عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-2011, 04:48 PM
المشاركة 117
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تحية إلى ليلى بعلبكي: بطلتها لينا لا تزال تهـتف: أنا أحيا

لور عريب (بيروت
الأربعاء, 16-ديسمبر-2009 06:12 مساءا
أنا أحيا" هو عنوان الرواية الاولى التي كتبتها ليلى بعلبكي منذ 51سنة، فأثارت موجة من الاعجاب من جهة والتهجم من جهة اخرى، لأنها كانت تحاكي الأناوتتحدى التقاليد وتروي قصة فتاة قررت ان تعيش تجربة الحياة من دون ان تقيم وزنالأدبيات واخلاقيات لا تتجاوز الممنوعات والمحرمات التي كانت تشكل نوعا من السدود فيوجه الانزلاقات نحو الوجودية وسمومها التي قيل إنها مهلكة للنفس وللجسد.
كانتالاديبة الراحلة فرنسواز ساغان قد سبقتها بقليل وفتحت امام بنات جيلها الطريق التيتختصر المسافات بين المقبول والمحرّم في الحياة الاجتماعية الصارمة في حكمها علىالفتيات، أياً تكن الطبقة الاجتماعية التي ينتمين اليها. لقد كانت البادئة فياختراق القوانين والقواعد السائدة انذاك، فقلبت الموازين وسارت في اتجاه يتلاءم معرغباتها وميولها ومواقفها من كل شيء، وذلك من دون خجل او تردد او مراوغة. نشرتكتابها الشهير "مرحبا يا حزن" فأقام الدنيا ولم يقعدها إلاّ بعد مضيّ سنواتعدة.
ليلى بعلبكي لم ترو قصتها بل كتبت بصدق ووعي ما قد عانته صبية لبنانيةتحدّت الجميع وتجرأت على قول ما يتفاعل به جسدها من دون ان تخشى ردود الفعل فيالمجتمع الذي لم يتعوّد كتابة كهذه، ولا بوحاً واعترافاً وتعبيراً تعبّر كلها عناشياء جديدة لم يُقرأ سابقا مثلها.
كان ثمة ويلات كثيرة تنتظرها لأنها جاهرتولبّت واحترمت رغبات جديدة ومتطلبات كان عليها ان تراعيها وتتقبلها وتتفانى فيالدفاع عنها ضد كل من تجرأ واعتبر هذه الرواية ضربا من الاباحية غيرالمقبولة.
لكن الكاتبة الحقيقية لم تخف. لم يزعجها كل ما قيل ضدها. لم ترعبهاالحملات من اي جهة اتت. لم تحسب انها ستكون وحدها في مجابهة الجميع، أكانت الحملاتنسائية ام ذكورية. عرفت ان محاربيها فئتان: أولئك الذين وقفوا ضدها في المبدأ لأنهاجاهرت في حين أنهم اختاروا الرضوخ، وهؤلاء الذين فشلوا في حين أنها نجحت متسلحةًبموهبتها وحصانتها الروحية وقواها العقلية والجسدية.
لم تستسلم ليلى بعلبكي، ولمتقبل في أيّ لحظة بأن تُقهر، فمزّقت غشاء البكارة الثقافية والعقلية، وكسرت الجدار،جدار اللغة وجدار المحرَّم المجتمعي، ففتحت بذلك الطريق أمام الما لا يقال والما لايُعبَّر عنه عند المرأة.
لم يبق اديب أو باحث أو مثقف او شاعر او مسرحي او فنانتشكيلي او موسيقي او راقص كلاسيكي او ممثل الا حيّا الوجه الجديد في الادب اللبنانيوفي الادب العربي. الجميع طوّبوها اديبة فاتحةً الصفحة المجيدة التي ستتحرك ضمنهاوليس خارجها كل فتاة لم تكن لتجرؤ قبلا على البوح والاعتراف وعدم الخجل من المشاعروالرغبات والتصرفات التي تصادفها في حياتها الخاصة.
انهالت عليها الطلباتللمقابلات والعروض لترجمة التحفة الجديدة.
كانت الوجودية في عزّها في فرنسا. وكان جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وسواهما يلتقون في مقهى "لي دو ماغو" في باريسالوجوه الشابة الوافدة الى العاصمة الفرنسية للانغماس في الاجواء الوجودية السائدة. وكنا جميعا في بيروت نقوم بالتبشير بالحرية وبحقوقنا في التصرف بأجسادنا كما يحلولنا. لم نعد نقبل بأن نكون "بوبيه دو لوكس" ولا اسيرات التقاليد ولا جاريات الامراءوالشيوخ. اصبحنا ننادي بحقنا في الحياة، وذلك خصوصاً لأن ليلى بعلبكي كتبت "انااحيا".
لن أستفيض في سرد ما تتضمنه هذه الرواية. فليقرأها الجميع. انا من ناحيتياعدت قراءتها وتمتعت بها. وأستطيع أن أقول إن الرواية لم تفقد نضارتها على رغم مرورهذا الزمن الطويل، بين الصدور الأول والصدور الثاني الآن، كما ان ملامح البطلةالرئيسية في الرواية، لينا، لم تبهت البتة. فهي لا تزال مندفعة، جسداً وكلمات،مشاعرها، أحاسيسها، جملها، سريعة، متدفقة، متوترة، حيوية. تتدحرج كالحصى فوق وادسحيق. لينا لا تضيّع وقتا كثيرا في الوصف او الحوار بل تختصر الاشياء بجمل خاطفة،مقطعة ومباشرة. تذهب بسرعة الى الهدف. لا لفّ عندها ولا دوران معها. انها حديثةومعاصرة ومتمردة ومالكة لجسدها وروحها وكل قواها العقلية، لتلبية ما تتفاعل معه ومايتوافق مع سجايا حواسها ومشاعرها.
على رغم الشهرة، لم تفقد ليلى بعلبكي صوابها. ولم يصعد البخار الى رأسها. بقيت واعية ومنسجمة مع نفسها. كتبت القصص القصيرة. نشرتها ونشرت عشرات المقالات والاحاديث هنا وهناك. ثم نشرت "سفينة حنان الى القمر" ومن بعدها " الالهة الممسوخة".
تجرأت وانتقدت في الصحف مواقف المسؤولين والوزراءوالنافذين. لكن هؤلاء وسواهم، من اهل الدنيا والدين، لم يتركوها تتطاول وتقول ما هيمقتنعة به. فجرّوها الى المحكمة. وقد أدى ذلك الى تفجير عاصفة من المواقف المؤيدةوالمضادة. وقد ربحت قضيتها لأنها كانت صادقة وحرة في كتاباتها وفي مواقفها وفيمجابهتها القمع والكبت والظلم والتعدي.
وفجأةً، من دون سابق انذار، دخلت في سباتعميق. فلم تعد تنشر ولا تكتب، اقله ظاهريا.
عندما كنا نسألها ماذا تفعلين، كانتتجيب بسرعة إنها تكتب. لكأنها لا تريد التحدث بهذه القضية.
كأنها كانت غائبة عنذاتها.
كأنها كانت رافضة لذاتها.
كانت تعاقب كل ما قامت به ليلى الشابةالثائرة المتمردة الجريئة الفاضحة لكل شيء لا يتماشى مع اقتناعاتها وسلوكهاوحاضرها.
ادارت ظهرها الى لينا والى جميع البطلات اللواتي اخترعتهن ومنحتهنالجسد والروح والعمر والقصص والاقدار والغياب. من دون سبب. حكمت عليهن بالاعدام مندون فرصة للأسباب التخفيفية.
نامت عنهن. صمتت عنهن. استقالت منهن.
لكنها،فجأةً أيضاً، ها هي تفيق اليوم. كلا ليس اليوم. فقد افاقت عندما ادركت ان الزمنيمشي بنا وبدوننا. شعرت ان 50 سنة مرت على ولادة لينا، بطلة "انا احيا". فأرادتاعادة الشباب اليها. اعادت قراءتها. فشعرت بأنها لا تزال طليعية. هكذا اخرجتها منسباتها واعادتها الى الحياة. وهي تحيا من جديد في معرض الكتاب الذي افتتح أخيرا فيبيروت. وتنتظرنا مساء غد في جناح "دار الاداب" مع "سفينة حنان الى القمر" و"الالهةالممسوخة".
نحن من جهتنا، ننتظر جديد ليلى بعلبكي قريبا. بل نتمنى ان يتحقق ذلكقريبا جدا