عرض مشاركة واحدة
قديم 04-28-2012, 11:55 AM
المشاركة 484
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

68- الدقلة في عراجينها البشير خريف تونس

الصورة الوصفية في رواية " الدقلة في عراجينها"للكاتب التونسي بشير خريف (مقاربة سينمائية)
الصورة الوصفية في رواية" الدقلة في عراجينها"
للكاتب التونسي بشير خريف(مقاربة سينمائية)
الدكتور جميل حمداوي
تمهيــــــد:
يعد البشير الخريف(1917-1983م) منأهم الروائيين التونسيين الذين أرسوا دعائم الرواية التونسية إلى جانب مجموعة منالروائيين الآخرين مثل: محمدالعروسي المطوي، وعبد الحميد منيف، ومحمد رشاد الحمزاوي، وعلي الدوعاجي، وعبدالعزيز السعداوي، ومحمد بيرم التونسي، وعبد الكريم الحناشي، وحمودة الشريف، ومصطفىالفارسي، وعبد المجيد العطية، وسالم السويسي، ومحمد سعيد القطاري، ومحمد صالحالجابري، وعبد الرحمن عمار، وعبد القادر بن الحاج نصر، ومحمد المختار جنات،وآخرين...
ويتفرد البشير خريف عن هؤلاء الروائيين باستخدام لغةعامية خاصة ، وهي اللغة الجريدية أو لغة جنوب تونس. كمايتميز بكونه مؤرخا صادقا لبيئته الجريدية منذ دخول المستعمر الفرنسي إلى حيناستقلال البلاد.
هذا، وقد ترك البشير خريف مجموعة من الأعمال الإبداعيةالأدبية الشاهدة على منحاه الفني والجمالي. ومنأهم رواياته: " برق الليل"(1960م)، و" إفلاس أو حبك درباني"(1980م)، و"بلارة" (1992م)، ومجموعته القصصية: " مشموم الفل"(1971م).
وعليه، سيظل البشير خريف من الروائيين المتميزين في تونسبرؤيته الواقعية الاجتماعية، وسيبقى أيضا من ألمع كتاب بلده، وذلك باهتمامه الخاصبكتابة رواية الفلاحين والعمال، وتوظيفه للغة الجريدية، وتشغيل الوصف الاستقصائيالتفصيلي في كثير من الأحيان، والتأنق فيه سردا وتقويما وتعقيبا. وكلهذا من أجل التأريخ والتوثيق التسجيلي والواقعي، وتقديم رؤية إنسانية متكاملة شاهدةعلى تطور تونس الحديثة.
 أحجاماللقـــطات الوصفيــــة:
من المعروف أن السينما قد استمدت مجموعة من التقنيات منالرواية كاستفادتها من زاوية النظر التي تنبني على الرؤية السردية، وطبيعة الرؤية ،ووظائف الراوي، وطبيعة المنظور السردي ، والذي يحيل على اللقطة السينمائيةوأنواعها. ومنهنا، فاللقطة السينمائية ما هي في الحقيقة سوى تحوير لزاوية النظر في علم السرديات، وذلك بكل تمفصلاتها الفرعية. ومنثم، فنحن في حاجة إلى استعمال مصطلح اللقطات السينمائية ، وذلك لتوظيفها في ورقتناالنقدية هاته من أجل التمييز بين مجموعة من اللوحات الوصفية على ضوء المنظورالسينمائي على حد خاص.
1- اللقطـــة الوصفيـــة البعيـــدة:
تعتمد اللقطة الوصفية البعيدة على التقاط المكان الموصوفمن زاوية بعيدة ، وذلك لتقديم فضاءات الأحداث والشخصيات كي يتعرف عليها القارئالمتقبل، كما في هذا المقطع الروائي الذي يرصد فيه الكاتب فضاء كيفان الطين الحمراء:" كان يحث السير فجرا، وراء كيفان الطين الحمراءوهو في برنوسه الصغير يتبع المنعرجات، كأنه إجاصة تسعى، هو ذاك الطريق يلتوي صاعداإلى المواعدة حيث المرح والحنان، حيث أمه الطالق وابنة الخال ولطفها وصغرها، يتخذهالعبة، حيث العربي أخوها، الذي يستجيب له سريعا، إذا ما اعتدى عليه أحد فيالزقاق"(ص:23).
وتحضر هذه اللقطة الوصفية ، وذلك حينما يذكر الراوي فضاءالمتلوي ، والذي كان في السابق أرضا صحراوية جدباء ، لتتحول بعد ذلك إلى أرض طافحةبالكنوز الثمينة والمعادن النفيسة، يستمتع بها المحتل الأجنبي استعماراواستغلالا:
" أصبح الولدان في المتلوي يتجولان بتطلع واهتمام في قرية جديدة قد سمعاعنها الكثير.
انك لتسأل أحد قدماء العملة العائدين إلى البلد عنالمتلوي، فيدوخ رأسه حسرة ويبتسم، ناظرا نظرة بعيدة غائبة ويكتفي بأنيقول:
-
أوهوه! المتلوي!
الأرض لأولاد بو يحيى، تقع على ثمانين كيلومترا شمالينفطة، أودية قفراء، وتلال جرداء تصهرها الشمس ويحدو سمومها فحيح الأفاعي والحيات،إلى أن مر بها البيطار الفرنسي فيليب طوما.
استرعت هذه المفازة انتباهه، وكرفت عبقريته النافذة، إنهذه الطبيعة القاحلة، المكفهرة، تضم خيرا كثيرا، فتوقف ونصب خيامه ونقب فاكتشف سمادالفوسفاط فتأسست شركة صفاقس قفصة في أواخر القرن الماضي(1886).
عمل الفكر الإنساني عمله، فأرغم الطبيعة واحتال علىاستخراج خيراتها من جوف الأرض
".(ص:143)
وقد جاءت هذه الصورة الوصفية البصرية الراصدة عبر نظرةالكاتب البعيدة إلى الفضاء والأشياء، وذلك لتقديم إطار الأحداث في عموميتهالبانورامية.
2- اللقطــــة الوصفيــة العامـــة:
يقصد باللقطة الوصفية العامةGénérale تصوير المكان على ضوء رؤية عامة، مع تركيز عدسة الرؤية على الشخوصالموجودة داخل هذا الفضاء ، كما هو الحال في هذا المقطع الذي ينقل فيه الكاتبمجموعة من الشخوص الروائية داخل الفضاء ، ولكن من زاوية نظر عامة وبعيدة إلى حدما:" خرج الصبية وأدركوا الأحمرة، وانطلقوا ركضا إلىالواد. هناكجنة الأطفال الماء والرمل والحمير والنخل. وجدوا أبناء عمومتهم وجيرانهم وصبية من العروش الأخرى، وعجائز يغسلنالصوف وبنات يلعبن بالماء، مشمرات ثيابهن المبللة، والصغيرات في بذلة حواء، ورؤوسالنخلتذوي بالضحك وصراخ من حلقت به الدرجيحة فوقالأشجار"(ص:33).
وهكذا، ينقل لنا الكاتب في هذه الصورة الوصفية منظرا عامايحوي الشخوص الرئيسية في الرواية.
3- اللقطـــة الوصفيـــة المتوسطـــة:
تنقل هذه اللقطة الوصفية المتوسطةMoyenne ثلثيالجسد ، وذلك داخل إطار الرؤية الوصفية التي يستند إليها الكاتب الواصف، وهي تقابلالرؤية الشاملة التي تعتمد على تصوير الشخصية بشكل كلي.
ومن هنا، فالكاتب يصور لنا العطراء الصغيرة، وهي تبكي علىوردتها التي انتزعت منها عنوة من قبل حفصة بنت رقية:" خبطتالعطراء على فخذيهاوبكت،ثم التقطتها وانصرفت تتأمل ورقها الممزق وبين الدارين أمسكت عن البكاء، فليس هناكمن يسمعه، ولا فائدة فيه، وجعلت تدعو على حفصة بجميع الأمراض المنكرة والحوادثالفظيعة والبلايا والرزايا، وتهيب بالعقارب أن تلدغها والأفاعي أنتنهشها"(ص:39-40).
وينقل لنا الكاتب في هذه الصورة ثلث جسد العطراء إلىالفخذين، وذلك للتعبير عن بكائها الشديد ، وتصوير صراخها الملتهب من أجل استعادةوردتها. وتشبه هذه اللقطة المرصودة اللقطة الأمريكية، والتي تركز غالبا على نصفجسد الممثل.
3-
اللقطــــة الوصفيـــة القريبــة:
من المعلوم أن اللقطة الوصفية المقربةRapprochée أواللقطة الصدرية تنقل لنا الشخصيات من الصدر إلى الأعلى، وذلك للتركيز علىالانفعالات الجسدية والنفسية سواء أكانت شعورية أم لاشعورية. ومنبين الأمثلة التي تعبر عن هذه الرؤية الصدرية المقربة اللقاء الحميمي الصادقشعوريا، والذي كان يجمع خديجة المطلقة بابنها المكي، بعد غياب أسبوعي في الزبدة معوالده وجدته الحاضنة زبيدة ، وذلك بعيدا عن والدته الحنونة الحقيقية:"فيسكن إلى صدرها، وسط ثيابها، يتنفس العود قرنفل والعفص منعبونها. فإنهمشتاق هو أيضا إلى رائحة الأمومة الحقة. ويدسوجهه في صدر مليء لحما وقوة وعطفا لا كصدر بيبي، الأجرد الجاف"(ص:24).
وتعبر هذه الصورة الصدرية في الحقيقة عن الصدق الأمومي،وافتقاد المكي للعطف والحنان والرأفة والشفقة ؛ وذلك بسبب غيابه الأسبوعي عن أمهالتي طلقها زوجها الزبيدي. ومنثم، فهذه اللقطة تعبير صادق عن المناحي السيكولوجية، والتي تعمل اللقطة على تجسيدهاحركة وسلوكا وتفاعلا ووجدانا.