتميم. وهذا ما يحيل المنافرة إلى صورة من صور الخطابة، إذ يقف كل سيد ليعدد مآثر قومه أمام الحكم، بحضور سادة القبائل وأشرافها ويحاول التأثير في السامعين ليحوز الإعجاب والحكم له بالغلبة على خصمه. وإذا فصل الحكم بين المتنافرين، سجع في كلامه حيناً، وأرسله حيناً آخر. وهو يحرص على السجع والقسم ولاسيما إذا كان من الكهان.



سجع الكهان: والكهّان عند العرب طائفة ذات قداسة دينية، وسلطان كبير لدى القبائل، شأنهم شأن الحكام في المنافرات. وكانوا يزعمون الاطلاع على الغيب، وأن لكل منهم رئيّاً - أي صاحباً من الجن - يعرف الكاهن عن طريقه ما سيكون من أمور. وكان الناس يتوافدون على هؤلاء الكُهّان من مختلف الجهات فيحكمونهم في منازعاتهم، ويستشيرونهم في أمورهم الخاصة وما يزمعونه من أعمال، أو ما يرونه في منامهم من أحلام. وكانوا يستخدمون في أحكامهم وأقوالهم ضرباً من النثر المسجوع عرفوا به.


وقد ظهر في العرب عدد من هؤلاء الكهان، وفيهم من كانوا حكاماً في المنافرات أيضاً. ومنهم: سطيح الذئبي، وشق الأنماري، وسلمة ابن أبي حيّة، المشهور باسم عُزّى سلمة، وعوف الأسدي، .بل كان فيهم نساء كاهنات أيضاً، من أمثال: فاطمة الخثعمية، وطريفة اليمينية، وزبراء.


ويلاحظ في نصوص الكهان أنها تحمل طابع التكلف الشديد في سجعها ولهذا لا يطمأن إليها كلها، فربما شاب بعضها الوضع والنحل، وربما كان بعضها محفوظاً صحيحاً، لقصره وإيجازه.


ومن خصائص أسجاع الكهان أنها - في جملتها - كلام عام، لا يرشد السامع إلى حقائق جلية، وإنما يضعه في الغموض والإبهام، باصطناع السجع، والإيماء، وقصر الجمل لإلهاء السامع عن تتبع ما يلقى إليه من الأخبار العربية، وجعله في حالة نفسية مضطربة تساعد الكاهن على الوصول إلى ما يريد، بكل سهولة ويسر، ويكون المخاطب، بتلك الإشارات الغامضة، والألفاظ المبهمة، والأقسام المؤكدة، والأسجاع المنمقة، مستعداً لقبول كل ما يقال له، بلا جدال أو اعتراض، وتأويل ما يسمعه بحسب حالته ومدى فهمه.





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)